على ذلك المكتب المنزوي في ركنه المضيء كانت تتربع على صدره بجلال صورة للبراءة رائعة القسمات تبتسم في دلال
زهرة أبدع الله تصويرها ؛ ألقت برأسها الصغير على كتفها لينسدل شعرها كشلال من ذهب
وترسم على كرز الشفتين ابتسامة شفافة ندية كندى الصباح.. ليتجلى في عينيها النجلاوين بريق دمعة مختنقة
تحاول الهرب من عدسة الكاميرا المتعطشة لالتقاط تفاصيل ذلك الوجه البريء

خارج إطار تلك الصورة كانت هناك حياة أخرى التقطتها عدسة ذاكرتي وبقيت محفورة في إطار قلبي

كانت طفلة كغيمة أورثتها والدتها الكثير من جمالها والكثير من حقد النساء عليها.. والمؤلم من المرض المزمن
كانت وأنا توأما روح.. آلامها تؤلمني ..وأحلامي أحلامها ..
كنا نرسم الأحلام على ورق التوت بحبر عطر الياسمين الذي يلعق أصابعنا الصغيرة ليعلق بها
فيفضح ماكتمناه.. عند زوجة أبيها لتغتال أفراحنا

في صباح يوم شتاء مجحف البرودة كإجحاف حظها العاثر من الدنيا ..
تتجمد فيه اللحظات كانت ترتجف ألما وبردا ..
وضعت كفيها بين كفي لتكسبها قليلا من الدفء ثم ارتمت بين يدي بلا حراك...
توقف حينها الزمن والشعور توقف الكون
عند توقف قلبها عن الخفقان
كانت آخر نبضاته من قلبي الذي حاول أن يمدها بالحياة لكن هيهات حين تحين الساعة أن نؤخرها عن موعدها
ودعت الآلام ولحقت بوالدتها التي طالما تمنت الارتماء على صدرها والهروب من شقاء الدنيا



وبقيت التساؤلات تضج بي ..أين هي ؟؟!! أين ذهبوا بها؟؟!! لماذا لم اعد أراها ؟؟!!
لماذا يقولون إنهم دفنوها بجوار قبر والدتها ؟؟
أماه بربك أرشديني أين توأم روحي ؟؟ ماهو الدفن ماهو القبر ؟؟
قالت لي لقد لحقت بوالدتها والدفن هو احتضان الأرض لأجساد أبنائها الذين يفارقون الحياة عليها.
كيف ذلك ؟ !!
كيف لحقت بأمها وهي مدفونة في الأرض ولطالما سمعت أن والدتها هناك في الأعلى.. صعدت روحها لبارئها ؟؟
علمت حينها أن الموت انشطار .. روح تصعد إلى السماء
وجسد يتوارى تحت الثرى
وطيف يغتسل بين أجفاننا ويؤرق مدامعنا

عزيزتي الراحلة إلى روحي :
لقد كبرتُ وكبرتْ أحلامنا ومازلت أستحضر طيفك كل ليلة لنرسم معا الأحلام على ورق التوت ومازالت رائحة الياسمين تعانق برودة كفيك وتأبى أن تفارقني حتى هذه اللحظة..
ومازلت أعمل جاهدة لتحقيق أحلامك قبل أحلامي

كل ليلة أرتدي حجاب الدعوات أيمم قلبي نحو ساعة إستجابة.. أرتل إبتهالات الرجاء أن ألتقي بك في عالم الخلود في جنات النعيم
رحمك الله ياروحا سكنت روحي ..