منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   ( تسجيل خروج ) (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=15618)

نهله محمد 01-13-2009 03:40 AM

( تسجيل خروج )
 

ولأن نهج التعليم في مدارس الحزن يعتمد دائماً على المفاجآت , جاءت هذه الحصة الحزينة مختلفة جداً ,و ليست على غرار ما سبق من أحزاني ,عميقةً للحد الذي فتحت لها صدري دفتراً بلهفة طالب نجيب يأسره التعلم ,أُقيّد على أسطره المقوسة الأبجدية التي تعلمت,أرسم خطوطه الدمعية بحرفيّة عالية وأنسخ مشاعري عليها مئات المرات إذا استعصى عليّ فهمها أملاً في تخرجي منها بوثيقة وجع ترفع رأس قلبي عالياً فوق القلوب,وتمنحني في الحياة باعاً نحو نضج مختلف وإن سرقتك الأقدار أمام عيني وأجبرتني على غسل ذاكرتي بعرقِ النسيان...
لأني أحبك خالصة من رغائب الأجساد ونيّات الشياطين التي تلعب في مكامن العاشقين ,وأحلم بجلوسك على عرش سعادةٍ يليق بسمو قلبك ,و أتمنى أن تحبني دائماً وتحب نفسك من خلالي وتتخذني معابرَ عنبرية لروحك الطاهرة , لأني كل ذلك وزيادةً عليها أعشقك عشق النفس للنفس , خلعتُ قلبي من مجلس صدري وأجلستُه بجانبي لأزفّ إليك أمامه " خبايا الزمن"..بقسوةٍ حنونة...
عشرينية مثلي يا " محمد" كنتَ حبيبها ,أبوها,أمها,والبقية المتبقية من أهلها الذين لم ترهم بعد,لا تحتمل انبجاس عين الألم في قاعها للمرة الثالثة,بعد " رائد " رجل التلاشي الذي لا يظهر إلا كالمذنبات مرة كل أعوام ويغيب غياب ورقة خريفية في غابات غموض شاسعة ويتركني أمضغ خطاه مُصَبّرةً قلبي على جوعه حتى يعود..ولا " فهد "الذي عذّبني سنين طويلة مختلساً من عمري أملاً مخذولاً بارتباط موهوم يعقدني به في عربداته الغريزية التي اكتشفتها بعد نيف وكذا جنون وخيانات متلاحقة, كلها دكتْ صبري دكاً حتى ما عدت أتمنى سوى الخلاص منه دون أدنى خسائر وإن كلفني ذلك عمري الباقي من المعاناة....المهم أن نفترق بسلام...! ..
بعد الاستفاقة من هذين الجرحين المتصحرين , وبعد جهد جهيد خلف مضغتي بئراً جافة تلفحها سموم الصبر, تأتي الحياة من جديد بدلو ألم آخر تصبه في صدري وتعدني بالمزيد...!
مشتتة أنا اليوم جداً كل الأفكار تتنازع رأسي ويزيدني صخب التلفاز تشتتاً, ونيس "أمي" الذي أدمنته منذ رحيل " أبي " إلي ( السويد ) قبل ثلاثة عشر عاماً في رحلةِ عمل تحولت برغبةٍ خبيثة إلي هجرة ، وكأنه اختلق الكذبة و طوعها لتكون مطاطة تحتوي معطيات الزمن بشكل ذكي يتناسب مع حجم أفهامنا الصغيرة و أُمّية أمي, تلك الحمامة الوديعة التي تجلس في الصالة وحدها, إلي اليوم لاتزال تُقلّب ألبوم الصور خِفيةً عنا كما تقلب قنوات التلفاز,أراها من خلف الباب - دون قصدٍ أحياناً - تستعد للخروج من غرفتها بعد رمي الألبوم و مسح دموعها سريعاً بكم ثوبها, مواريةً ألمها من غياب أبي وهي تنتظر نهايته كانتظارها مسلسلاتها التي تحب ,حالمةً بنهاية درامية سعيدة لا أخالها إلا أكثرَ حزناً مما ستؤول إلية نهايتي..!
