بعض من عرفت ( الجزء الثانـي )
بعضُ من عرفتْ ( الجزء الثاني ) بسم الله بعد عراك صامت مع نفسي وشد وارتخاء وتردد وخجل , قررت ان اشرع في كتابة فصول جديده من حياتي . ( التي لاأظنها تهم الكثير ) سوى رغبة المشاركة مني واجترار احداث من زمن منصرم احرقته احداث تتجدد كل يوم فنعيش الجديد بكل مافيه من بسمة ودمعه , وهل خلق الإنسان الا في كبد وحركته لاتتوقف الا بسكون النابض الهادر للأحمر القاني . لكن في حدث الماضي استذكار مغلف بحسرة وآهة تحرق اوراق الذكرى لكن المرء بعناده في لحظات سكون وتأمل يشتهي العودة الذهنيه الى الماضي , يشده الى ذلك اشخاص احبهم وغمروه بأحظانهم ودفء عاطفتهم كأب وأم واخوة , لم يعد منهم سوى ذكرى في ارشيف الزمن , او صداقات كانت يوما هي كل وقته , منهم الرأي والحوار والمشاركه , لكن المتغيرات بقسوتها غيّبت وجووهم سواء برغبة او قسراً كموت او سفر . هي الحياة بألوانها الزاهية والشاحبه تغيب وجوه وتأتي وجوه , وكما البشر لهم حكايات وذكريات فالجماد لايختلف عنهم صحبة الذكريات , فأنا دوناً عن الكثير , ولأمر لايد لي فيه , تنقلت بين الكثير من احياء مدينتي , فتعددت مدارسي وتنوعت صداقاتي بسبب طبيعتي العشريه رغم اني لاقيت من البعض اساءات بسبب سذاجتي احيانا وحسن ظني المفرط في البشر , فكان له مردوده السيء على حياتي للأسف , لم اوفق في حياتي الدراسيه كما كنت اتمنى ولم اعتلي منصبا وظيفيا له قيمته , بسبب التنافس الغير شريف والدسائس التي لاأجيدها ووالله لاأعرف كيف يرتب لها البعض وبكل اسف ينجح !!! اطلت في هذه المقدمه لكن كان لابد منها تمهيدا لما سوف ارويه تباعا , وحكاياتي وذكرياتي ليست بالضروره ان تأتي متسلسله زمنيا لأن هذا صعب اولا من حيث التواريخ , ثانيا وهو الأهم ان بعضها لاتستحق الكتابة عنها كي لايصيب القاريء الملل , فحدثها لايهم الكتابة عنه . ارجو ان يجد من يقرأها الفائدة والعبره الى جانب التسليه . |
ولايهدأ الداء عند الصباح ولايمسح الليل اوجاعه بالردى بدر شاكر السياب الحكايه الأولى صديقي ابراهيم ( الصديق الذي فقدته مبكرا ) في احد الأحياء وسط مدينة الرياض , حي شعبي كان في حينها جميلا نظيفا سكانه جميعهم مواطنين متناغمين , يعتبر هذا الحي من اطول فترات السكنى لأهلي فقد بقينا فيه مايقارب العشرين عاما وإن كانت مقسومة على فترتين بسبب احداث يأتي ذكرها فيما بعد , في تلك الفترة كنت في المرحلة الأبتدائيه في الصف الرابع . كان لي صداقات مع بعض ابناء الجيران لكن اغلبها لايرقى لمعنى الصداقه الحقيقي بحكم السن والتفكير , هو وقت نقضيه في لعب الكره في اي ارض فضاء قريبه او نترافق احيانا للسوق ولم يكن في ذلك الوقت مايجمعنا غير الشارع حيث لايوجد العاب تلفزيونيه . وفيما بعد عرفنا لعبة الشده ( الكوتشينه ) والكيرم والضومنه ... هذه حدود تسليتنا وكنا نأنس بها وتجمعنا بعد ان كبرنا . من ضمن صداقاتي في ذلك الوقت رفيق أانس اليه لحلو حديثه ورقته هو ولد جيران اكثر من تعريفه بصديق ... فلم نكن نوازن بين الصداقه بمعناها الحقيقي والصحبة العاديه , كل مايهم ان نقضي وقتا طيبا , كنت مع جاري ابراهيم نترافق في التجوال في الحاره او نبتعد قليلا ... انسان طيّب النفس محب للمرح , لازلت اذكر تعليقاته علي شخصي ولكنه لايلبث عندما يلاحظ اني ( زعلت ) ان يتراجع ويراضيني . هو وحيد اهله على بنات لاأذكر عددهن ؟ فلم نتحدث في هذا الأمر يوما ,جاء لي مساء يوم يدعوني ليستضيفني بمنزله لأشاهد معه حفلة تلفزيونيه لمجموعة من الفنانين السعوديين , فلم يكن لدينا جهاز تلفزيون في حينها وكان دخوله حدثا لايقدر على اقتناءه الا المترفين , وسهرت عنده تلك الليله وبهرني هذا الأختراع العجيب وشغل تفكيري ليلتها . بقيت صداقتي مع جاري ابراهيم اثناء وجودنا في ذلك الحي , وحين غادرناه بشكل مؤقت , لم اقاطعه بل كنا نتزاور بين فترة واخرى ,وعندما افتقدته يوما ذهبت لزيارته وطرقت الباب اسأل عنه , فأجاتني احدى شقيقاته من وراء الباب بصوت حزين ( ابراهيم مات من يومين ... انت ماتدري ؟ ) وقع الخبر علي وقوع الصاعقه ؟ متى حدث هذا وكيف ؟ اصابني شبه دوار واستعظمت الأمر وصدمتني المأساه التي لم تكن على البال . رجعت الى بيتنا متثاقلا استعيد اثناء الطريق حواراتنا ومواقفنا , قسمات وجهه وهو يضحك او يتحدث , الكثير مما جرى بيننا من صحبة طيبه , وصافحت وجنتي دمعة كان لابد لها من الفرار , صعب على الإنسان فقدان من يرتاح اليه او يحبه او جمعته معه ذكريات جميله ,اكتفي بهذا فلا أحب الغوص اكثر لأن الذكرى اليمه . رحمه الله القادم ( صديقي الذي نسيني ) |
بعض من عرفت [/size (الجزء الثاني) ( 2 ) احلى الأماني فيك يازمان لقا الاحبّه في كل اوان بيرم التونسي عبد الرحمن ( صديقي الذي نسيني )! عام 1971م كنت في عز بحثي عمّـا ينقصني من درر الموسيقار وكنت لاأدخر وقتا في البحث , اجوب الاسواق المختصه بالأشرطه والاسطوانات وابحث عن شركاء قد اجد لديهم مالا أجده بالأسواق . عثرت بالصدفه على مجنون مثلي يعلم ــ حينها ــ عن الموسيقار مالا اعلمه ... تم التعارف بيننا وكنت حريصا عليه دون حرصه عليّ ! واذكر اني حين انشغلت مع البائع التفت فلم اجده فأسفت لذلك , لكني صممت على صداقته حبا في الموسيقار ولأنه ذكر لي اسماء اغنيات اول مره اسمع عنها , فلحقت به لكني لم اجده في السوق ورجعت لصاحب المحل اسأله عنه فأجاب انه زبون دائم سألته اين يسكن ؟ فذكر لي اسم الحي فقط فهذه حدود عنوانه الذي يعرفه ؟! تضايقت وتساءلت : وبعدين ؟ لكني صممت ان اجده , خاصة ان الحي الذي يقطنه ليس بالكبير وحدوده معروفه ... فقلت في نفسي لأذهب اولا لتحديد الموقع . حزمت امري عصر يوم ويممت شطر الحي . كانت وسيلة الركوب ( دراجة ناريه ) اوما تعرف بالموتور سيكل . دخلت الى الحي من الشارع الرئيسي ...امشي على مهل والتفت يمنة ويسره , ودون سؤال او جواب وجدته يجلس امام بيته وحين لمحني ابتسم ووقف يرحب بي ويسأل : مين دلّك؟ قلت ان من يرغب امرا ويصرّ عليه يكافأ . دخلت مجلسه الفريدي ثم نقلني الى غرفته الخاصه يريني اياها ولأنها غرفة اعدت للنوم فقط فقد عدنا الى مجلسنا في بيت طيني جميل , تحدثنا طويلا عن الموسيقار وحبنا له واسمعني العديد من الأغنيات التي ليست عندي وحدثني كثيرا عن تاريخ الموسيقار , اعجبت بهذا الصديق واحببته وشكرت الله ان هداني اليه . ورغم ان اعمال الموسيقار في البدايه اغلبها من عنده بعضها تسجيله ممتاز وبعضها رديء لكنها خير من العدم , وقد قال لي وانا ابحث بين الأشرطه لأختار ماليس عندي , حين رأى اني اكثرت الأختيار ... قال : ماعندك شي معنى كذا بتاخذ كل اللي عندي . استغربت سؤاله وانزعجت بعض الشيء ... لكنها جملة نسيتها مع الزمن ولم تؤثر في صداقتي به . الأمر الجميل انه مع الزمن اصبحت انا المصدر الرئيسي له بتسجيلات لم يعرف منها سوى الاسم وبعضها يجهله واغلبها تسجيلات نقيه صافيه . كان هذا نتيجة المثابره والأصرار وكثرة البحث الجاد عن المصادر . سارت بنا السنون ( عشرون عاما ) تقريبا كان التواصل فيها مستديما وطيبا يحوطه المحبة والأحترام والسؤال عند الغياب ... سافرنا سويا اقمنا سويا .كل معاني الصداقه الحقيقيه المنزهه من اي غرض دنيوي كانت هي عنوان علاقتنا الفريديه الجميله . فيما بعد دخل ميدان التجاره , دعوت له بالتوفيق , لكن هذا كان على حساب لقاءاتنا التي تضاءلت حتى كادت تنقطع لولا اصراري على التواصل بزيارته في مكان عمله والسؤال عنه وكلما حصلت على عمل جديد ابادر الى تسجيل نسخة له بلا منة ولافضل فله علي فضل سابق في هذا الأمر ثم اني افرح لفرحه . لكن لأنه لاشيء يدوم الا الخالق وحده , فقد لاحظت عليه في السنوات القليله الماضيه عدم حماس لزيارتي وسؤالي خاصة بعد ان اصيب بنفس المرض الذي اصبت به قبله بسنتين , ورغم اني تداويت منه واخذ مني زمنا ليس باليسير ورغم اني لازلت اعاني منه بعض الشيء والحمد لله على كل حال , الا انه