منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   السابقون (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=34554)

علي آل علي 12-02-2014 02:43 AM

السابقون
 
[justify]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
كنت فيما مضى أتساءل أفي قريتنا تلك المزايا ما يؤهلني على البقاء فيها! لا أجدني ملهماً، ولا أجد رغبة في البقاء أيضاً، وسأنتظرُ نتائج الثانوية العامة بفارغ الصبر، حتى أهاجر إلى المدينة بكل ما فيها من مزايا ومهن، هناكَ الحياة الكريمة بكل ما تعنيه الكلمةُ من معنى.

قبّلتُ يد أمي قبل أن أذهب إلى أرضٍ ذي زرع نملكها، هي عادة فطرتُ عليها من قبل أن أنشأ فتياً معافى، تعلمتُ حرث الأرض، ورأيت البذور التي أرميها بباطنها كيف تنمو إلى أن آلت إلى شجيراتٍ صغيرة وكبيرة، وفاكهةٍ تسلب النظر افتتاناً.

هذه هي َ البئرُ التي نستسقي منها الماء، نشربه حد الارتواء، ونسقي به زرعنا، نسقي به الأغنامَ والأبقارَ التي دأبتُ أرعاها كلَّ يومٍ بلا كلل، إلا أنَّ الملل أصابَ جزءًا مني ولم يتركه.

إني أرى المسافرينَ الذين يأتون إليها بين عيدٍ صغير وعيدٍ كبير، وبين إجازة يقضون أيامها الطوال بيننا، حينذاك كانوا يحكون لي سالفة الحياةِ في المدينة، يبرزون الفتن الفاتنة فيها حيناً وحين، لا شيء يشبه حالنا في قرية الشقاء، أما هناك فلا غير الهناء إلى ذكرٍ مخلّد أبد الدهر.

أنا الفتى القاصر أُحدّث نفسي بآمالٍ لا تسأم مني كلما عرجت بي إليها، وتبقيني أسيراً لها كلما عرضت علي مفاتنها، متى أترك هذا الشقاء الآني، متى أكونُ كريماً معافى.
مضى العمرُ إذن، رأيتُ اللحظة الحاسمة ليوم الرحيل المُنتظر، ما أسعدني وقتذاك، وما أسعد الأماني وأنا أحققها أخيراً.

هذا هو الرحيلُ إلى المدينة، وصلت أخيراً بعد عناء السفر، إني أسافر مذ ولدت حتى انتهى بي الحال إلى محطة المكان الموعود وحيدا، قدّرتُ مقادير حياتي الجديدة، عشتُ فيها، أسفرَ الحلمُ عن واقع مغاير، لم أعتد الحياة هكذا، ولم أكن أتوق لهذه الحقيقة الشنعاء التي اتضحت لي بلا عناء أو استحياء ...
اشتقتُ للأرضِ،
للأغنام،
للبقر،
للبئر التي تروي عطشي الشديد في يوم قيظٍ حافل بالكدّ والعرق, قد تاقت نفسي إلى الحديث المتبادل مع أبناء القرية، بعد أن عافت حديث المدينة الصاخب، حديث ندا عن تفسّخٍ من قيم نشأتُ عليها، فلا الجود أجده هنا، ولا سبيل للمروءة أن تعيش فيها، هكذا رأيت المدينة، هكذا انسلت أفكاري هاربة تود أن تعود للميلاد، تتمنى العهد القديم السابق ذكره آنفاً.

لا شيء في المدينة يستحق الذكر، إنها تشكو الكدمات والأسقام كأنها عجوز أمست قريبة من سدة الموت، تعيش على المغذيات المعلقة، والإبر المنومة، تعالج درجات الحرارة المتصاعدة بكبسولات تهدئها ليس إلا، ثم تعود إلى مناكفة السقم الذي تشبث بها ولم يتركها تتنفس الشفاء قليلا.

بل في المدينة ما يستحق الذكر، إنها تتأوه الخيانات كل صباح وليلة، تكتب يومياتها بلوعة ساكنيها، قلق الزحام وتردي الخدمات يزدادُ تأنيباً، أما الأمانات فلم تكن لأهلها، بل لغرباء يسوقون الحيل نهاراً جهاراً ولا يبالون بشكوى أو بدعوة مظلوم في ساعات الليل الأخيرة.

كانَ القرارُ صعباً، أأترك الأجر الثابت كل شهر؟ أأترك الأسواق التي دغدغت شهواتي بكافة أطيافها؟ أأترك المطاعم التي أكلت فيها الأطعمة الجاهزة والسريعة؟ أأترك المقاهي الفاخرة والتي احتسيتُ فيها قهوةً سوداء ليس لها أيُّ صلةٍ بالقهوة العربية الفريدة؟

رميت كل هذا ورائي، عدت إلى بنائي الأول، بناء الطين والحجر، عدت إلى رائحة المطر، إلى السوق الشعبي كل أسبوع، عدتُ إلى نشأة الطفولة المهداة لي منذ الولادة إلى أن صرتُ فتيًّا معافى.