مسكينةٌ هيَ !فمنذ ساعتين وتردد الكهرباء الضعيف يلعب بكويرات أعصابها ويحدها بشكل متقطع على شتم" شركة الكهرباء " , كما يسمح لشاشة المحمول من جهة أخرى بالحملقة في وجهي حيناً وآخر, متفحصةً كل مرة البثور النابتة في سبخةٍ على خدي , فتبعثُ -متى استطاعت- بحزمة ضوئية صغيرة للبحث عني في شوارع ملامحي المُطفَأة ,لتعود نزقةً مغسولةً بوحل أزقتي اليائسة ,وأمام عيني تخفتُ جداً في محادثات المعجبين الذين انثالوا عليّ عقب إصدار ديواني الأول - " بكاء الحساسين "- وكأنها تنتقمُ من جمودي لأسئلةِ " محمد " اللحوحة, بعد أن تحامقت عليه قبل ليلتين و بعثتُ له حقنةً بريديةً اختلقتُ تركيبة أحداثها مسبقاً لتُهَيّج القلق في خلاياه وأجعلها مقدمة مقنعة لما سيحدث:
(( لابد أن نتحدث في اليومين القادمة, ثمّة مستجدات بخصوص "صفوان" ابن خالتي لا تقبل التأجيل .
حبيبتك....عهد ))..
لم يزعجني رنين المحادثة المشتركة المجنون ورقصات التنبيه المُستفزة بقدر ما أخبراني بأن ثمةَ قلقـًا يتربعُ على ثلوجِ ( لندن ) خلف الشاشة المزروعة في أحد شرايين ( أكسفورد ) ماثل في شخص " محمد ",وأنا هاهنا أمامها بالكاد أجمعُ قواي في حنجرتي وأصرخ بصوتٍ مبحوح على الخادمة لتتداركني بكوبِ ماء وحبةِ دواء يجلس مفعولها الثقيل على أطرافي ويحدُّ من رعشةِ يديّ حتى أكمل ما بدأته قبل أن تداهم صحوتي الغيبوبة التي دلت عنواني منذ شهرين تقريباً...
تباً للوهن و لهذه الأدوية المرتصة على "تسريحتي" ما ألعنها ..!
برغم أنها تعطي جسدي حاجته المتبقية من الحياة بشكل أفضل إلا أنها كنسوةٍ حقيرات يغتبنني في غفلتي ,ويتبادلن أوجاعي المُرة قهوةً يحتسينها كلما أردنَ التسلية متضاحكات بهزء من تراجع عزيمتي وانتكاسة إرادتي الكهلة التي أكل رئتيها المرض كما تطيش يده فيما بقي من صحفة رئتي..!
حتى أوراق التشخيص الأخيرة ونتائج الفحوصات السلبية ,أسمعها في حقيبة يدي منذ أسبوع تصرخ وتشتمني وتعيرني بــــيا" جبانة"
,أنا التي كانت تثيرني الحقائب مطبقة الشفاه , بت أكره جرّة سحابها خوف أن تقابلني إحداها بضحكةٍ شيطانيةٍ خبيثة تقتل بخبثها ما تبقى لي من العمر المحشور في جسدي ,كما أتحاشى رؤية حبةٍ سائحةٍ بين أدوات زينتي تذيع بأني الأنثى التي لن يستر عورة شحوبها خافي عيوبٍ عالي الامتياز , ولن يزين لون شفاهها الداكن قلمٌ أحمرُ شهي , ولن يسمح لخديها الوهن بموسم تورد صناعي كقريناتها, وأني بعد عامٍ ونصف من المعاناة تشربتُ بمطهراتِ المشافي, حتى فقدتْ ذاكرة جسدي قدرتها كلياً على اختزان رائحة " ميركل " الذي تعشقه أنت وعلمتني عشقة مذ دسسته في حقيبتي هديةَ عيد حبنا اليتيم....
- قام محمد بإرسال رسالة تنبيه...
- عفوا محمد كنتُ بعيدة عن الجهاز ,ألبّي أمي..
لا أعرف كيف انفلتت تلك الكلمتين من عقال أناملي..
-عهد يا حبيبتي ,القلق منذ الليلتين الماضيتين يقتلني , لم أنم جيداً حتى اللحظة, تلك النبرة البريدية أعرفها جيداً لا يجيدها إلا من استيأس شيئاً...!أهناك خطبٌ ما...؟
