كف الدهر .. تصفق للبارود ..!
http://www.movn.net/vb/uploaded/301_1333049782.jpg . . . . . كف الدهر .. تصفق للبارود ..! كتبه / فيصل الرحيّل - رحمه الله - منذ فترة طويلة وأنا استرق النظر إلى ما تكتب من بعيد .. فكم أدهشني حضورها المتزن وهدوئها اللبق والأنيق .. الذي سرعان ما يصبح مربكا لحظة اعتلاء المنصة كما لو كانت لوحة فسيفسائية تضج بألوان الطيف .. وتزخر بمخزون وافر .. فكانت شامخة بما تجود به من انبثاقات ودفقات .. من خلال تتبعي لما تقدم من نتاج أدبي .. أثار انتباهي أحد النصوص كثيراً .. كان بعنوان / كف الدهر .. هذا النص يعد .......... لا لا لن أتحدث عنه .. أتعلمون .. تعالوا لنقرأ سوياً .. الأنيقة / دلال البارود .. في نص كف الدهر ... : رميت العشق في يمٍ على أطراف حضن النيل أملت رجوعه حتى تقر العين في التقبيل فأين الوعد يا نيلا و قد آمنت بالتنزيل و لم أكفر بمعجزة و لم أحتج إلى التأويل أكان فراقنا قدرا.. فتقتل حاصل التحصيل ! تمزقنا أيادي الموت تمزيق الرياحينِ كأن الله لم يعبد بغير السين و الشين كلا الطرفين في عاج و يرمي الكفر بالدين لينحت كره قابيل بمطرقة وسكين مذاهبنا رمت بالجب مولودا بقلبين لتأتي بئره ليلا وتغرس فيه سيفين تقد الحق من دبر و تنحر دمعة العين و نحن بكربلائهما شهيدا لحظة البين منامي جاء يخبرني كلانا منته بمضيق كلانا مقتف وهما كلانا ينثني لطريق أنا في عتمة وحدي و فيها فورة و شهيق و أنت بغور لجتها جريح منتفٍ و غريق حسبت البين كابوسا ،، رجوت بأنني سأفيق لتصفعني من الأحلام حشرجتي بغصة ريق هنا المنفى .. و آخر ضمة للصدر للأحضان تعرق جبهة الآمال تصليها يد النيران و قتل الطير في مرأى من الأعشاش و الأغصان و سكب الماء في ترب أمام تسول العطشان أموتك أين ذاك الصوت يا ترنيمة الشجن بغير الحس .. غير العطر أسكن وحشة الكفن وأبكي حرقة الحواء حين الطرد من عدن فليت الرب يغفر لي عداء يزيد للحسن تذكرني أنين الناي .. لسع الشاي .. حزن العود شجاري معك في عيني ترى بنية أم سود صيام الشهر .. ضوء البدر..عشق السحر .. حنا العيد عناق البرد .. جفو البعد .. غي العند .. قبلة جيد بعيدٌ عنك أغنيةٌ نرددها بصوت الست نباري من سيكملها على غيب أنا أم أنت ونهدي كل دندنة تلحفنا بقلب التخت ولم أعلم بعيد القهر أنشدها بعيد أنت ربينا في ظلال الشوق عاشقة ومعشوقا وأحرقنا بغيرتنا مسافات وتفريقا إلى أن بات سوسننا بكف الدهر مخنوقا وتصلبنا طوائفنا مجاهرة وزنديقا أليس الحب يا قومي سجود الروح عند الروح ورعشتنا بجلد الذنب عند الرب حين نبوح ورقصتنا على جرح لدى فيروز حين تنوح وشهوة بلبل في السجن للأفاق وهي تلوح لماذا ؟