يقول ان موضع مرضي وطريقة علاجي تختلف عنك , لكي ارى انه في النهاية ابتلاء وعلينا الصبر والأحتمال اما الحزن والضيق لن يبدلا من الأمر شيء والواجب ان نحتفظ بألمنا بصمت وان لا يؤثر ذلك على من حولنا فتصيبهم عدوى آلامك . بقيت علاقتي بأخي وصديقي قائمة الى اليوم رغم انه لايسأل ولاأجد لديه حين ازوره ماكنت اجده قبل سنين . التمست له العذر , وليس بالضروره ان تكون مشاعر سعود هي نفس مشاعر عبد الرحمن , كل امريء وتركيبته النفسيه , ولعل لمرضه دور في ذلك , ادعو لنفسي وله ولكل مريض بالشفاء . ولازلت احمل له نفس المشاعر والحب لم يؤثر فيها حدث او نسيان او تجاهل فقد قضيت معه اسعد اللحظات رفق انغام الموسيقار وله في قلبي اجمل الذكريات . هديه: كل الأمور تبدا بفكره ثم تتلون الصفحات (سعود) القادم صديقي الذي هجر الموسيقار ونصحني بتركه |
بعض من عرفت ( الجزء الثاني ) ( 3 ) اذا كنت في كل الامور معاتبا صديقك لم تلق الذي تعاتبه فعش واحدا أو صل اخــــاك مقارف ذنب تارة ومجانبـه بشار بن بُرد أحمد ( صديقي الذي هجر الموسيقار ونصحني بتركه ) صديقي احمد سعى اليّ للحصول على اعمال للموسيقار لا توجد لديه يعرف بعضها ويجهل اكثرها , جاء يوما الى مقرّ عملي ولم اكن موجودا ولأنه يعرف بعض زملائي طافوا به بين الأقسام وبالصدفه شاهد مجموعة من الكتب الخاصة بالموسيقار كنت اتيت بها للمكتب , فازداد حماسه لمعرفتي وتم له ماأراد . كان هذا في عام 1978 او 79 / .. صديق فرحت لمعرفته فقد كان ولايزال دمث الخلق مرح الطباع صادق الوعد , واسعدني الحظ بمعرفة اخوته الذين لايختلفون عنه خلقا وطباع اخصّ منهم شقيقه الأكبر حواره جميل وقناعاته رائعه بسيط وشعبي بالمجمل . استمرت صداقتنا ردحا طويلا من الزمن كنت فيه مصدره لأعمال ومعلومات وتاريخ الموسيقار . كان لنا فيها الكثير من المواقف الطيبه والأحترام المتبادل , وكان جُلّ اهتمامنا بأعمال الموسيقار الفنيه والغنائيه نتبادل المعلومات حولها , احضرنا الكثير من الأفلام التي كانت بكرات سينمائيه استمتعنا بمشاهدتها والأستفادة من تسجيل اغنياتها . ودار الزمن دورته حيث سافر هو للدراسة في امريكا وكان يراسلني بين حين وآخر ويزودني بأخباره , وكنت افرح له وادعو بقرب عودته , وحين عاد كان رجلا اكثر انفتاحا , لكن اهتمامه بالموسيقار لم يكن كما كان قبل سفره , فقد انصاع للحياة الغربيه حتى في سماعه للموسيقى , وتراجعت كثيرا درجة عشقه لموسيقى موسيقار الأزمان . لم استغرب او اتضايق من هذا التحول , فكل امريء حرّ... في قناعته وتحديد اسلوب حياته , المهم اننا بقينا اصدقاء , ولم يتم اي تغيير فقد امتزجت نفوسنا وميولنا الأنسانيه باستثناء درجة ميلنا للموسيقار فأنا توسعت كثيرا بينما هو تراجع . اخذتنا دوامة الحياة ولم نعد نشاهد بعضنا كما كنّا , ولاغضاضة في ذلك فهو امر يحدث حتى بين الأخوه . فوجئت به يوما يتصل علي ويحدد موعدا لزيارتي , فرحبت به واعددت له موجبات الضيافه , لكني رأيت انسانا آخر !! فقد اطال لحيته وبدا لي من حديثه واسلوبه ومظهره كأحد المشايخ ؟ سألته عن هذا التغيير فأجاب انه ( التزم ) وهي كلمة تقال عندنا لمن يهجر الأغاني والسهر والسفر واحيانا مشاهدة التلفزيون ! بل ان البعض لايعجبه العجب ولا الصيام في رجب !! وكأن الحياة عبادة وتزمّت وانتقاد لأي فعل لايأتي على هواهم ؟ والنتيجة مانشاهده اليوم فقد انقسم المجتمع بين تطرّف وانفلات الا من رحم ربي . غادرني صديقي ولم يضايقني بفعله فكل انسان وخصوصيته طالما لم يطالني منه اذى . وأسفت ان صديقي بوضعه الحالي لن يهتم بزيارتي مثلما سبق لكنها حريته وقراره . فيما بعد وصلني منه خطاب ( لازلت احتفظ به ) كال فيه التُهم والتكفير للموسيقار ومذهب الدروز وكتب فيما يشبه التهديد انه علي التبروء من الموسيقار وماكتبته عنه وسوف يكافئني ان فعلت هذا , وإلا فإنه سيقطع صلته بي ! طويت الخطاب ونسيت الأمر , فلا أحب الأملاءات ولا الوصايه , ولأن اي قرار اتخذه يجب ان يكون نتاج قناعتي وليس امتثالا او فرضا . بعد سنوات عادت صداقتنا ولو بشكل خفيف , بقي هو على وضعه الجديد وانا كما كنت , وفي لقاءاتنا نتحدث طويلا في امور الحياه واحيانا عن الموسيقار وقد خفّت حدّته كثيرا بل انه طلب مني رابط الموقع فأعطيته اياه , لاأنكر اني تضايقت من ذاك الخطاب لكني مع الايام نسيته .