" استيأس شيئاً!!!!!!!؟؟؟؟؟
صدقت....!
ما زلت أذكر قبل عام كيف رشّ "د/عادل" يأسهُ الكبريتيّ الحارق على آخر آمالنا, وعاملنا كتماثيلَ حجرية منتصبة في ميدانِ مكتبه لا تحس مطلقاً , وكأنه جزءٌ من ( كومبيوتر ) يعطي النتائج السلبية دون إلقاء نظرةٍ على محتوى من يبحث عنها حين قال:
"" لا أخفيكم...الحالة متأخرةً جداً,لابد أن تعرفوا بأن الشفاءَ من الأورام يحتاجُ رغبة جسورةً في الحياة,وأنا مؤمن يا "عهد" أنكِ تتنفسين الحياة برئتيّ إرادة ,ليست رئتيكِ وحدها المخولة بذلك...فتاة في عمركِ لابد وأن تقاومَ طالما هناك حلم أدبي فاخر بانتظارها ...
أكرر أسفي...! هذا ما قالته التقارير ولابد أن أكون صريحاً مع مرضاي..."
...وقتذاك لم يُعرْ أمي أي اهتمام وهي تنصت له وتمسح بطرف نقابها حناناً سائلاً يعتصره قلبها المعبأ عن آخره فيفيض من عينيها...لم يُعرْ أخي الوحيد "حسين" وقد غاب في صمتٍ بينما أفواج الذهول تتجمهر حول عينيه وتسحب أجفانه للحد الأقصى ليظلَ غارقاً في صدمة...كما لم يعبأ أبداً بضحكاتي الهستيرية و ذراعي أمي تحاول محبطة لملمتي من فجيعتي...!!!
الآن وبعد عام من اليأس المركز...بأيِّ طريقةٍ أجيبك يا حبيبي ، وأنقل لك مثل هذه التفاصيل التي لا تعرف أساسها أصلاً ، وأخبرك أنك بانتظار غربةٍ من طراز أفخر ، و أنت المشبع غربةً حتى من قبل أن أعرفك ، المشبعُ حباً بي بعد أن عرفتك ؟!
كيف أُُحمّل حقائب همّك أثواب حدادٍ على موتٍ حتمية اقترابه أقرب إليّ من حبل الوتين ...؟
-قام محمد بإرسال رسالة تنبيه (أخرى) ..!
بعيداً جداً عن أسئلتك المتحرقة لإجابة و القلق الذي ترسله بصورة إشارات تنبيه متتالية , لو أنك مددت رأسك واقتربت بوصةً واحدة من الشاشةِ أمامك لسمعتَ طقطقة أسنان قلبي خوفاً,فأنا لا أملك جرأةً كافيةً لأزرعَ في قلبك شتاءَ حزنٍ آخر, لستُ من أصحاب القلوب الجليدية وإلا لقلت لك بلهجةٍ تُثلج :
" جسدي : بات قنينة بشرية منتهية الصلاحية,ومشاعري المعلبة فيه غير قابلة للتناول .."..
اللحظة فقط..تأكدتُ بأن الأقدار تمنحنا الكثير لكنها لا تنفكُ عن مراقبتنا بصمتٍ إلي أن يأخذنا الغرور كل مَأخذ ثم تضعنا _كما حالي الآن_ في مواجهة مع أنفسنا على المحك ,وإن قدمت لنا بعض البشائر حلوة المذاق ,كخبرِ نجاح ديواني الساحق , وتخرجي الأولى أخيراً على دفعتي لكن ذلك لم يلغِ حتى الآن ولو ربع ظل الوجع الذي يتمددني ويتمدد على يومي بكامله منذ الصباح....
صباحي المختلف عن صباح" حسين" المغري بالحياة... حين يتعطر,ويرتدي ثيابه متحمساً لمائدة إفطار عامرة تسبقه إليها أمي ,أسمعهما أحيانا يتذاكران عليها طرائف طفولتنا و أحلامنا البلاستيكية و حكايا خوفنا من حبات الزيتون الأسود,مخترقين بالحديث معاً جُدر الماضي إلي الحاضر ختاماً بحمدٍ يتبعه خروج "حسين" إلي الجامعة وقد جمع من وجه أمي ما تيسر من بذور أملٍ جديدة يزرعها في حقوله الشاسعة ,أمي التي اعتادت معاشرة الانتظار على فراش وحدتها لم يُعجزها يوماً أن تنتظر ابنها الوحيد حتى الثامنة صباحاً وتهتم به كطفلٍ صغير , وتستعذب له السهر طالما أنها ستجد قبلةً على رجليها يتساقط بعدها العناء ليستحيل جنةً عظيمة تُضافُ مساحاتها إلى الجنان المتراكمة رضاً تحت قدميها....