ترجم الفتوى قلوب الحب كالشيطان لأن عروق قلبينا سياط تضرب الأديان وهل عارٌ محبتنا أينكر خلقه الانسان سنحيا في سفينتنا ويغرق عرفهم طوفان ستجري دائما كفي وإن بترت لكفيكا وتركع نظرتي الخجلى أمام مقام عينيكا وتلهث دائما شفتي اذا ناديت لبيكا ويسري الشعر في ألق يقبل خطو رجليكا # تتحدث الكاتبة من خلال هذا النص عن موضوع غاية في الأهمية والحساسية ويعنى بشريحة كبيرة وهامة .. ألا وهو موضوع الطائفية والمذهبية حيث قامت الكاتبة بعرض هذه القضية من خلال باب هام من عدة أبواب .. فهنالك العديد من الأبواب المشرعة على مصراعيها في هذا الموضوع .. الكاتبة تناولت القضية بطريقة موضوعية وغاية في الحيادية .. فلم تنحز إلى أحدٍ على حساب الآخر .. # النص عبارة عن تجسيد للحب المغتصب في زمن الطائفية البغيضة والفتن كما لو كان الحب خارجا عن العدالة ويشكل خطراً على الآخرين .. لذا تطارده الطائفية للقضاء عليه أنى وجد في أي زمان ومكان .. بداية النص كانت بداية موفقة وذكية جداً .. حيث قدمت لنا الكاتبة بداية تناصية دينية ما انفكت من استخدامها بطريقة واعية ومثالية .. فبمجرد ما أن يداعب الشطر الأول مسامع القارئ للوهلة الأولى .. سيحلق به سريعاً إلى الماضي وتحديداً إلى زمن سيدنا موسى عليه السلام .. فتبدو لنا الكاتبة في النص كما لو كانت تمثل دور والدة موسى .. والطفل موسى يمثل في النص دور العشق .. والرابط الذي يجمع بين كل من موسى والعشق الطهارة والنقاء وخوف الأم الشديد عليه .. هذا الاستحضار بما يحويه من بُعد ديني ونفسي وتاريخي .. له قدسية كبيرة وأثر كبير في رصد حالات معينة تحاكي انفعالات الكاتبة النفسية ورغباتها .. محققا لها تلاءم ما بين الحالة المنتقاة والحادثة المستحضرة في النص والحالة التي تعاني منها الكاتبة وتشعر بها وترغب في التعبير عنها .. الكاتبة من خلال هذا التوظيف جنحت نحو أحد المصادر الهامة التي تعنى بها الانسانية والتي نعتمد في استحضارها بشكل عام على الدين والتاريخ والذاكرة .. مما يصنع تأثيرا طبيعيا وتلقائيا للنص ويمنحه صفة الديمومة والاستمرارية .. ويشكل تأثيرا كبيرا على ذهن القارئ مما يعطي لمؤشر ترمومتر القيمة الأدبية للنص .. قراءة من نوع آخر مربكة تماما .. لما للشخصيات والقصة من مكانة متميزة ومقدسة لدى كافة الشرائح البشرية وأثر هام في الحياة . # من يقرأ النص جيداً يلاحظ عدم مجازفة الكاتبة في الاستفادة من توظيف التناص .. والتلاعب ولو قليلا بورقة المطلع الرابحة .. حيث سيطرت على اللذة التي تولدت بفضل المطلع الجميل مكتفية بتلك الاستعراضات الأدبية المذهلة في الجزء الأول من النص فقط .. معتمدة على لغة خاصة بها وتراكيب تحمل هويتها الشعرية .. وهنا يمكننا أن نقول أنها نجحت في تبيان المعنى الرمزي الذي كانت تهدف إليه من ذكر حادثة موسى وفرعون متخلصة من الشبح التاريخي والشعري للحادثة الأصلية .. متجاوزة بذلك كل العوائق والعثرات التي قد تقف عائقا ما بين النص والمتلقي . # ومن ثم نجد الكاتبة تنتقل إلى تناصٍ آخر .. من خلال استحضار شخصية قابيل بكل ما تحمله من أبعاد دلالية وتاريخية مخاطبة من خلالها الآخرين لعلهم يتداركون الأمر .. كي لا يشعروا بالندم الذي شعر به قابيل بعد قتله لهابيل .. ويتضح مدى خطورة ما ترغب في ايصاله بالإشارة إلى مفردة ( النحت للكره ) .. في الشطر عينه .. فكل الايحاءات والدلالات في تلك المفردة تشير إلى صعوبة عودة ما تم نحته إلى الشكل الطبيعي الأصلي .. يلي ذلك استخدام الكاتبة لمفردة ( البئر ) وكيف يقد الحق من دبر .. حيث