منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   كليلة ودمنة رؤيا بنفسجية (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=34473)

برهان المناصير 11-12-2014 08:26 PM

كليلة ودمنة رؤيا بنفسجية
 
كليلة ودمنة رؤيا بنفسجية
قال دمنة لأخيه كليلة : يا أخي ما بال وجهك كاسفا ، طوي بساط أنسه ، وأنا الذي عهدتك طلق المحيا ، يترقرق في وجهك ماء البشر ؟ فقال كليلة : ما بالك بابن أوى وقد عشق فراشة ، فأخذت بلبه ، وملأت فراغ قلبه وهو مع ذلك يعلم بأنها حلم لن يتحقق فكيف ترجو أن يكون حاله ؟!

قال دمنة : يا لك من بائس مسكين لقد والله رمت أمرا معضلا دونه خرط القتاد ولست أراك إلا كعصفور الندى الذي عشق النحلة !

قال كليلة : وكيف كان ذلك ؟!

قال دمنة : زعموا أن عصفورا رقيقا كان يجمل في المجالس ذكره ويطيب في المحافل نشره من ذوي الرصافة والحصافة والحنكة والرأي وهو مع ذلك قد امتهن مهنة غريبة لا يستطيعها أحدا سواه فيتخير أقلامه من أرق أغصان الورد ويتخير صفحاته من أجمل أوراق الورد واتخذ له دواة من الندى فلا يفتأ يتخير الكلمات البليغة فيرقمها على أوراق الورد بحبر الندى فيحسن تصويرها وكأن سطوره سبائك الفضة !!

وكان قد عظم شأنه وانتشر خبره حتى سارت بأوراقه الركبان وبات عشه مزارا لعشاق الشعر والورد وما زال هذا شأنه حتى أتى ذلك اليوم الذي مضى فيه إلى حقول الورد فأخذ يقلب بصره بأوراق الورد ليتخير منها ما يصلح لكتاباته فلمح نحلة رقيقة مشرقة الجبين ظريفة الهيئة مفرطة الجمال فأخذت بمجامع قلبه وأشرب قلبه حبها فاستهوته ودلهته فألمت بشأنه واطلعت على سريرة أمره فقالت وأينك مني وهل أنا إلا حرف ستكتبه على أوراقك ثم تنساه ومنحته ابتسامة رقيقة كان فيها ما فيها من الوجد والغرام فسرت في أوصاله رعدة كاد أن يلفظ آخر أنفاسه بها ثم مضت لشأنها وتركته مسبوه الفؤاد شارد اللب قد راعه ما رأى من جمالها وسحر بفتور أجفانها واختلب بعذوبة منطقها فانقلب إلى عشه وقد ألم به من غصص الحب ما ألم ومكث أياما لا يبرح عشه وقد التاث عليه أمره فقد كان رقيق الفؤاد مرهف الحس عفيف الحب عذري الهوى وكان لذلك العصفور صديق من صفوة أصحابه فعاده يوما وقد استطال غيبته فما أن رأى رقدته ألم بكل شأنه من غير أن ينطق فقال له ماذا فعلت بنفسك يا صاحبي فحاول أن يكتم عن صديقه أمره فقال صديقه يا صديقي لقد نم عليك سقمك وفضح الدمع سرك وما أن رأيتك حتى علمت بأن الحب قد ضرم أنفاسك فما شأنك وإلا فلست بصديقي الذي عرفت وأحببت !