أما أنا فصباحي توأم ليلي المطابق ,ينقشعُ على همس الأشياء من حولي , ( سيشواري ) ,عطري الميركل , مرآتي , عباءتي,سجادتي,مشطي ,كلها تقيم مهرجانَ بكاء و ما أن تشرب عيني النور
المتسرب من فتحات " جهاز التكييف " حتى يتحول تدريجياً إلى وداعية شاحبة اعتدتها اعتياد بحارٍ قديم أكلت من عمره تلاويح الموانئ ..
تعبتُ وأنا أجردُ أدقَّ الفوارق التفصيلية بيني وبين الشخص العاديّ من حولي , مؤرق جداً التفكير بها على نحو يستدر شفقة الذات على الذات قسراً,بل وإرغامك في المقابل على الشفقة عليَّ ما إن علمت بأمري بعد انكسارٍ عظيم ستؤول إليه ؛ لذا سأمارس رياضة الإيثار مرة ,سأتخلى عن دهون أنانيتي المتراكمة على قلبي ,ولأني أعلم أن الأوجاع تسحقنا سحق الحبوب بين كفي رحى ما أن تماطلنا , سأكون قاسية معك لمرة واحدة , فلا أحتمل بالمقابل أن أهلككَ وأهلكَ نفسي على جرعات...
" موتٌ سريع أرحم كثيراً من نزاع مديدٍ مع السكرات "...
برغم أني متأكدة جداً أن ما سأقوله سيقع على رأس قلبك كما يسقطُ نيزكاً على رأس شجرة ,لكني أفضلُ ذلك على أن تموت مع كل خلية تموت في جسدي!
وسأكتفي من كل تلك القسوة بقصةٍ أدسها تحت وسادةِ الذكريات في المشفى الأخير,أطالعها كلما يضربني الفراغ إبرةَ مللٍ من رتابةِ المكان , وأهربُ إليك من البياض الشاحب حينما أجد فسحة ذهبية تصالحني بها الجلسات الكيمائية الطويلة , كما لن أترك مساحةً للوداع نكرهها , سأوفر عليك بها طلب الصفح مني , لعلمي أن الحب لا يستقرُّ في قلوبنا إلا في موضع ضربات من نحب , هكذا تعلمت معك , وعرفت , وآمنت , لا مجال للخطيئة بيننا , فالملائكة حتى وإن أذنبت ذنوبها نور وزلاتها طهرٌ معتق..!
جل ما أتمناه الآن.. أن يمنحني الله فرصةً معجزة للفِ الشريط إلي أوّلك ومحو آثاري من تاريخك حتى لا تحترقَ من بعدي خصوصاً وأن ذاكرتي تعيد علي تسلسل لقائنا الأخير * وأنت تقول : " كل امرأةٍ نقيةٍ مثلك ما مرت إلا وعرَّتني من ملامحي الحقيقية "
قلتها حين كنَّا على الشاطئ وعيناكَ تهربان من لجج نظرتي وتلاحقان قطيعَ الأمواج المنتحرة على الصخور ,عرفتُ بحدسي أنك ترمي لــ"سارة ووديان " وضممتني إليهما حتى تتقي نزقي في وقت لا يسمح إلا بالرومانسية..
سارة عشقك الأول الذي أرداك مضرجاً بخيبتك بعد أن اختارت بكامل قواها العاطفية تخليها عن حبك لأجل مستقبلها وعملٍ ترفضهُ أنت غيرةً عليها..ووديان التي قفّتْ غياب سارة ,واستبشرتَ بقلبها البريء خيراً فخانتك وداعة الزمن مستغلةً تسويفك الملبس بعجزٍ وأهدتها غصباً إلى رجلٍ أقصى ما يرى فيها جسداً !!