ولاتزال صداقتنا قائمه رغم انها ليست كما سبق , تمضي الشهور دون لقاء او اتصال , ومع ذلك فالأحترام بيننا قائم . اعيب على صديقي انفعاله وسرعة تأثره واستعجال قراره , ولو منح نفسه وقتا في الحكم على الأمور لطاب فعله واتضحت رؤيته , لكنه بالمجمل انسان نقي لم يطالني منه طوال سني معرفتنا اي مأخذ الومه عليه . ويبقى اي فعل جميل تحفظه النفس ولاتؤثر عليه مجريات الأحداث . القادم صديقي الذي اراد غوايتي وانقذتني منه عناية الرحمن |
بعض من عرفت ( الجزء الثاني ) (4) كـمْ من فتى تحســبه ناسكـا يستقبل الليل بأمر عجيب القى عليه الليل استاره فبات في لهوٍ وعيش خصيب يحي بن خالد البرمكي عبد العزيز ( صديقي الذي اراد غوايتي ) بعد خلاصي من الأبتدائيه وشبحها البغيض مادة الحساب , قررت ان اتابع دراستي مساء لأتفرغ لعمل استرزق منه , كان ذلك عام 1970م . فسجلت في المدرسة المتوسطه نظام ليلي , متكلا على الله ان يعينني على بلادتي في تلك الماده الصعبة علي . جاورني في طاولة الدرس طالب اكتشفت بعد اسبوع انه يشبهني في بعض طباعي الأنسانيه ولأجل هذا كنا نترافق في المدرسه ثم تجاوزنا اسوارها الى البيوت , وقبلها كنا نخرج احيانا من الدرس لنتسكّع في الأسواق ونشتري ماطاب لنا من الكتب والمجلات نتداولها بيننا , فما يشتريه هو امتنع عنه انا والعكس , كي نوفر المال القليل . امضينا شهرين معا في المدرسه بغير اهتمام , ودون ترتيب استقر الأمر على ترك المدرسه والأكتفاء بما مضى , هو من البدايه لم يكن مهتما وكأنه جاء يتسلى ! اما انا فقد اكتشفت ان هناك مادة اخرى اسوأ من مادة الحساب اسمها ( الجبر ) ... لذا تركت الدراسة غير مأسوف عليها , كنت اتعارك مع مادة الحساب من قبل , بكسورها الأعتياديه وتجزأتها التي لم افهم فيها شيء الى اليوم , ثم افاجأ بمادة الجبر ومصطلحاتها ( سين + صاد ) الخ؟ احسست ان من وضع هذه المواد يقصدني انا ... بعد الأرقام جاءت الحروف !؟ ولاحول ولاقوة الا بالله . وبعد تفكير سريع وطاولتي تشكو مكوثي , وقفت شامخا , وطويت كتبي واقلامي واستأذنت , مغادرا غير نادم , مودعا الدراسة الى الأبد . احسست اني انعتقت من عبودية الدرس وظلم الحساب والجبر ( لو كانا رجلين لقتلتهما وارحت العباد من شرهما ) حين وصلت اعتاب المدرسه اذْ بصديقي يلحق بي ليسألني عن الأمر . اجبته بغير اهتمام ( قررت ترك الدراسه ) فضحك ملء شدقيه وقال : وانا معك . وكأننا قررنا غزو الكفار طلبا للشهاده !؟ تركت المدرسه لكن صديقي لم يتركني , ولأنه مثلي عاشق للكَتب محب للحياه فقد وجد عندي ماجعله يتمسك بي , دعاني ذات ليله الى العشاء بمنزله ,ورؤية مالديه من كتب ولم امانع , واكتشفت ان منزله ليس بعيد عن حيّــنا , يمكن الوصول اليه بالأقدام . بعدها تزاورنا كثيرا وقرأنا اكثر وتصعلكنا في الأسواق ماطاب لنا , وكل يوم تكبر صداقتنا , استمر هذا الحال ثلاث سنوات او تزيد قليلا . كنا نتزاور بلا موعد , فلا تلفونات ولا أمر يستحق ان نطبع له كروت دعوه , كانت صداقتنا بسيطه جدا وارتياحنا لبعضنا اعفانا من الرسميات . بعد هذا الزمن زرته في احدى الأمسيات , استقبلني في صالون منزله , لكني لاحظت انه يطيل الصمت وحديثه مجزّأ , فسألته إن كان مريضا ؟ نفى هذا عنه .. بعد دقائق استأذنت فأذن لي , مما زاد غرابتي فمن عادته ان يستبقيني . بعد اسبوع كررت الزيارة لأطمئن عليه , فوجدت لديه ثلاثه او اربعه لاأذكر , مجموعة وجوه لا أعرفهم واحسست انهم تحرّجوا من وجودي فأخذوا بالأستئذان تباعا وانا في حيرة من امري واحسستني متطفلا , فهممت بالخروج لكن صديقي اشار بيده لأجلس فجلست . وفجأة مدّ يده اسفل الكرسي الذي يجلس عليه واخرج صحنا صغيرا يحوي لفائف من التبغ بحجم اكبر من المألوف , فأخذ لفافة وناولني اخرى . سألته ماهذا ولما حجمها كبير , اجابني وهو يبتسم : هذا اللي بيخليك في دنيا غير الدنيا . وحين لاحظ وجومي واستنكاري وجهلي , لم يتردد بقوله تسمع عن ( الحشيش ) قلت اسمع عنه , قال هذا هو , جربه وسوف تدعو لي ! قلت له اسمح لي انا لااستعمل شيئا لاأعرفه . ولأنه قرر ان اشاركه , ترك كرسيه وجاء ليجلس الى جواري وانا ارقبه بدهشه , وتذكرت شيئا وقلت في نفسي لابد انه في تلك الليله السابقه كان يستخدم هذا الشيء , لم نكن نعرف في تلك الأيام مسمى ( مخدرات ) ومثلها مسمى ( ارهاب ) كانت الحياة مختلفه تشعّ بساطة وحب ونوايا حسنه . اخذ صديقي ينفث علي من لفافته , وبدأ تأثيره علي لأني احسست بثقل وهبوط وأخذت جبهتي في التعرّق , واحسست المكان كمرجيحة , حينها ادركت ان الأمر قد يسوء ويصل معي الى مالاتحمد عقباه . فاستأذنت بالأنصراف وهو يعتذر ان كان ضايقني إنما اراد لي ان ازيح الهم عن نفسي ( رغم اني ماشكوت له هما )! في تلك الليله لا أدري كيف وصلت بيتنا , ماأعلمه اني نمت حتى ضُحـى اليوم التالي , الأمر الذي اغضب والدتي لأني غبت عن عملي ولازلت جديدا فيه , ولازالت كلماتها الثائرة الحنون تطرق سمعي وهي توقضني : تراهم بيفصلونك . بعد اسبوع جاء لزيارتي مكررا اعتذاره ويدعوني لتناول العشاء بمنزله , فاشترطت عليه ان لايستخدم تلك اللفائف فتعهد بذلك . لكنه بعد العشاء اخذ يحدثني عن مزايا مايستخدمه وان ماحصل معي تلك الليله فقط لأنها اول مره ومع التعوّد يصبح الأمر سهلا يسيرا . واخذ يغريني باستخدام ولو لفافة واحده واذا لم استطيبه اتركه . . وامام الحاحه ووخز الشيطان استسهلت الأمر وتناولت منه واحدة وقررت ــ بناء على توجيهاته ــ ان لا آخذ نفسا قويا بل اتدرّج حتى اتعوّد , وبدأت التعاطي معه تلك الليله , لكني استبعدتها بعد انفاس قليله , لأني احسست بهبوط وضيق في الصدر , واستعاد لفافته , وهو يقول لابأس اول مره , تأكد المره الجايه راح يكون اسهل . استأذنت فقد حان وقت رقادي كالمرة السابقه . في الصباح قررت امرا لن أحيد عنه , لازيارات لمنزله وإن رغب بزيارتي فأهلا به . مضى اسبوعان واذا بصديقي يشرفني بزيارته ويسأل عن سبب ( المقاطعه ) قلت له بمنتهى الصراحه : اكتشفت ياصديقي ان صداقتنا بدأت تدخل نفقا لاأرجوه لنا , اعذرني إن لم استطع التواصل معك كما كنّــا . قال لي اذا كانت تلك السجائر تضايقك فلن استخدمها بوجودك , والمهم ان نبقى صديقين . صدقته لكنه لم ينقطع بل اخذ يستقبل بمنزله وجوها غريبه , فقررت ان اضع حدّا لهذا الأمر , فلا اضمن الأكتفاء بالفرجه وسأجد نفسي يوما احد اللاعبين , وكان لأنتقالنا من ذلك الحي سببا مساعدا على تطبيق القرار . للأسف اني بعد سنوات , صادفت مرة في السوق احد اقاربه, و سألته عنه وعن اخباره , تردد قليلا قبل ان يجيب , ئم اعلن انه في السجن , لايكاد يخرج منه حتى يعود اليه , اسفت لحاله ودعوت الله ان ينجيه ويتوب علينا جميعا . القادم صديقي ( ولد التجـار ) |
بعض من عرفت الجزء الثاني(5) عُمر صديقي ( ولد التجّـار ): في زمن ولّى واصبحت اوراقه صفراء يلامسها غبار الزمن , كنا نسكن في حي من الأحياء الشعبيه المتناثره في ارجاء العاصمه . في الشارع الموازي لشارعنا الصغير , هناك اسرة ميسورة الحال , عرفنا هذا من هندام ابناءهم ومايشتروه مما حرمتنا العسرة منه , اما البيوت فلم يكن هناك فارق كبير فجميعها طينية الملبس متشابهة الملامح , تفرقها المساحة والأثاث , فهذا صغير وذاك كبير ,والمحتوى من اثاث ومأكل متباين بين بيت وآخر . تلك الاسره من مدينة اخرى من مدن نجد , ربطت بين امهم وامي صداقة جيران وتناغم فكر وتساوي حديث . في تلك الايام كانت جميع الابواب مشرعه والبساطة والحب عنوان كل دار , لذلك من النادر ان لايكون التواصل بين الجيران