منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد الهدوء (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   ساديَّةُ ذاكِرَة . (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=27416)

نبيل الفيفي 06-03-2011 06:12 PM

ساديَّةُ ذاكِرَة .
 
لمْ أكُن يوماً دونَ أرجُل , و لَم يبتدِئنِ الرّصيف و أنا حزين .. و لم ينتهينِ و أنا ألهَث ! .. لم أكُن يوماً فاقِداً لأهليّة الحُلمِ و أنا أنضُجُ تحتَ الشّمس , و ما عبرتني نجمَةٌ و أنا أسألُها عنِ الرّاحلين ! , لم أُدهَسْ بحصانِ الرّيح و أنا أبحثُ في عربتِه عنِ وجوهٍ غرَبَتْ ! , و ما أعرتُ الانتظار بالاً و لا حايلتُ زنبقةً عنِ النّوم ! , لَمْ تنطِفئ حُنجرُتي وسطَ النّشازِ المُخيف ! .. و لَم تغفُ عَيني عن مُلاحقةِ خِرافي خشيَةَ لصٍ يفجعني بواحدةٍ منها تحتَ جُنحِ اللّيْل! , لم أتنكّر لِشجرَةٍ أوَتْ ظلّي يومَ لا ظِلاً إلاّ ظلّي ! ..
كنتُ في هُدنَةٍ مع ذاكِرتي و التي طالما خِفتُ مِن أن تفتحَ أحدَ أبوابها في وجهِ الشّمس و أموت وحدي , كنتُ في هُدنَةٍ معَ مدفئتي .. أحطبُ لها مِن الأملِ ما يُسكِتها عن الثّرثرة و يُدفئُني ! لَم أبتكِر مِن الأغاني إلاّ ما يُساقِطُكِ لي ظَمأً, و لقلبي .. و لشوارعي و أرصفتي التي تتكاثَرُ وما استهديتُ إلى الآن كَيْفَ أوقفُ تناسلها فيّ ! بعدَكِ تمنّيتُ لو أنّهُ كانَ بمقدوري أن تُناصفي جسدي لنبدأَ السّيرَ معاً , لنشربَ معاً , لنسبقَ الصّباح و نخطُفَ مِن يدِهِ رغيفاً ساخِناً , و نستحلِبَ مِن سمائِهِ ماءً تُروي عطشنا , ذلِكَ العطَش الذي شرّدني و أنا أسافِرُ مّني إلَيْكِ بحثاً عَن واحَة , شرّدني منكِ إلَيْ و أنا أبحثُ عن ضفيرةٍ يرجَعُ نسبَها إلى اللّيْل إلى اللّيْلِ الأبيض , إلى اللّيْلِ الودود .. إلَيْكِ !
بعدَكِ يا صغيرتي ! فتّشتُ في ذاكِرتي عن قطرةِ دمٍ واحِدَة تُدينُكِ .. تُدينُ ساديّتكِ .. تُدينُ هذا الغيابِ المُجرِم , هذا : اللّص .. و كلّ محاولاتي ترتدُّ إليّ فشلاً ذريعاً .. فشلاً أستحي بالمُجاهرةِ بِهِ أمامَ نفسي , و أمامَ مرآتي ! ما إن غبتِ أخذَ كُلّ شيءٍ فيّ بالانسحاب شيئاً فشيئاً و كأنّها عمليّةٌ خطّطتِ لها و تواطأت أشيائي معكِ و خُلِّفتُ كأيِّ قطعةٍ كانَ لها تأريخٌ و مولِدْ أصبحت أثريّة تدلُّ على قوةٍ خفيّة أحالتها إلى ما هيَ علَيْه و أنتِ من تعلمينَ أنّي أكرهُ الآثار , و تلكَ الوجوهِ التي تنظُرُ لـ اللاشَيء ..
لذا أكرهني الآن جداً , جداً .

























رُبمـا !