لا يهمني ما فعلتا بك قبلي, كلاهما تجربتان يحتملهما الكذب- كما قلتَ لي ذات مرة -بشكل من الأشكال كافٍ ليجعلني بريئةً حتى من وساوس تحيلني إلي غير جنة مؤقتة لمؤمنٍ بعد نارين ,لكني تنبهتُ اللحظة أنهما تملكان فرصة أفتقرها للإياب إليك من ذات الطريق المقطوع و لن أستطع أن أُمنّي نفسي بها على الأقل لأكثر من مرة حتى أُفاجأ بالحقيقةِ تمد يدها وتنتزعها من نفسي, كما لا أستطيع الجزم بأني سأقبعُ في ذاكرتك زمناً عِتياً كأمك التي شككتُ دائماً بأنها دُفنت في جمجمتك!,هي المرأة الوحيدة التي أغبطها وألمحها مراتٍ لا تحصى ترتب في رأسك مكتبة أفكارك , تنفض عن تجاربك الغبار , وتنزل لمستوى أذنك إما مُذكرةً بأمرٍ أو هامسةً لك بحنانٍ غيداق "دائماً كن بخير يا ولدي أو على الأقل حاول أن تكون بخير لأجلي "..!
رغم أنك قطعت بعدها مسافة أعوام عشرة إلا أن ذلك الوجع رابضٌ في ظلال ملامحك , يستفيء بها ويمدُ رأسه في كلِّ موقفٍ شبيه بحادثةِ وفاتها,ولازالت ذاكرتي تحفظ لك شهادةً على ذلك بشكل اتصالٍ هاتفي جاءني مفاجئاً و على عجلٍ تواسيني فيه بعد مرضِ جدي-أبي الآخر- وتقول:
" هذا الوجع يا عهد أعرفه جيداً, غير أن تكراره يشبه إعادة الموت في كل مرةٍ ننسى أننا نعرفه "...كان صوتك طائراً حزيناً , اخترق بغموضه ضبابية الشبكات ليحط على أغصان قلبي وكأنك تعرف مسبقاً ما سيؤول إليه حالي.
صدقت يا محمد!
الموت متعدد الصياغة لا يأتي بصيغة بشعةٍ واحدة , حتى يشتتَ انتباه أحزاننا بين هذا وذاك وننسى في كل مرةٍ سابقة ,ربما قرأتَه في طالعي بحدسِ عاشق , لكني مؤمنةٌ أن موتي المُسرطن سيكون كريماً معك جدا وسيمنحك من الحزن مصباحاً سحرياً قد يحولك إلي شاعرٍ عظيم كما أتوسم فيك أو كاتبٍ لا يُجارى أو رسامٍ عبقري , (كعادة هذه النخبة " الوجع وحده يلمعهم"..)...
حتى الآن... أقف تحتَ مصبِ شلالٍ من الأفكار البائسة , و رسائلُ البريد المسعورة تغتنم سُهومي و تعضُ احتمالي كل مرةٍ عضةً أشدُّ وطئاً مما قبلها...وتحرضُ التساؤلات في داخلي على الصراخ في وجه صمتي بدلاً عني..!
ماذا عن هؤلاءِ الذين اقتسمتُ من قلوبهم محبة ولا يعلمون بأني قاب خطوةٍ من أخير ...؟
أَتراهم إذا انسحبتُ من حياتهم فجأة سيؤذون ذكري...؟
أم أني لست سوى فتاة معجزتها قلم تنبأوا لها بشُهرةٍ دفعتهم للتقرب مني ولاشيء آخر؟
أياً يكن....!
آسفة لهم ,و لكَ إن أسأت, بحجم خيباتِ أمي وسعيها خلف الجلسات الكيميائية ليل نهار بلا طائل ,بحجم الهلع المتراكم في محجري "حسين" كلما رآني عاجزةً عن المشي , آسفةٌ بحجم اشتياقي لأن يكون أبي آخرَ وجهٍ يُلقنني الشهادة , وآسفة بحجم قسوتي عليك , لكنها الحياة علمتني أن القسوة أحياناً تكون العلاج الحقيقي الذي يقطع نزيز أوجاعنا كزيتٍ مغليّ يُغمس فيه جرحٌ نازف...
أحبك..لكني مضطرةٌ جداً لأن أكذبَ كذبتي البيضاء قبل انطفاء الكهرباء, فالألم لا يحتمل انتظاراً لعارضٍ بسيطٍ كهذا, وبعدها سأخرجُ من هنا دون رجعة وعلى الدنيا وعلى الحب من بعدي السلام...!!
- أحببتُ إخباركَ بأني حَسمت أمري , سأتزوج عما قريب من ( صفوان) وسأسافرُ بعيداً,أتمنى لك السعادةَ من كلِ قلبي....لكن...أرجوك لا تبحثْ عني أبداً...