معدوم وخاصة بين نساء الحي , فلهنّ القدرة على ربط البيوت ومعرفة بعض اسرارها . تلك الأسره جميله بكل مقاييس الجار ومايجب ان يكون عليه , لديهم فيما اذكر ثلاثة ابناء وبنتين , جميعهم تتفاوت اعمارهم لكنها لاتتجاوز الخامسة عشره . ولأن المرء عادة يميل الى من هو في مثل عمره ويتشابه في طباعه , لذلك كان الأوسط قريني , لم اسعى اليه ولم يسعى الي , في مثل تلك الظروف والأوضاع تأتي المعرفة بمفردها تنسج ثياب الصداقه على مهل . صديقي يقاربني في العمر وشريك دراسه كلانا في الصف الثالث الأبتدائي لكنه ليس في مدرستي . نقضي اوقات النهارمعا , نجلس طويلا في مرتفع قريب من المسجد مع بعض اقراننا لاحديث محدد بل افكار بسيطه لمن هو في مثل عمرنا . واحيانا في بيتهم او بيتنا لافرق , وبينما لايوجد لدي أي وسيلة للتسليه يمتلك هو العديد من الألعاب الجميله سيارات متنوعه وقاطره وغيرها , ولازلت اذكر حين جاءني عصر يوم وهويركب دراجة جميله يريني اياها ويدعوني لتجربتها , كانت لعبة بدايتها سعيده ونهايتها جروح وتأنيب وحرمان وتهديد بعدم التكرار , فقد اخذتنا نشوتنا بالمركوب الجديد ان نجرب الشارع العام بعد ان مللنا من سكك الحاره , وكدنا بسبب تلك المغامره ان نفقد حياتنا لولا ستر الله . سألت امي يوما لماذا ( عمر ) لديه العاب ودراجه وانا لأ ؟ قالت لي اذا نجحت يشتري لك ابوك مثلها , فطويت الموضوع ونسيته . لم تخلو صداقتنا من بعض المشاكل , فقد دخل صديقي يوما في عراك مع احد ابناء الجيران , ودون ان اسأل عن السبب انتصرت لصديقي ونالني بعض الكدمات واتسخت ثيابي , الأمر الذي جعل امي تنهرني بشده عن مثل هذا , وحين قلت انه صديقي وهم يضربونه ؟ قالت وهل هوسيغسل ثيابك ؟ لم يكن هذا قصدها لكنها لاتريد لي ان ادخل معارك تعلم يقينا اني خاسرها بسبب بنيتي الضعيفه . الكثير من الأحداث التي جرت مع صديقي لاتزال تحفظها الذاكره واغلبها نتيجة توافق في الميول , فهو هاديء ولو ان به بعض شقاوه , ابن اصل لايمن بعطيّه ولايلوم لخطأ , رغم صغرنا في ذاك الوقت الا اني بعد ان كبرت واشعلت شريط ذكرياتي عنه اجد ان تصرفاتنا يحاكي بعضها من هو اكبر من سنّــا . وذاك الشبل من تيك الأسد , فوالديه يحبون الناس بلا غايه , واخص والدته بهذا فهي لاتسأل عن ابنها وتطمأن عليه متى علمت انه في بيتنا بل اننا احيانا ننام في بيوت بعضنا ولم اكن افرق بين امي وامه . والدته سيدة حنون ناصحة باستمرار اضافة الى حسن لاتخطئه العين , لم اشعر يوما انهم اغنياء في عرف تلك الايام رغم ماأراه من مظاهر الغنى ومقارنته بين محتوانا ومحتواهم , وبالمجمل تلك الايام لها رائحة الثقه والبراءه والطيبه . وكالعاده دامت صداقتنا طوال سكنانا في ذلك الحي , وحتى بعد ان غادرناه لم انساهم وكنت ازعج امي بطلب زيارتهم فكانت تستجيب يوما وتمانع شهرا , ومرة جربت ان ازورهم وحدي , معتمدا على ماعلق بذهني من علامات بالشارع , وتحرك موكبي قرابة وقت المغرب , وفي منتصف الطريق اذا بالشمس تعلن الأنسحاب تاركة لمدينتي بدايات ستار الظلام , فتملّكني رعب وعندها احسست بعظم خطأي وقررت الاياب قبل الضياع , وشيئا فشيئا وعلى مهل كنت امام بيتنا فحمدت الله مقررا التوبه , وارتحت ان امي لم تشعر بقرار الهزيمه , بمرور الوقت اندمجت مع اصدقاء جدد في حي جديد . التقيكم مع صديقي المزعج دوما |
بعض من عرفت ( الجزء الثاني ) (6) ومن يك ذا فضــــــل فيبخل بفضـله على قومــــه يستغن عنه ويذمــم لسان الفتى نصف ونصف فـــؤاده فلم يبق الا صورة اللـحم والــدم زهير بن ابي سلمه ناصر (صديقي المزعج) في زمن ولّـى وانتهى وانقضى وبقيت شعلة ذكراه في الخاطر , كان لنا جيران من منطقة اخرى , لهم عادات تختلف بعض الشئء , هي اقرب للقريه المعروف اهلها وعددها واسرها , منها للمدينة المختلطه ذات الفسيفساء المتنافره . اختارني او اخترته صديقا شبه ملازم ولعل الرؤيه الدائمه بحسب الجيره هي من اختارت , صديقي كثير السؤال كثير التعجب حين يرى شيئا او كلمه , لابد ان يفهم ولو كان شيئا معروفا او موضوعا لايستحق وتركه اومعرفته لاتزيد او تنقص علما ! حين اكون معه في السوق او الشارع , لايرى حادثا مروريا او مشادة بين اثنين الا وتراه السّباق الى غورها والمساهمة فيها ! وغالبا كنت اتركه بعد ان يأست من نصحه بأن اردب ماهو لك لاتحضر كيله تتعفر ذقنك وتتعب في شيله . ثم يأتي ليسألني اين ذهبت ؟ ومع الوقت كنت لا أحرص على رؤيته واتجاهله حين اراه , لكنه يأتي الي راكضا وفي راسه الف فكره ومشروع تُنبي عن سذاجة وجهل , لكنه لم يتركني في حالي بل كان يأتي لزيارتي دون سبب سوى انه وجد نفسه ( فاضي ) ووصلت زياراته احيانا الى وقت متأخر اتهيأ فيه للنوم او اكون غير مستعد لأستقباله لأنشغالي بالأستماع الى برنامج في الأذاعه . رغم ان بيتهم لايجاور بيتنا وبيننا وبينه مسافه ولاتواصل قوي بين اهلي واهله .. ومع ذلك فهو نابت عندي واصبحت من ضمن برنامجه اليومي المزعج . اذكر يوما ان زارني وسأل فقالت له امي انني في السطح اركب ( اريل ) التلفزيون . فوثب السلم وثبا , واستغرب حين رآني اضع الاريل في اعلا مكان ليلتقط الأرسال وقال بلغة العارف : كذا الناس بتشوفه ويعرفون ان عندكم تلفزيون ؟! قلت واذا عرفوا ؟ وين المشكله؟ قال بعدين يحسدونكم؟ قلت ساخرا خليهم يحسدون ولاتنسى تحسد معهم ؟ وبقي كم يوم وهو يعبر عن ضيقه من وضع الأريل وليس له ( سالفه ) الا هذا الموضوع ؟ وكم حاولت الخلاص من معرفته دون جدوى , فالمرء قد يحتمل غبيا لكن لايمكن الصبر على احمق . في رمضان كان يأتي احيانا عند الغروب ليأخذني معه الى المسجد للأفطار معا , ويغريني بأن آل فلان اليوم جايبين افطار حلو ! لكني اعتذر منه بأني تعودت الافطار مع امي ولابد ان اعدّ لها القهوة بنفسي , لكن ( تكلم وتقنع مين؟ ) يصرّ ويمسك بيدي ! فأجعله يسبقني وسوف الحق به , فيذكّرني بأنه سيحجز لي مكان ولن يأكل حتى احضر ؟ فأوافقه للخلاص منه ؟ سبحان الله , وهل في رمضان من لايبدأ الأفطار بعد المدفع ! وفي مكان عام ؟ هذا جاري الذي اعتقدته صديقا يمكن ان يشاركني افكاري وطموحاتي , للأسف لايعرف من امره الا التطفل , لكني اجد له عذرا فهو يأخذ الأمور بحسن نيّه وهذه حدود معرفته وتربيته ومحيط اسرته , لاأنكر بياض قلبه لكنه كالأسد الذي قتل صاحبه بحجة القضاء على ذبابة وقعت على وجهه . كثيرة تلك الأحداث معه ولم يكن له صديق في ذاك الحي سواي فلم يكن احد من ابناء الجيران يطيقه , وقد قالت لي امي يوما حين شكوت اليها تصرفاته ولقافته ضحكت وقالت ( شوف انت وش مسوّي بدنياك وربي عاقبك )! بسببه دعوت الله ان يستمر مسلسل تنقلات اهلي , واحسست اننا جلسنا في ذاك الحي اكثر مما يجب ؟ وحين غادرنا وبعد اشهر من انتقالنا تذكرته , لاأنكر اني اشتقت اليه . القادم (( أُمــــي )) |
كُلّ من عرفت ( الجزء الثاني ) ( 7 ) ذات ليله انا والاوراق والاقلام كنّا في عناق نقطع الازمان والابعاد وثباً في اشتياق والنهايات السعيده لم تكن عني بعيده هبّت الريح وهزّت في عناد بابيه اطفئت امن حياتي اطفأت مصباحيه لم اجد نارا لديّا لم اجد في البيت شيّا غير ام هي لاتملك الا الدعوات واب لم يبقي غيري للسنين الباقيات مرسي جميل عزيز امي الغاليــه : لاأدري من اين ابدأ فالخيوط كثيره ومن اكتب عنها اعز الناس , سأبدأ من البدايه كمدخل لحكاية العمر , ميلادها كان 1925م توفيت صغيره 1986م ستون عاما لكنها يوم اختارها خالقها لتكون جواره كأنها في التسعين ! اخذ منها المرض اشواطا وهزم نبض الحياة فيها فأجلسها على فراش السُّـقم عشرون عاما , وقبل فراقها لم تكن تتحرك الا بمساعده , شدّ منها اسباب الحياة شيئا فشيئا حتى وصلت الى انفاس تتردد . لاأعرف اسباب مرضها ولم اكن افكر في هذا الأمر ماكنت ارجوه شفاؤها لتتحرك كبقية النساء , كنت أاسف لحالها كثيرا , لكني كنت فتى نشطا قويا رغم هزالي كنت اكبر ابناؤها وفارق السن بيني وبين اخوتي لم يكن قليلا ولم