منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   على يمين الطريق الدائري (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=28068)

سعد العتيق 08-12-2011 04:14 PM

على يمين الطريق الدائري
 
أيّها المارّون سريعًا: هناك شيء على يمينكم, يبكي.. كان ينحرف إليه بسيّارته عن الطريق الدائري, في مكانٍ اختاره يخلو فيه بنفسه, فوق تَلَّةٍ من الحصى الأملس الملوّن بجميع ألوان الطيف, وبمختلف الأحجام, وتحتضن الحصى تربةٌ بيضاءُ نقيَّةٌ تتريّث بعض الوقت, ثم تغادر كلما أرادت لها الريح المغادرة, ويظل له الحَصَى.. يفترش التربة التي أبعد عنها الحصى مادًا ساقيه, يعطي ظهره للمدينة.. رسم له مسجدًا بغصن شجرةٍ بَرِّيَّةٍ لم يأبه لدمعها الذي تناثر فوق التربة حين اقتطعه منها وهو في طريقه ذات مساءٍ قبل أن يصعد التلّة, ثم ملأ الرسم بالحصى الصغير, وجعل للمسجد محرابًا يقف فيه ليصلّي فيه بمن خلفه, ولا أحد خلفه سوى سيّارته الهادئة في مكانها المعتاد.. تغرب الشمس من جهة الطريق الدائري فيؤذِّن للصلاة مقلِّدًا مؤذِّنَ حارتِه, ثم يقيم الصلاة, ويتقدّم للمحراب.. حين بدأ ينظّف مكان جلوسه من الحَصَى, ويأنس برميه للحصى, لم يكن يشعر بأنه يرميه في اتجاهٍ واحد وفي نقطةٍ معيَّنَة.. تراكم الحَصَى بمرور أمسيات خلوته, بَعْضُهُ فوق بَعْض, بأحجامه المختلفة وبكل ألوان الطيف, وأصبح شيئًا جميلاً في طوله جالسًا, وأمسى لا يأبه بظلام الليال الخالية من القمر حين يلفّه بعباءته.. يؤذِن لصلاة العشاء, ثم يقيم للصلاة, وبعد الصلاة يجلس في حديثٍ مع شيئه الجميل, وقد يغنِّي له في أمسيات النسمات العليلة, وقد يصغي له حين تتخلّله الريح.. كان يُخَيُّل إليه بأن شيئه الجميل يشاطره الحديث, ويتناوب معه الغناء, ويخيّل إليه بأنه يضحك لتقليده مؤذّن الحارة.. لكنه لم يتخيّل أنَّ عقربًا, أو ثعبانًا بإمكان أحدهما أن يستوطن شيئه الجميل, ويجعله يبكي.

عبدالإله المالك 08-12-2011 05:30 PM

قصة مشوقة جداً يا سعد العتيق ..

واعجبتني وسردها ولغتها السليمة الرقيقة .. رغم لسعة الأفعى أو الحية ..

وقد قال الشاعر :

حيَّـة ً في الوجار ِ أربد ُ / لا تنفع السليم منه ُ نفثة ُ راق ِ

تقبل تحيتي

إبراهيم درغوثي 08-13-2011 12:39 PM

في هذا النص توصيف لغربة الانسان الذاتية في عالم ما عاد يقدر الحياة الجماعية كما كانت.
هو عالم المادة الذي حول الانسان الى آلة من آلات الزمن.
وع ذلك يظل للروح موقعها المثالي في حياة الفرد المتغرب عن الجماعة
نص جميل

سعد العتيق 09-12-2011 09:02 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالإله المالك (المشاركة 745853)
قصة مشوقة جداً يا سعد العتيق ..

واعجبتني وسردها ولغتها السليمة الرقيقة .. رغم لسعة الأفعى أو الحية ..

وقد قال الشاعر :

حيَّـة ً في الوجار ِ أربد ُ / لا تنفع السليم منه ُ نفثة ُ راق ِ

تقبل تحيتي


امتناني لهذا المرور الجميل, أخي عبدالإله
وانتباهك للسَّعةِ دون اللدغة, كان مثار إعجابي, فقد مرَّت به, لامست جسمه, لم تؤذه, لكن مرورها كان كجمرة حارقة, تركت أثرًا ومَضَتْ.

مودتي,,

سعد العتيق 09-12-2011 09:07 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم درغوثي (المشاركة 746051)
في هذا النص توصيف لغربة الانسان الذاتية في عالم ما عاد يقدر الحياة الجماعية كما كانت.
هو عالم المادة الذي حول الانسان الى آلة من آلات الزمن.
وع ذلك يظل للروح موقعها المثالي في حياة الفرد المتغرب عن الجماعة
نص جميل

أشكر مرورك الجميل, أخي إبراهيم
وأعجبني قولك: "توصيف لغربة الانسان الذاتية في عالم ما عاد يقدر الحياة الجماعية كما كانت."
نعم, إنه الإحساس بالغربة, استدعاه أن يتَّخِذ من الجمادات صديقًا,
إلاَّ أنه لم يسلم من شرِّها كذلك.

مودتي,,


الساعة الآن 08:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.