* تسجيل خروج.....
* تم إغلاق جميع النوافذ
....

د. منال عبدالرحمن 01-13-2009 06:23 PM

امرأةٌ على هيئةِ وجع , تتخفّى بلباسٍ من المُسكّناتِ الكاذبة لن تستطيعَ اقتلاعَ ألمها , تماماً كما لن تستطيعَ محوَ ذاكرتها .
تلكَ الذّاكرةُ القادرةُ على قولِ كلِّ الأشياء , حتّى تلكَ الّتي نُخبِّئُها خلفَ ظهرِ الأملِ و الإيثارِ و الحبِّ آملينَ بذلكَ أن يُسجّلَ الوجعُ لنا لا علينا , تلكَ الأشياء تقولُها الذّاكرةُ في وجوهنا , تلفظها كما يلفظُ البحرُ أجسادَ الملّاحينَ الغارقينَ وراءَ حُلمِهم بكنزٍ مدفونٍ في جزيرةٍ ما ثمَّ يموتونَ و في ظنِّهم أنّهم كانوا قابَ وجعينِ او أدنى من حلمِ الثّراءِ و الشّهرة , تلكَ الذّاكرة القادرةُ على لفظنا نحنُ أيضاً بقرارٍ مشبوهٍ يضعنا في احدى خانتينِ اثنتين , شكٌّ أو يقين !