فأطلعه على سريرة أمره وشكى إليه الوجد الذي استوقد ضلوعه والسهد الذي أنحل جسده فقال صديقه لقد علمتني مجتهدا لك في المشورة لا أدخر عنك نصحي ولكن الحب يا صديقي لا تنفع فيه المشورة ولا النصيحة وأن القلب إذا وله ينغلق فلا يرى إلا صورة من أحب ولا يسمع إلا صوته ولا يشعر إلا به فلست أملك لك من الأمر شيئا إلا أن ألازمك حتى نرى ما ينتهي إليه الأمر وسأصحبك بعقلي وقلبي فقال له العصفور أما أنا فما عدت أنتفع بنفسي ولست أراني إلا ماضيا إلى خليتها لعلني أحضى بنظرة تحيي يباس الروح وتبعث فيها الحياة فقال صديقه فإني معك أين ذهبت سأرافقك ولن أبخل عليك بروحي فأجمعا أمرهما على الذهاب

فانطلقا وما أن وصلا إلى الخلية حتى بادرهما النحل بالهجوم وما زالا يتقدمان حتى سقط العصفور ميتا واستطاع صديقه الفرار بعد أن أصابه اليأس من إسعافه فعاد أدراجه وقد أنهكته الجراح وأورثه موت صديقه حزنا وغما أنساه جراحات الجسد وطفق يطير تارة ويسقط أخرى حتى وصل إلى عش صاحبه فذهل مما رأى فقد وجد تلك النحلة التي وصفها له صديقه تجلس هناك فاقترب منها وقال لها لا تفزعي مني فأنا صديق عصفور الندى وسألها عن أمرها فأخبرته بأنها ما زالت في حرقة وغصة مذ لمحته فأعملت الحيلة وهربت وبقيت تسأل حتى اهتدت إلى عشه فلم تجده !

فأخبرها ما كان من أمرهما فصاحت صيحة لفظت فيها آخر أنفاسها

فبكى كليلة بكاء مرا وأيقن بأنه لن ينتفع بعقله ولا بعقل أخيه وقال لأخيه ولكني يا دمنة أرجو أن ينتهي بي الأمر كما انتهى بالنملة الشقراء

قال كليلة : وما مثل ذلك ؟
برهان المناصير

يتبع إن شاء الله تعالى

ساره عبدالمنعم 11-13-2014 09:21 PM

نتوقی ونتشوق
في المتابعة
سلمت

رشا عرابي 11-13-2014 10:07 PM

هنا المكوث أُنس..
والوعد بالبقية يُغري بالرجوع

متابعة بحول الله ولا تملّ الذائقة شهد الأدب

برهان المناصير
سلمت يُمناك يا أخي
امتناني العميق
وجورية عاطرة عساها تليق

عبدالإله المالك 11-14-2014 12:28 AM

ونحن معك يا برهان
نتابع ما تجود به

قال المهلهل

أنكرتني حليلتي مذ رأتني
كاسف اللون لا أطيقُ المُزاحا

برهان المناصير 11-15-2014 01:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساره عبدالمنعم (المشاركة 883686)
نتوقي ونتشوق
في المتابعة
سلمت

تسعدني متابعتكم أشكرك من كل قلبي يا أخية

برهان المناصير 11-15-2014 01:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عَرّابي (المشاركة 883699)
هنا المكوث أُنس..
والوعد بالبقية يُغري بالرجوع

متابعة بحول الله ولا تملّ الذائقة شهد الأدب

برهان المناصير
سلمت يُمناك يا أخي
امتناني العميق
وجورية عاطرة عساها تليق

أرجو أن يكون القادم أجمل ويستحق هذه المتابعة أشكرك على التشجيع يا أخية سأحاول ^_^

برهان المناصير 11-15-2014 01:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالإله المالك (المشاركة 883724)
ونحن معك يا برهان
نتابع ما تجود به

قال المهلهل

أنكرتني حليلتي مذ رأتني
كاسف اللون لا أطيقُ المُزاحا

وكونك معي يعني بأني سأغوص في أعماقي لعلني أكتب ما يليق
أشكرك من كل قلبي يا غالي

برهان المناصير 11-20-2014 07:41 PM

قال كليلة :

زعموا بأن قبيلة من النمل كانت تعيش في أدغال أفريقيا وكان من شأن تلك القبيلة إذا نبغت فيهم نملة وفاقت أقرانها حبسوها عن القمر فلا يمكنوها من الخروج ليلا اعتقادا منهم بأن القمر سيسلبها ذلكم النبوغ وتحل بهم لعنته بحسب أسطورة توارثوها جيلا بعد جيل .