يحظى هذا الاستخدام برمزية هامة .. فالكاتبة هنا استدعت بصورة غير مباشرة شخصية يوسف عليه السلام دون أن تفصح عن اسمه .. موجهة خطابها للآخرين .. كونها وجدت في حكاية يوسف رمزية مشابهة للمأساة والمعاناة التي تعانيها .. فجاء الاستدعاء ملازما ومساندا للحالة التي أرادت الكاتبة أن تسقطه عليها . # هذا ومن يحاول قراءة النص بصورة متصلة دون توقف .. ينتابه شعور بأن من كتبت النص ليست شاعرة .. بل هي أشبه ما تكون بمخرجة عالمية .. فالنص برمته بمثابة مشهد سينمائي أو فيلم قصير .. يمتاز بالوحدة الموضوعية المتماسكة بناءا سواء على مستوى الشكل أو المضمون .. ناهيكم عن كثافة الصور الجمالية والفنية والتي تعد تعبيرا واضحا عن المعاناة والألم .. النابع من قتل الحب والحيلولة دون لقاء الأحبة .. المتمثل في الطائفية النتنة .. حيث تضافر في النص كل من العقل والعاطفة والشعر معا .. مما ساهم في شرح وايضاح العلاقة بين العاشقين في ظل البيئة المحيطة بهما .. وما يترتب على ذلك من حزن وألم ومعاناة .. فنجد الكاتبة تتدرج في الحديث عن الحالة التي تعيشها كما لو كانت تهون على النفس تارة وتنتقم من الآخرين بطريقة راقية من خلال الحديث عما تسببت به طائفيتهم البغيضة تارة أخرى .. ومن هذا وذاك يتحول مجرى الحديث إلى المحب واللحظات واللقاءات الجميلة .. والشجار الممتع .. ودندنة الأغنيات .. وعشق السحر .. وضوء البدر .. الأشواق .. أنين الناي .. ضوء القمر .. وصوت كوكب الشرق أم كلثوم .. جميع ما سبق دلالات عميقة ورقيقة تبين وتوضح مدى قوة وعمق هذا الحب الخالص النقي الذي كان ليجمع بينهما دونما تفكير لو كانت الظروف تسمح بذلك .. ومن يظن أن الطائفية قد انتصرت على العاشقين في النص .. مخطئ .. فالفراق والبعد ليس سوى فراق وبعد مادي لا أكثر في حين أنهما في حقيقة الأمر ملتصقان روحياً .. انصهرت وامتزجت روحيهما في روح واحدة وبوتقة واحدة .. حتى وصل بهما العشق إلى درجة ما عادا فيه يعرفان أو يدركان من منهما الآخر . # أعجبني كثيراً توظيف الكاتبة للزمن الماضي في التعبير عن طريق الأفعال الماضية في البدايات الأولى ومن ثم الانتقال إلى الزمن المضارع عن طريق الأفعال المضارعة في الجزء الآخر .. حيث من شأن الأولى أن تفيد في بنيتها الثبوت والتوكيد على مستوى الأحداث والمواقف وما يصاحبها من تغييرات فسيولوجية انفعالية .. في حين أن الثانية تفيد في بنيتها الاستمرارية والخلود وتتمثل في الحالة الوجدانية والنفسية للكاتبة والتي تعيشها بصورة مستمرة ومتجددة الناجمة من الأحداث والظروف القاسية .. إضافة إلى توظيف الكاتبة للعديد من المفردات المركبة التي تمثل الجانبين المادي والمعنوي مما يمنح مساحة رحبة للتعبير عن الصور بطريقة خيالية فذة .. لما للجانب المادي من دلالات توحي بتواجد ذات فاعلة مهمتها الوأد والتفريق .. والتي تنعكس بذلك على الجانب المعنوي فتحاول سلب المشاعر وخنقها وقتلها . تذكرني أنين الناي .. لسع الشاي .. حزن العود شجاري معك في عيني ترى بنية أم سود صيام الشهر .. ضوء البدر..