:

يا نهلة , كنتِ ماهرةً حدَّ ان سحبتِ ذاكرتي لتُصبحَ نظّارتي الوحيدة و أستعيدَ بعدها قدرتي على الرّؤيةِ بوجعٍ و لكن بدونِ شكٍّ هذهِ المرّة ,
لملمتِ انتباهيَ المركّزَ على أشياءَ أراها فقط و وضعتِهِ في اناءٍ أنيقٍ من اليقينِ و الدّهشةِ و ما وراءَ التّفاصيل .

بقدرِ اعجابي بهذا النّصّ هو عتبي على غيابكِ و حرماننا من حرفٍ يستحقُّ كلَّ اشادةٍ و تقدير .

محبّتي أيّتها الرّائعة !

عطْرٌ وَ جَنَّة 01-14-2009 04:27 PM





مِنذ حُزنٍ لَيْس ببسيطٍ ..
لَمْ أتوّحد وَنَظري شَاخِص على شَيءٍ مُعَين .
شَعْرتُ أحداثُكِ [ حُقنة ] يَانهلة ..اخْتَارت الْوَريد الأشدّ خُضْرةً فِي عُنقِ ذِراعي ..وغُرِسِت هَناك .
- شَعْرتُها [ مُورفِين ] رُبما ../ أو [ بلازما ] لَيست سَائِلة جِداً وبَنفسجية ..امتَزجت بِدمي ..وَرَفضها قَلْبِي لِفترةٍ مِن ْ الْنَبض .
حَدثَ أمْرٌ رَهيبٌ أيضاً لِرئتي : شُعبها الهَوائِية ..تَوسّعت بأكثر مما كَلفها الله ,
..لَكأن كُل [ هواء ] العالم احتشد فِيها ..عَلى طَرِيقة العزفِ الْثَورِيّ ..وانتماها ..وَهوَ شَعثٌ وَمُحْبَطٌ وَيشيّخ مِن عَملية شَهيقٍ واحدة .
- فِي لحظةٍ يانَهْلة تَنامى فِي رِئتي حَديثُ نفسٍ أن تَكُ : أمُ
وَتُرَبِي [ زَفِيري ] الْباقِي على طاعة :’’ أن لا يَموت الْهَواء
مِن خِلال صَدْري ’’.
.. وَيحدّث أن : يَموت صَدري مِن خَلال الهوّاء
ويَكسر العزيمة الحنّونة فِيها .


ييييه يَانهلة ..
أحتاجُ حقاً تَقْبِيل عَينيكِ
عَلى فَرز كُل [ الْنُقط الحَزينة ] مِن ذَاكِرتي ..
وَعلى الْدَهشة الْمُوزّعة في فَسيحِ عَيني ..
على شَاكِلة سَماواتٍ
وأجنحةٍ
وآلهةٍ بَيضاء .



لاتغَيبي ..
أرْجُوكِ

’’ آميين ’’

http://www.aylol.com/vb/images/smilies/rflow.gif



نهله محمد 01-15-2009 02:05 PM

آآآه يا منال..
امرأة فصولها المليون على أهبة لهجرة جماعية نحو المجهول , أسراب آمال تحلق بعيداً
قرب الشمس تسقط صرعى في محيط أمواجه أيدٍ تتلقف الحي من آمالها , وصوت من تحت قدميها يردد " أنا بانتظار " يربك انتباهها ويحد بشكل لافت شهيتها لحياة تحتمل من البؤس أكثر مما تحتمل من الحياة..

تدرين..!
الوقوف على الحدود يشعرنا دائماً أنا بلا انتماء ,هاربين للضياع من الضياع , مرتضين قسمة من الله أحياناً نتساءل " لما نحن بالذات ؟" ويبقى القدر قد سبقنا إلى اللوح يا صديقتي..ولو أننا مع الجن حاول النفاذ من أقطار السموات والأرض مالنا من سلطان..