نبيل الفيفي 06-08-2011 01:39 PM

لا أدينُ لأمّي بَشَيْء سِوى : نقشِ حنّائِها , قهوتها , رائحَةِ الرّياحينِ بمدخلِ بيتِها ! , الماء الذي كانَت تجلِبُهُ مِن آخِرِ القريَةِ في السّحر , دلالَها الرّيفي لأبي , رغيفها السّاخِن بُعَيْدِ الفَجرِ , مُساعَدتها لهُ بقلبٍ راضٍ في أرضِهِ الودودِ المُطيعَة - رُبّما خذَت هذهِ الصّفتَيْن مِنها , مِن أمّي ! - , بلهاثِها عندَ الظّهيرة و يدَيْها الماءْ التي تُنبِتُ من أرضِ التّنورِ قُرصَ شَمسٍ مُلتَهِبْ , و أنفاسُها تُطلِقُ في وجهِ القريَةِ الأغاني , و الأهازيجِ بصوَتِها الرّخيم ,
في الحقيقةِ أدينُ لها : بذاكِرةِ الشّيح , ذاكِرةِ الجبالِ , و التُّربةِ الزكيّة , بذاكِرةِ الرجالِ و صَبرهِم على ابنَتِهِم المُدلّلة .. بذاكِرةِ النّساءِ , و أعيُنِهِنّ بكحلها المنُتثِرِ علَيْها , بذاكِرةِ الوشمِ الذي لا زالَ مرسوماً على جباهِ نسوةِ القرية الذي يُذكّرني بأني ابنُ شَجرَةٍ وَ طين ..
ياه , يا أمّي لا أدينُ لكِ بِشَيْء , في الحقيقةِ أنّي أدينُ لكِ بِكُلّ شَيءْ .

























.. !

نبيل الفيفي 06-16-2011 03:16 AM




... مرّ بجانِبِ وردَةٍ يُريدُ اللّحاقَ بموعِدِهِ الضّائِعْ !
- ترفّعَتْ نحوَهُ : خُذني معَكَ لوطني .. خُذني لقلبِ امرأةْ .



































رُبمـا !

نبيل الفيفي 11-30-2011 10:19 PM

أريدُ فردَ أصابعي تحتَ أشعّةِ الشّمس , أن تَعرَقَ , و تُشمّ رائِحتُكِ ! .. الأشياءُ العبثيّة يا فاطِمة التي أحدثتِها فيّ لا تنتمي لغُصنِ واحِد , حتّى لو كانَ يتيماً ..
قبلَ عدّةِ أيّامٍ عُدتُ لشجَرَتَكِ .. مكثتُ في ظلّها ما يُقارِبُ الذّاكِرَة و النّصف , سردتُ فيها طَيشي , نُضجي , عُزلتي الوقِحَة , و حدتي العفيفة .. كتبتُ عن كُلّ شَيءٍ دون قيود , لأوّل مرّة أكتُبُ دونَ الخوفِ من ابتسامَةٍ تمرّني دونَ أن تُخلّفَ في أصابعي وشماً ! كتبتُ بلا مُبالاة , كنتُ أسمَعُكِ تقولينَ : أجمَلُ الكتاباتِ هي التي تولَدُ من العدَمْ ,

فاطِمَة !
.. العالَمُ بعدَكِ ثائِرٌ , مهووسٌ بالدّمِ و الموتِ و الصّورِ المُغتالَةِ , الكونُ واقِفُ دونَ اتّزانٍ و عُكّازَهُ بُندقيّة , صارَ الأطفالُ في قريتكِ يلهونَ بالمُبارَزة بالأخشابِ يتحلّقُ حولَهُم الرّجال و كأنّ الكونُ علّمَهُم كيفَ يتحيّنونَ حرباً مجهولَة قد تأتيهِم في يومٍ و هم غافلون ! و لم تَعُد نساءُ القريةِ يتحدّثنَ عنِ الشّعرِ و الحُبّ العفيفِ الذي يحدُثُ تحتَ سمائِها ! , أصبحَ الشّبابُ يتفيّئون بالسّياسَةِ و الدّمِ المسكوبِ على أعيُنِهم في كُلّ مكان ..
يا فاطِمة !
دسستُكِ فيّ و ذهبتُ لمدينَةٍ تركُلُ من لا يُجيدُ لهجتَها , و أنا القرويُّ الذي لا زالَ يحمِلُ عمامَةَ جدّهِ , و ريحانَة جدّتِه و حقلَ أبيه .. عرّفتُها بنفسي , نستني في اليومِ الثّاني ! , ذكّرتُها بي .. أنكرتني في اليومِ الذي يليه .. كنتُ أرى العالَمَ برُمّتِه : حقلاً و بِضع مواشي و مَسجِدٍ يجمَعُ بركتنا إلى الله ..



يقتُلني الحنينُ يا فاطِمَة .

































رُبمـا !