يكن كثيرا , توليت مرغما بعض المهام المنزليه التي ليست من اختصاص الرجل , لكني لم ارى فيها غضاضة , فمنحني الله رضاَ وألبسني حيوية لم تكن تهدأ الى حين يلامس رأسي صفحة مخدتي . من الصفحات والصفات التي اذكرها عنها بكل فخار وحب وشوق اليها , انها كانت امرأة قويه لاتخشى في الحق ولا تجامل , لازلت اذكر ذاك الشعاع في عينيها حين تتصدق من مالها القليل او ترفع مظلمة عن احد او حتى تسمع خبرا طيبا عن مسكين , لذلك كل من عرفها يحبها ويدعو لها , كانت تقسو علي حين تكتشف امرا فعلته ولايعجبها ,اذكرمنها حين اعتقدت يوما اني ادخن فقد كنت جالسا رفقة بعض ابناء الجيران في زاوية قرب دكان الحاره وأحدهم يجلس جواري وبيده ( دخان ) فانطبعت الرائحة على ملابسي ... وحين عودتي دنوت اقبّل رأس امي ولم اشعر الا ويدها الواهنة تصفعني على وجهي وهي تصيح وتقول : ( تشرب دخان ياسعود ؟ ... هذي تاليتها ؟) وبكيت ,, لم ابكِ من الصفعه بكيت لأجلها وحلفت ان هذا لم يحدث ابدا ( وفتشيني ) وحين هدأت واظنها اقتنعت بكلامي ... لأنها عادت تمسح على رأسي وهي تقول ( انا عارفتك وانا أمك انك ماتحب الشين لكن لاعمرك تقعد مع هالدشير ) جاوبتها ( ان شالله ) ووفيت بوعدي حتى اني لاألقي السلام عليهم عند رؤيتهم ( كفاني الم حبيبتي بسببهم ) وكنت احيانا اسمع منهم بعض الكلمات وانا في طريقي احتجاجا على تصرفي هذا مثل قول احدهم : ورا ماتسلّم ؟ شايفن نفسك يالشّين . قالت لي عصر يوم ونحن وحدنا : وش رايك ياولدي انا ودي اشوف عيالك قبل لاأموت , هزتني كلماتها , والحقيقه لم افكر في هذا ألأمر بل لم يخطر على بالي , واصلت تقول : بنت ولد عمك (ن) يمدحونها وش رايك ؟ قلت لكنهم في الكويت وماأعتقد يقبلون , اوضاعهم تختلف عنّا ,,, قالت ( نعسّهم ونشوف ) أي نجُسّ نبضهم . جهزتني ببعض الهدايا البسيطه من اشياء لاتوجد عندهم واعطاني والدي مايكفي امر سفري , وارتحلت اليهم وقضيت بين ظهرانيهم اسبوع كانوا فيه كرماء وطيبين وقاموا بكل متطلبات الضيافه . بعد رؤيتي للفتاه وعودتي اعلنت موافقتي , قكتبت لهم امي رسالة طلبت فيها يد البنت , لكنهم لم يردوا على الرساله الى اليوم , ثم طاف هادم اللذات عليهم وعلينا فيما بعد . لكني علمت بعد سنين طوال ان الخطاب وصلهم واخفوا ذكره , ولعل امها لم ترغب في بُعد ابنتها عنها اوان تكون زوجة وممرضه او لسبب آخر الله اعلم . ونسيت امر الزواج كم سنه لكنه في النهاية قدر مكتوب وكأس الكل يتذوقه , لكن ماآلمني ان امي لم تنعم بأبنائي كما يجب , رحلت وابنتي في السابعه من عمرها . كانت فرِحة بها وهي من اطلقت عليها اسمها , تناديها دوما لتحكي لها الحكايات وتفرح لطريقة الطفله في الحديث بقيت والدتي تفيق وتغفو , إن فاقت يلهج لسانها بذكر الله والدعاء لنا , وحين تغفو لاندري اجاءها الأجل ام لازالت , وكانت انفاسها الضعيفه هي دليلنا . لاشك ان هذا ترك اثره علي فأصبحت دمعتي قريبه احب الحيوانات الأليفه وارحمها واجلب لها ألأكل واذكر يوما وانا في طريقي الى مقر عملي أن رايت كلبا واقعا منتصف الشارع يحاول النهوض فيعجز ,صدمه احدهم وتركه ومن حسن حظه ان الضربه لم تقتله , اوقفت سيارتي وحملت الكلب واودعته الرصيف ثم واصلت طريقي . بقيت والدتي وقُرّة عيني تراوح بين المشفى والمنزل , لاتكاد تستقر حتى تعود , واخيرا اعلنها الطبيب برأس منكسه , أنْ لاأمل . كنت ارتعب في عملي حين يقال لي تلفون من برا ... وكثر شرود ذهني تلك الايام منتصف عام 1986م غادرتنا ست الحبايب بهدوء بعد رحلة آلام لم تكن تهدأ حتى تعود , لم نهنأ في كبرنا بالأم كالآخرون , التحفت الكآبة والهدوء والرتابه منزلنا زمنا لااعرف له مدد , لكنها ارادة الله , رضينا بها واحتسبنا الأجر , ولاغالب الا الله . اِنّ عيني بهـا احقُ من الموت وقلبي بها من القبرِ اوْلــــى علي محمود طه القادم زميلي في المعهد والوظيفه |
الساعة الآن 03:30 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.