وحتى نمتلك وقتاً لكتابتنا, لحزننا , وأحزانهم المعتقة ينبغي أن نولي وجوهنا لمسافة شاسعة من البياض , للا أحد لذلك نغيب يا منال ياحبيبتي...
دعيني أترك لكِ وردة حب , وورياحين شكر لأنكِ هنا تناصفتني معي...

صالح الحريري 01-15-2009 02:15 PM




ثقي ..
أني قارئ جيّد لحضوركِ قبل خروجكِ ...!
وأن غاب أثر وجودي بوطن نصوصكِ فلا يعني غيابي تأملي لحدائق بوحكِ ...!!

شكراً يــ نهلة ...
ولن تكفيكِ أبداً / أبداً ...

تحياتي ..


صالح العرجان 01-17-2009 10:27 AM



هنا لم تكن الحقيقة سطر البداية فبدت لي الأشياء معكوسة
ملامح الأحداث بدأت سريعة وكأنها تحاول إخفاء النهاية


نهله محمد

خلقتي من الكلمات ما يوحي برغبة شرهة تحرضها اللغة بالمسيل من الأعلى
وفي كل الإتجاهات

رد ود
http://ro7elb7r.jeeran.com/ثَغْرٍ%20الوٍُرٍٍدِ.gif

نهله محمد 01-22-2009 04:17 AM

عطر...
يحدث أن نرتطم بنصوص هي نحن ...
بذاكرة مغرية للاستفاقة...
بحزن هاجع في أنفسنا يقابلة آخر قد شرب " منشطات " بمايكفي للسهر
دهراً في أحداق آخرين...
يمكن لي أن أموت وأنا أكتب, أن أحترق تماماً كما احترقت الياسمينة في ربيعها العشرين..
حينما نقرأ يا عطر..نعتصر..وحينما نكتب نستلذ الموت ,بل ونستجلب الرغبة في
اعادة ذاك الشعور مرات ومرات عدة...
كل الحقن الممكنة من الحزن والتي استهدفت وريداً يانعاً في ذراع قلبك,كانت قد أفرغت الكثير في ذاتي قبل أن تفرغ البقية فيه..كل تلك المسافة بين أول حرف وآخر نقطة بعد الصمت كانت مسافة للجري على عينين ودمعة ...كل ذلك الشجن المرصوص كبيت مشرع للعزاء, مختزل بين أضلاع صدر..ويقرأه البعض سريعاً ويمضي...!!

عطر..
وماعسانا غير " نحن " نكتب...!؟
ماذا أكون إن لم أكتبني وأكتبكم على طريقتي...؟!
حتماً ..لاشيء..!


لصاحبة تلك القبلة بين عيني..يدين أضعها بين كفي السماء
وأضمر دعوة بالغيب علها تكون قربكِ ذات حاجة...

نوف عبدالعزيز 01-31-2009 04:29 AM

ياه يا نهلة ...
أثرتي فيَّ رغبة بالبكاء على تذكيري بسقوطي في مدرسة الحزن و الذي لا يزال
شخت سنيناً في هذة المدرسة أحاول الخروج و لا أستطيع ..!!
بربك كيف تمتهنين إتقان كتابة أوجاعنا و نحن الذي يسكننا هذا الوجع لا نعلم
كيف نعبر عنه ..؟!!
أتعلمين ما الذي فعلتة بي ..!!
نثرتيني ثم جمعتني ثم نثرتيني و جمعتيني ثم نثرتيني و لم تجمعيني فبقيت متناثرة هنا و هناك
أمسح دمعي السكيب على بلاط أحزاني
و كأنك كتبتني إلا قليلاً ..
يا نهلة و ربك أحببتك يا تلميذة تشاركني السقوط في مدرسة الأحزان
سأكون بقربك فكوني بالقرب يا سيدة الحرف


الساعة الآن 12:06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.