نبيل الفيفي 12-03-2011 10:22 AM

لم تعترِفْ بي .. !
, لم تؤمِن بأهليّتي مدينة واحِدة في أن اتّخِذَ قرار كـ : اقتلاعي لقناديلها المكسورة , أو أن أبتاعَ نورها المتملِّقْ لأحيائها الخلفيّة الساكِنَةُ من الخوف .. أو أن آخُذ نصيبي حتّى من شوارِعها المسفلتَة ..
الغُربةُ يا فاطِمة التي دهستني بعربتِها كسَرت جُزءاً كبيراً من انتمائي لكُلّ شَيءْ , أصبحتُ بعدَ ذلِكَ الحادِثِ المُفجِعْ مُشرّداً يتلوّى بين يدَي الأرصِفة و اللّيْل و الشّرَفِ المهجورة كحيوانٍ أليف بين يدَيْ صاحِبِهْ ! , صِرتُ كَحيِّ قديمْ تبقّت مِن ملامِحِهْ طِفلٌ يلعَبْ , صبيّةٌ تَكنِسُ غُبارَ المدينَةِ اللّامُتوقّعة من فناءِ بيتها , أبٌ يجيئُ لبَيْتِهِ بُخطى تِركِلُ التمدُّنِ المؤجَّلْ , العبورُ إلى اعترافٍ كهذا أمامَ ذاكِرتي ؛ أمامَكِ يُعدّ انهزاماً قد لا أجِدُ ما يُبرِّرُهْ .. لكنّكِ من علّمني أنّ الأشياء التي تؤخَذُ منّي كُرهاً أن أستردّها بالقوّة , أنتِ من علّمني أن لا تبقى في صوتي قصيدَة متدلية دونَ أن أنثرها في الهواءْ و في وجوهِ العابرين ! ..
هذهِ المدينةِ أحبّها سِراً لو تعلمينْ , و أجلِدُها بأصابعي السّمراءْ , برسائلي لكِ ..



.. و يقتلني الحنين يا فاطمة .




.. !

نبيل الفيفي 12-03-2011 10:13 PM

الجسدُ المُثرثِرُ بالعربيّةِ لا ينبُتُ على صَدرِهِ إلاّ الموتْ , ذاكَ الجسَدُ المُمتدّ مِن أوّلِ مُتظاهِرٍ ظلّ كَتِفُهُ يحمِلُ الجوعْ و التشرُّدْ و الأرصِفة لآخِرِ جُنديٍّ اعتمرَ طائِرَة و حملَ دبّابَةً في يَدِهْ ! , غُرِستُ فيهِ كوردَةٍ مؤجّلٌ كلٌّ شَيءٍ فيها و أنا الرّجُلُ الذي يكرَهُ السّاسَة و طاولاتُهُم الضيّقة و غُرفَهُم المشبوهَة , و أنا الذي يُحبُّ الغناءَ و يتمنّى أن يعودَ لوطنِهِ ؛ أن يعودَ لقلبِ امرأتِهْ .
صديقتي التي رُحِّلَتْ إلى الخَوفْ , إلى الخُطا المُبهَمَة , إلى قصيدَةٍ تَزيدُ هيجانَ صَبيٍ بيدهِ بُندقيّة ! .. قد نلتقي في جوازِ سَفر , أو في حقيبَةِ منفيٍّ , أو رُبّما التَقَيْنا على ظَهرِ دبّابَةٍ ما !




































رُبمـا !

نبيل الفيفي 12-03-2011 10:38 PM



هالوطن حيل مُنصِفْ ! .. علّمنا و اشلون نستَطعِمْ الملْح .





































.. !

نبيل الفيفي 12-05-2011 10:37 PM

دعينا لا نحتمي من البردْ يا فاطِمة , دعينا نتبرّأُ من أصواتَنا و ليَكُنْ اللّيْلُ مسرَحَهُما : يتشرّدان ! .. يُنشّزان .. يتصالحانِ , يتعاركان .. يقتُل بعضُهما الآخَرْ ؛ يموتا , و ماذا سيحدُثْ إن ماتا ؟! .

لا بُدّ أن نعيشَ هذا الشّتاء كما ينبغي .. مِن الظُّلمِ أن يمُرّ بِسلامْ , مِن العيبِ أن لا نحتَفِلَ فيهِ بالموت , و نحنُ في أرضٍ صارتْ توزّعُ أخبارَ الموتى على الشّارعِ و الصُّحفِ اليوميّة , تُهدي منشوراتِ الموتِ بالمجّانِ ..
سيسخَرُ منّا الوطن إن لَمْ تقتَتِلْ أصواتنا يا فاطِمة .




































رُبمـا !


الساعة الآن 09:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.