فنبغت في تلك القبيلة نملة كانت من أجملهن صورة وأحسنهن هيئة وألطفهن نشأة شقراء اللون فتانة المحاسن بارعة الشكل كأنها دمية من دمى القصور وهي مع ذلك متوقدة الذهن سريعة الفطنة من أصفاهن نفسا وألطفهن حسا .

كان تفكيرها مختلف تنظر إلى الأمور بعين غير تلك العين المشوهة التي اتخذتها قبيلتها خصوصا للقمر الذي ملأت فراغ قلبها به **فاعتزلتهم وانتبذت ناحية لا ترى فيها أحد ولا يراها فيها أحد وطفقت تبحث عن نفسها والقمر في بطون الكتب حتى بات الكتاب صديقها فأنست بناحيته وأفضت إليه بأسرارها وأطلعته على دخائل نفسها فهو الصديق الوحيد الذي طوي باطنه على مثل ظاهره وعلمت بأن الكتاب والقمر هما قبيلتها وهما وطنها وهما ذاتها وتاقت نفسها لرؤية القمر وكان مجرد ذكره في موطنها جريمة عقوبتها الإعدام وكانت على يقين بأن ما توارثه قومها من أساطير ما هي إلا خزعبلات وجهالة ما أنزل الله تعالى بها من سلطان فعزمت على رؤية القمر عزما لا رجوع فيه فتلمست لرؤيته الوسائل وهي على يقين بأن ذلك الأمر وعر الملتمس عزيز المنال ولكنها كانت ترى فيه حياتها .

فاستعدت للأمر وتأهبت له وأرهفت له غرار عزمها فأيقظت له رأيها وأسهرت قلبها وأعملت الفكر في خريطة الوطن فراقبت حركاته وسكناته وتفقدت مخارجه ومداخله وتتبعت عثراته حتى ظفرت بمطلبها وخرجت من ضيق تلك الخارطة إلى سعة العالم وجدّت بالمسير وطفقت تعدو *ولا تلوي على شيء وانبسطت آمالها لرؤية القمر وقد زينت لها نفسها رؤيته وما زالت دائبة السعي لا تقف على ساق مكلفة نفسها فوق طاقتها حتى تنفست الصعداء تعبا وسقطت من الإعياء .

وما أن علم قومها بخروجها حتى أوغرت صدورهم وجاشت عليها بالغل وكشرت عن أنيابها وكشفت عن وجه العداوة وباتت تلك النملة الصغيرة حربا لهم فقد أورثهم رحيلها حسرة وتجرعوا غصص الندم فأرسلوا الجيوش في أثرها وأضحت تلك النملة قضية وطن وكأن الوطن قد ألم به داء لا دواء له سوى موت تلك النملة .

وكانت تلك النملة قد فتقت لها الحيلة من خلال مطالعتها للكتب بطريقة توصلها للقمر معتمدة على قانون الجاذبية فصنعت خلطة من الفضة والعنبر والندى وغطت بها نفسها ومضت نحو البحر ومكثت هناك ترقب المد وكان قومها قد وصلوا فصاحوا بها فلم تعرهم أدنى اهتمام وما أن اقتربوا منها حتى حضرها المد وألقت بنفسها من فوق الجرف لتواقع المد حال انحساره فجذبها القمر ولمع البشر في عينيها وتدفق السرور من وجهها فتساقطت على نفوس قومها غما وأسفا وقرعت ساحتهم الأحزان وصعدت هي وارتقت حتى ظفرت بالقمر وظفر بها القمر .

فأيقن قومها بصدق الأسطورة وأيقنت هي ببطلانها واعتقدوا بأن اللعنة ستحل بالوطن واعتقدت هي بأن الوطن ستحل به لعنة ولكن ليس لعنة القمر بل لعنة الجهل .

برهان المناصير


الساعة الآن 10:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.