هذا عيد الدهر، مبارك لي ولقريتي هذا اللقاء بعد زمنٍ طويل، سأذهبُ الآن إلى المقبرة، سأزور أبي وأجدادي، وسأدعو لهم بدعاء أذكره جيّداً
-أنتم السابقون ونحن اللاحقون بإذن واحدٍ أحد-
( السابقون . قصة قصيرة. علي مجدوع آل علي)
13 يوليو 2014

[/justify]

عبدالإله المالك 12-06-2014 04:21 PM

أصالة القرية
وعبق الماضي
مدعاة للزود بوقود المستقبل

حييت يا علي

علي آل علي 12-07-2014 03:54 PM

حيهلاً بنورك أستاذ عبدالإله المالك
والصحبة التي لا تُنسى، ولقاءُ ليلة أضحت حياةً لي أخرى ..!

لكم أنا سعيد بتشريفك هذه الصفحة
لك ود ووداد لا يبور أبداً

نادرة عبدالحي 12-14-2014 08:41 PM

هذا الإنسان الحالم بالتغير الذي ظن أنه سيجده في المدينةِ لم يتقبل الاضواء القوية .
استفاق على الحقيقة الشنعاء هذا الإنسان البسيط استفاق والمحزن غيره لم يستفق ....
هذه الخاصية الديموغرافية المتمثلة في حق التنقل ومحاولة الوصول للحلم عن طريق الإنتقال
إلى عالم التطوير .
برائي الحياة البسيطة الهانئة هي ما تصبو إليه النفس القانعة التي تبحث عن السعادة والعيش الهنيئ

رشا عرابي 12-14-2014 09:36 PM

مجبولٌ قَلَمُ الكاتب على الصدقِ والوَفاء لكلّ ذي عهدٍ من مجريات الحياة
الطفولة..ورائحة التراب ..
البساتين..وأويقات اللعب
كلّها تِرياقاً للوفاء لا ينفكُ حاضِراً
وإن حَضَرَ بُهرُجُ الدنيا أجمع

الأديب الراقي علي آل علي ...
لِمِدادكَ نَثراً وَسَرداً أنفاساً مِنَ الصدقِ لا تبرح

بورِكتَ
وحفظك الله أديباً لا حُرِمنا مِدادهُ في أبعاد الخير

علي آل علي 12-15-2014 12:24 AM

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادرة عبدالحي http://www.ab33ad.com/vb/Traidnt/ab3...s/viewpost.gif
هذا الإنسان الحالم بالتغير الذي ظن أنه سيجده في المدينةِ لم يتقبل الاضواء القوية .
استفاق على الحقيقة الشنعاء هذا الإنسان البسيط استفاق والمحزن غيره لم يستفق ....
هذه الخاصية الديموغرافية المتمثلة في حق التنقل ومحاولة الوصول للحلم عن طريق الإنتقال
إلى عالم التطوير .
برائي الحياة البسيطة الهانئة هي ما تصبو إليه النفس القانعة التي تبحث عن السعادة والعيش الهنيئ



إنه الإنسان الذي يعشق الأصول لا الجذور، ينأ بجانبه عن المتغيرات التي تنتزعه من أحضان أمه ..

بوركت أستاذة نادرة

علي آل علي 12-15-2014 12:30 AM

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عَرّابي http://www.ab33ad.com/vb/Traidnt/ab3...s/viewpost.gif
مجبولٌ قَلَمُ الكاتب على الصدقِ والوَفاء لكلّ ذي عهدٍ من مجريات الحياة
الطفولة..ورائحة التراب ..
البساتين..وأويقات اللعب
كلّها تِرياقاً للوفاء لا ينفكُ حاضِراً
وإن حَضَرَ بُهرُجُ الدنيا أجمع

الأديب الراقي علي آل علي ...
لِمِدادكَ نَثراً وَسَرداً أنفاساً مِنَ الصدقِ لا تبرح

بورِكتَ
وحفظك الله أديباً لا حُرِمنا مِدادهُ في أبعاد الخير



ما شاء الله تبارك الرحمن
على أرائك اللغة تتربعين، وعلى دروب البلاغة تمشين
ما هذه الكلمات الواعية، والجمل التي تربو أفقاً ثقافياً وفكراً شاعري ..

هنيئاً لك هذه المكانة أستاذة رشا
وبارك الله فيك على هذه القراءة الرائعة

رغد الديب 01-25-2015 05:53 PM

ومازالت فطرتنا الإنسانية الأولى تتعمشق وتتعملق في ثنايا قلوبنا وذاكرتنا الموشومة بكل جميل صيدا وفيرا نهفو إليه كلما غمت رؤانا واشتد سواد الأفق من حولنا

أ علي آل علي
كثيرا ما أقرأ صفحة من أفكاري المحببة في كتاب كلماتك فاتدلى إلى خيمتك لعلي أحظى بقبس ..!
رائعة هذا الصدق وبهي
بالغ احترامي وتقديري


الساعة الآن 04:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.