عشق السحر .. حنا العيد عناق البرد .. جفو البعد .. غي العند .. قبلة جيد # هذا التلاعب الموسيقي وحسن التقسيم وانسجام توالي المقاطع .. ما هو إلا فاصل استعراضي من الكاتبة لبعض المهارات اللغوية المتجانسة مع المعنى .. والتي يطرب لها المتلقي كثيرا ناهيكم عن كونها مفردات ذات طابع حسي مرهف تعبر عن تلك القواسم المشتركة التي كانت تجمع بين العاشقين . # نهاية النص كانت نهاية جميلة .. حافظت فيه الكاتبة على تلك الوتيرة التصاعدية منذ بداية النص محققة مستوى ثابت بعض الشيء .. لكن كم كنت اتمنى لو أنها تابعت التقدم على تلك الوتيرة في الخاتمة كذلك .. لنحلق أكثر فأكثر معها حتى نكاد نشعر بأننا سنبعث للسماء .. كانت النهاية لتكون أجمل لو استخدمت الكاتبة الاستحضار الديني والتناص كما في مقدمة النص لتختم فيه كما حدث في معجزة موسى .. بدلا من أن تستحضر سفينة نوح عليه السلام من خلال تناص آخر لم يحظى بالاهتمام والعناية الكافية من الكاتبة .. لو أن العرف غرق في نهاية المطاف في البحر كما غرق فرعون والعشق نجا بمعجزة كما نجا موسى لربما لكانت أجمل بكثير .. لكن جاءت النهاية كما لو أنها ردة فعل انفعالية .. على هيئة تحدي واضح للجميع .. فلم تلحظ أنها من خلال هذا التحدي وبصورة غير مقصودة قد اضفت على ذلك العرف قليلا من الشرعية ومنحته قيمة لا يستحقها قد يصور للبعض أن فيه شيئا من الصواب .. في حين لو أنها ختمت بذات التناصية التي بدأت بها لكان أكثر تأثيرا وأشد وقعا في خدمة النص . # صفعة ... : حينما نتحدث عن النص .. فإننا نتحدث عنه دائما بموضوعية تامة بمعزل عن الكاتب .. وإن قال البعض ممن نختلف معهم في وجهاة النظر أن النص قد يكون تجربة شخصية للكاتب .. من الأجدر بهم أن ينظروا إلى الضفة الأخرى والتي يقال فيها .. أنه ليس من الضرورة أن يعبر النص عن تجربة الكاتب الشخصية .. فلا حاجة لأن نغفل عن ذلك .. قراءة النص لا تعني التطفل على الحياة الشخصية للكاتب .. لنحافظ على بقاء واستمرار الأدب .. أدبا .. ! * نُشِرَ في جريدة الصباح الكويتية .. ملف مقامات أدبية .. ! http://www.alsabahpress.com/Archive/...AMXHLNFCUB.pdf :34: |
ويتساقط المطر على حقول العطر في حضور مشرق مغدق بنور ..
رائع بارع هذا الفضاء أخي فيصل ، فقد حلقنا في رؤيتك العميقة الأنيقة بكل حبور .. فشكرا لك وللوعي الذي يسكنك . |
باسق يافيصل , ولطالما كنت كذلك ... رؤاك كانت مثمرة بالوعي . . . أشكرك |
أخي فيصل :
قراءة موفّقة لقصيدة جميلة رؤيتك كانت بالعمق الذي يخرج بالدرر جزاك الله كل خير |
فيصل الرحيل
قراءة نقدية تحليلية كتبت بمداد من ماء الذهب .. إبدعت بحق ٍ |
اقتباس:
. . . . أ.الشتوي إبراهيم ..! حضورك تشريف ويعني لي الكثير .. أنا سعيدٌ جداً .. بتحليقك إلى جانبي .. شُكراً لك .. ولحضورك ..! :34: |
اقتباس:
. . . . الأنيق .. // سعيد موسى .. سررت بهذا الحضور الجميل .. شُكراً لك .. شُكراً لا تفي ..! :34: |
اقتباس:
. . . . الألحان .. // إيمان ديب .. حضورك يعني لي الكثير .. شُكراً لكِ .. شُكراً لا تفي ..! :icon20: |
الساعة الآن 02:05 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.