منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد الشعر الفصيح (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   تساؤل (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=42111)

طاهر عبد المجيد 05-16-2020 11:29 PM

تساؤل
 
قبل خمس سنوات تقريباً قَدِمت إلى السويد هرباً من جحيم الحرب في بلدي وبعد شهرين من قدومي دخلت المدرسة لتعلم اللغة السويدية في المدينة التي أقيم فيها وكنت أضطر حينها إلى الخروج من بيتي صباحاً قبل شروق الشمس وأعود في عتمة المساء، ولا أتمكن من أداء الصلوات في المدرسة، وهذا ما كان يشعرني بالضيق وتأنيب الضمير، فكتبت هذه القصيدة من وحي هذا الموقف. علماً بأنني تمكنت بعد فترة من أن أصلي في الصف.


تساؤل
د. طاهر عبد المجيد


أترى نجوتُ من الجحيمِ بذاتي
ونجحتُ في إنقاذِ نصف حياتي؟

أم أن هذا ليس إلا رغبةً
ستضاف للمكبوت من رغباتي؟

أنا ههنا في غربتي لا أدَّعي
أنِّي بلغتُ من المنى غاياتي

مازالت الذكرى تُهيِّجُ أدمعي
وتثيرُ عاصفةً من الآهاتِ

مازال يغزوني الحنينُ فأكتفي
في صدِّه بالنوم كالأمواتِ

ما زلتُ أحلمُ بالكثير وإن أكنْ
أشبعتُ ما يكفي من الحاجاتِ

يكفي هنا أنِّي أنامُ مبكِّراً
من غير تفكيرٍ بيومي الآتي

أمشي يرافقني الأمانُ كحارسٍ
وكأنَّه ظلِّي على الطرقاتِ

وأُحسُّ عطفَ الناسِ نحوي بادياً
كمهاجرٍ في رقَّةِ النَّظراتِ

هم يبدؤونكَ بالتحيَّة كلَّما
صادفتهم في أغلبِ المرَّاتِ

ويصافحونكَ بابتسام وجوههم
والوجه للأرواح كالمرآةِ

حق الكلام لمن يريد مقدَّسٌ
هنا في السويد كواجب الإنصاتِ

أنا لا أَخافُ هنا على حرِّيتي
من حاكمٍ يسطو على الحُرُماتِ

وأخاف منها في زحام لذائذٍ
توحي لها بسهولة الإفلاتِ

لكنَّني ما زلت أشعر بينهم
أنِّي غريب الرُّوح والقسماتِ

أشكو فتغلبني الدُّموع أمامهم
وتجفُّ لا أحدٌ يرى عَبَراتي

وإذا مرضت فلست أطمع أن أرى
أحداً يجيء على صدى أنَّاتي

ليقولَ لي بيدٍ تكفكفُ أدمعي
عافاكَ ربُّ النَّاس والآفاتِ

نفسي فداؤك وهي رهنُ إشارةٍ
تأتيكَ حين تريدُ في لحظاتِ

ولعلَّ أسوأ ما وجدتُ بغربتي
أنِّي نسيت الله في صلواتي

فبدأت أجمعها بوقتٍ واحدٍ
ليلاً وأقرأ أقصر الآياتِ

فإذا انتهيت دعوت ربِّي قائلاً:
ربَّاهُ ذابتْ في فمي كلماتي

ماذا أقول وأنت تعلم بالذي
سأقوله يا جابر العثراتِ

زلَّت خطاي على الطريق وخانني
حظِّي الذي لحقت به خطواتي

لا يستحقُّ العفو منكَ ولا الرِّضا
أحدٌ عصاكَ بأبسط الهفواتِ

لكنَّك الرَّحمن تكره أن ترى
دمع الَّذي يدعوك في الظُّلماتِ

لو كنتُ أعلمُ أن حقَّك ههنا
ستضيق عن إيفائه أوقاتي

لبقيت في بلدي أعيش مهدَّداً
بالموت مجَّاناً على دَفْعاتِ

الآن يمكن أن أقول بحرقةٍ
ممزوجةٍ باللَّوم والحَسَراتِ

كمْ ذا خسرت بهجرتي وكأنَّني
بحساب ربِّي ما نجوت بذاتي


حسن زكريا اليوسف 05-17-2020 10:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طاهر عبد المجيد (المشاركة 1169113)
قبل خمس سنوات تقريباً قَدِمت إلى السويد هرباً من جحيم الحرب في بلدي وبعد شهرين من قدومي دخلت المدرسة لتعلم اللغة السويدية في المدينة التي أقيم فيها وكنت أضطر حينها إلى الخروج من بيتي صباحاً قبل شروق الشمس وأعود في عتمة المساء، ولا أتمكن من أداء الصلوات في المدرسة، وهذا ما كان يشعرني بالضيق وتأنيب الضمير، فكتبت هذه القصيدة من وحي هذا الموقف. علماً بأنني تمكنت بعد فترة من أن أصلي في الصف.


