بَعيداً جداً

http://www.r15r.com/data/media/121/regaal%20(6).jpg



كان يُسرع الخطى بدائرة عرضها مسار فكره وآهات جراحه ، يلكز خاصرة الصمت متأبطاً هذيان روحه ، هناك وحتى آخر الشارع المؤدي إلى النهاية وحده مع زهور الحلم يُمشط جدائل الضجيج وكفوف الحيرة بخفة وحب يتهادى للحنين وتأخذه أُمنياته مجراه البعيد حتى أبعد نقطة تلاقي .
ثمةُ رائحة بشمال الدرب تقع ما بين حدقة العين والبُعد الآخر من الحي لمدينته وتنهدات الشارع الإسفلتي الذي بدأ بانحساره تماما .

كان يسأل المارة وعابري السبيل
يتسائل : أين تقع أسواق الورد ؟

بدأ منتظرا إجابة عند زاوية قريبة من الرؤية وحيثُ هناك عِند حُطام ساعات الوقت وتلاقي الشوك بالأغصان وارتطام مشاعر التيه بدأ بالجري خلف سراب الضوء وكأنه يبحثُ عن شيء ما يعيده إليه لِفقدهٌ أرواح تركت صداه وقلبه وكأنه يرى أغصان الشجر تالفة والهدوء يضج بمدينته الأخيرة ولم ييأس عاوده الجري حتى نهاية الممر بزاوية قريبة صغيرة حاول أن يسترخي فيها مع تنهدات أمه وصراخ أطفاله وحب زوجته فقد كان بعضٌ منه يلهثُ عابرا ممشى شهيقُ اللحظة وزفيرُ حلم ومنافذ لتلك الأصوات البعيدة وخوفا ترسب بأعماقه لابتسامة مصطنعة منه تركت داخله هروبا منفي بوحده .
لا شيء هناك سوى حيرة وفرقعة قلب برائحة تراب القبر وبعض أطفال يجرون خلف الكرة غير مبالين بعصافير تحاول أن تقتات من الأرض رزقها .

كان يضم عمره بمعراج الليل وملائكة بين كتفيه صمتا وتارةً يقهقه وأخرى كثيرةٌ مذعورا حين يوشم الخوف على روحة كجرح لا يندمل وضجة لا يغفر لها سوى دعاء ورحمة متأملاً انسياب هدوء الليل مع خرير الوجع المنسي على طرقات الخجل كأن وحدها الشيخوخة عواء لذئاب قادمة وغراب حلّ من غير ميعاد وموتٌ ينتشل آلامه من بعد ضياع .

هبت عاصفة تحت أقدامه ترك كل شيء ومضى يجري خلف العمر والأحلام ويقينُ الواقع اللامنتهي ، بدأ وحيداً ، بعيداً عندما اكتست دروبه غبار من تأويل المغادرين عن مدنهم وجعاً فلم يعد منه شيء ليزرعه على أرض حديقته فقد تساقطت أوراقه الخريفية مع أجنحة الفصول الماضية وكأن منظر اليتم شاهداً على ملامحه المؤقتة وتعاريج الصمت تدفقاً على أوردته الحمراء
ترك كل شيء خلفه / منزله الكائن عند طرف المدينة / زوجته وأبنائه وتلك الزهور والتي بدأت تتعافى بعد رحيله لسنوات وبعد حقنها بماء الحياةُ من جديد وحده لم يأخذ سوى حفنةٌ من ذكرى وابتسامة احترقت من جمر الخذلان حين خلقت داخله إنسانا مهزوزاً مسكوباً عليه غفلة من أشواك الموت بها عشرون من الأعين وشفاه واحدة تنطق الألم ونظراتهم .
أخيراً رحل مُكفناً بزمنٌ مرْ وثوبٌ ابيض وملامحٌ لم تعد صالحة للحياةُ مرة أخرى كان الخوف الحاجز الذي لم يؤدبه ويُحسن تربيته .
ممزقُ القلب شارد الأفكار حين وجدوه يبحثُ عن وطنٌ آخر يحضنُ كرامته وضوء الشمس المتبقي من الحياة.

هذا هو سَعدْ طستْ أنفاسه تحت ركام الليل وأخاديد التراب ، زملته انتصابات الموت وتركته خاوي النفس وعلى كفوف الصمت وتجريح الفرح المتبقي في قلبه هرب حيثُ صوتٌ آخر من الحياة والموت .
أسرع بالجري حتى غاب بعيداً جداً جداً..عن التأنيب وضمائرٌ ميتة وتلك الأحلام التي لم يحققها ليومٍ ما معهم.


ثمةُ ورودٌ تركها سَعدْ عِند عُتبة بابه وجدها أحدُ أبنائه واحتضنها بحزن وهو يعلم بأن أباه زرع في قلبه حب الحياة وأمنيات قد تتحقق في عمره يوما ما تأمل هناك حيث فجر يومٌ جديد ودعاءٌ من ضوء الروح .

يبقى للخيال خصوبته وعفويته أحيانا

شكرا أخ عبدالله على حضورك الطيب ..

الممتع حضورك الغالي عواش

دمت بخير يا طيبة