تساؤل
د. طاهر عبد المجيد


أترى نجوتُ من الجحيمِ بذاتي
ونجحتُ في إنقاذِ نصف حياتي؟

أم أن هذا ليس إلا رغبةً
ستضاف للمكبوت من رغباتي؟

أنا ههنا في غربتي لا أدَّعي
أنِّي بلغتُ من المنى غاياتي

مازالت الذكرى تُهيِّجُ أدمعي
وتثيرُ عاصفةً من الآهاتِ

مازال يغزوني الحنينُ فأكتفي
في صدِّه بالنوم كالأمواتِ

ما زلتُ أحلمُ بالكثير وإن أكنْ
أشبعتُ ما يكفي من الحاجاتِ

يكفي هنا أنِّي أنامُ مبكِّراً
من غير تفكيرٍ بيومي الآتي

أمشي يرافقني الأمانُ كحارسٍ
وكأنَّه ظلِّي على الطرقاتِ

وأُحسُّ عطفَ الناسِ نحوي بادياً
كمهاجرٍ في رقَّةِ النَّظراتِ

هم يبدؤونكَ بالتحيَّة كلَّما
صادفتهم في أغلبِ المرَّاتِ

ويصافحونكَ بابتسام وجوههم
والوجه للأرواح كالمرآةِ

حق الكلام لمن يريد مقدَّسٌ
هنا في السويد كواجب الإنصاتِ

أنا لا أَخافُ هنا على حرِّيتي
من حاكمٍ يسطو على الحُرُماتِ

وأخاف منها في زحام لذائذٍ
توحي لها بسهولة الإفلاتِ

لكنَّني ما زلت أشعر بينهم
أنِّي غريب الرُّوح والقسماتِ

أشكو فتغلبني الدُّموع أمامهم
وتجفُّ لا أحدٌ يرى عَبَراتي

وإذا مرضت فلست أطمع أن أرى
أحداً يجيء على صدى أنَّاتي

ليقولَ لي بيدٍ تكفكفُ أدمعي
عافاكَ ربُّ النَّاس والآفاتِ

نفسي فداؤك وهي رهنُ إشارةٍ
تأتيكَ حين تريدُ في لحظاتِ

ولعلَّ أسوأ ما وجدتُ بغربتي
أنِّي نسيت الله في صلواتي

فبدأت أجمعها بوقتٍ واحدٍ
ليلاً وأقرأ أقصر الآياتِ

فإذا انتهيت دعوت ربِّي قائلاً:
ربَّاهُ ذابتْ في فمي كلماتي

ماذا أقول وأنت تعلم بالذي
سأقوله يا جابر العثراتِ

زلَّت خطاي على الطريق وخانني
حظِّي الذي لحقت به خطواتي

لا يستحقُّ العفو منكَ ولا الرِّضا
أحدٌ عصاكَ بأبسط الهفواتِ

لكنَّك الرَّحمن تكره أن ترى
دمع الَّذي يدعوك في الظُّلماتِ

لو كنتُ أعلمُ أن حقَّك ههنا
ستضيق عن إيفائه أوقاتي

لبقيت في بلدي أعيش مهدَّداً
بالموت مجَّاناً على دَفْعاتِ

الآن يمكن أن أقول بحرقةٍ
ممزوجةٍ باللَّوم والحَسَراتِ

كمْ ذا خسرت بهجرتي وكأنَّني
بحساب ربِّي ما نجوت بذاتي


يا طاهر القلب والحرف
سلام الله عليك
ومساؤك الفرح
صدقاً مع شعرك أحس براحة نفسية
أنت بارع في توثيق الوجع والحنين وبكل صدق
وبأسلوب بديع ليس فيه مباشرة ولا خطابة
تنزف كلماتك وتئن قوافيك
فتخط ملحمة من الآهات على قارعة انتظار
وتحت وطأة الغـربة تأبى روحك إلا أن تنهض فتشرق ضياءً وتفوح عـبقاً
رائعة القصيدة
بوركت وسلمت
مع شهد محبتي وتسنيم تحياتي
ح س ن ز ك ر ي ا ا ل ي و س ف

قايـد الحربي 05-17-2020 11:08 PM

:
:

د. طاهر
أهلاً بك ، يطيب بك المكان والزمان .

:

مناجاةٌ و نجاة ..
هي الأقرب للنبض والحياة .
:
"لكنك الرحمن تكره أن ترى
دمع الذي يدعوك في الظلمات"

بل يفرح بالدعاء ، والبكاء له .
،

شكراً لأنك هنا
ولجودك و وجودك .

سيرين 05-18-2020 02:23 PM

حين يكتبنا الحرف صدقاََ وشعراََ
على الضوء ان يخشع خجلاََ من هكذا حديث أعلى النفس وأزكى فضائلها
دمت غدقاََ أسراََ للذائقة شاعرنا المبدع \ طاهر عبد المجيد
جل آيات الود والامتنان

\..:icon20:

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 02:17 AM

ما هذا الإطراء الرائع الذي يبعث على الغرور. لم أكن أتوقع أن تلقى قصيدتي هذه كل هذا الإعجاب من شاعر متألق دائماً له نظرة نقدية ثاقبة. إن كان ثمة من إبداع في هذا النص فإن منشأه الصدق في التعبير عن الألم والمعاناة ليس إلا خصوصاً وأن النص يحكي عن تجربة شخصية.
أشكرك أخي الشاعر القدير حسن على ما قلت في حقي وحق القصيدة من كلام جميل صيغ بأسلوب شعري. ولك مني كل المحبة والتقدير. تحياتي.

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 02:27 AM

أشكرك أخي قايد على هذا التعليق الموجز والمعبِّر في آن معاً. ما قصدته أخي قايد بالبيت الذي اقتبسته أن الله سبحانه وتعالى كريم لا يسمح لعبده المؤمن أن يصل بدعائه حد البكاء كي يستجيب له لأنه أكرم من أعطى وأرحم بعباده من أنفسهم. فضلاً عن أنه سميع قريب ولا يحتاج أن نلح عليه كي تصله دعواتنا.
نعم هو يفرح بالدعاء ولكنه لا يفرح بالبكاء إلا إذا كان صادراً من الخشوع في الصلاة.
هذا ما أراه. على كل حال هي وجهة نظر لا تصادم وجهة نظرك التي تستحق الاحترام.
أشكرك مرة أُخرى مع خالص تحياتي.

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 02:31 AM

الأخت الكاتبة العزيزة سيرين:
أشكرك على هذا التعليق الرائع من كاتبة رائعة لا تكتب إلا ما هو رائع وجميل يتلألأ سحراً وروعة كنجوم لا تأفل من سماء البلاغة والبيان.
تحياتي المعطرة بالمحبة والاحترام.

عبدالإله المالك 05-20-2020 06:09 PM

الشاعر طاهر عبد الحميد

لقد أمتعتنا شعرا حد الثمالة
هذا عزف أرواح لا ضرب أوتار

لله درك ودر قريضك
والله الله بالصلاة


الساعة الآن 08:57 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.