نحاولُ جهدنا أن نمدّن أرواحنا وأنفسنا بصقيع اللامبالاة أمام حرارة الأحداث الملتهبة ؛ ودائماً نقع بالفشل ..
كلما أردنا أن نولّي ظهورنا عن مشاهِدِ البلطجة والهمجية التي تحيط بواقعنا إحاطة السوار بالمعصم ؛ وكلما وضعنا في آذاننا وقراً واستغشينا ثيابنا كي لا نسمع صراخ أطفالٍ يُذبَحون ونساء ثكالى وشيوخٍ وشجرٍ وحجر .
كلما حاولنا ذلك ..خرج إلينا عمر بن الخطاب بقامته البهية وفصاحةِ إشراقِهِ من ذاكرتنا ينفضُ غبار الأيام عن وجهه ؛ فنجد أنفسنا أمام الحقيقة ..ولا نستطيعُ إلا أن نصرخ ..ولا نستطيع إلا أن نتخذ موقفاً .
وكلما حاولنا المحافظة على كياستنا من عادة شتم سياستنا ، نفشل ..
وكأنّ بيننا وبين الفشل معاهدة ..!
وإذا أردنا أن نستنجدَ بالقلم ليكونَ أصدق إخباراً بالحال ، يخرجُ لنا ابو تمام ليفشل كل مخططاتنا ليقول لنا :
" السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتب .... "
في كلِّ مرة نتجاوز فيها الفشل نختار أن نكلِّم المدعو " السيّد قَلَم "وليكون لكلماتنا رائحة ولحبرنا لون :
لا بد من الاستعاذة من فخامةِ السلطان المعظَّم والتحرز من نفث قلبٍ محطَّم ؛ واستبدال الأفعال الثلاثية التي على وزن ( ماتَ ، قتلَ ، نحَرَ ، شجَبَ ....)
بأفعال رباعية على وزن تأتأ أو فأفأ ..
وكذلك التخلص من ركام القضية الفلسطينة ، ونفض غبار أخبار الموتى العراقيين ونزع الحجاب للإناث والغترة وما يوازيها في المقام للذكور .
لا بأسَ من قلنسوة " حاخام " يهودي أو قبعة " كاو بوي " أمريكي .
وإطفاء أنوار النبوءات السماوية وإشعال نيران المجوس الشيطانية .
أكتب يا قَلَمْ :
عن ذلك الكائن الذي كان بشراً قد ولدَ يوماً ما حرَّاً فاستعبدوه ..وحولوا أيامه وأحلامه وأفراحه لسبايا ، وفي بعضِ الأحايين لبغايا ..
عن طفل يكبُر فيه الموت في صمت الجريمة
عن نساء يلدْنَ أبواق النظام ..
ونساء يلدْنَ جماجم الزينة في الحدائق العربية .
عن غواني الشَّرق في القصور المَلَكية
وأواني الذَّبْحِ في المطابخ العربية .
عن مشانق الموتى الغبية ..!
عن دلالِ مُهْرِ أمريكا الحَرون في مجلس الأمن الموقّر.
عن رصاصات بريئة وصدورٍ جانية ..!
عن قتلٍ رحيمٍ وإبادةٍ سِلْميَّة ..!
عن زمانٍ عقمتْ في ربيعه مياسم الحرية ..!
أكتب يا قَلَم :
عن طفل تعلّم أن يلملمَ همومه بيديه ..ويصلّي في محراب جدّه ،
و يُثَبِّت بصائر قبلتيه في القدسِ ومكّة ..!
عن حجارته الذكية وألعابه الموؤودة ، عن طعامه المغموس في بحر الدماء .
أكتب ياقَلَم :
انتهت كل الحروف ، تساقطتْ جُلُّ المعاني في الزحام ..
تكتب لمن ؟!
فألبَّاء الوَرَى ساهون في الخلوة قد آذاهم زيفُ النوايا واحتدامُ بهارجِ الدنيا بأبواب السلاطين وصنَّاع القرار ؛ وتكالبُ اللقمة على الدولار . .
أكتب :
عن أرواحنا التي ثَقُلتْ ونفوسُنا التي اعتلَّتْ فالعيبُ فينا أكثره ..!.
عن ميلِ المسالكِ وانتقاصِ قدْرِ الفكرِ في لغوِ المجالس ، عن خيوط الانتهاز التي مُنِحَتْ لأخداج النِعَم ، عن عهن آمالٍ وسقْفِ أوهامٍ ، عن طحالب العروش و براغيثِ الحكومة ، عن شرعية الحاكم وظلمات المحاكم .!.
عن صوتنا المكبوت في لا جدوى الصراخ ، عن لبان السَّاسة الرديء الذي ينظفون به أسنانهم بعد وجبة من القتلى ، عن كلامهم المكرور في تحليل الأوضاع العربية .
عن عابرٍ كريم لا يزالُ يبحثُ عن جوازِ سَفرٍ لا عربيٍّ ، وذاكرةٍ منزوعة الأصل والتاريخ يهندمُ بهما ياقته في مكاتب وشركات العملِ العَرَبية ؛ والمطارات الغَرْبيّة .
عن شعوب العالم الآخر ومواطني الدرجة الـ ( الملعونة ) الذين هاجروا من فلسطين إليها .
عن رائحة دمائهم الكريهة عن احتفالاتهم الممجوجة بالكرامة البشرية .
أخبرنا يا قَلَم :
متى تموت في أكباد الجوعى صرخة الرغيف ؟!
متى تُحذف من قاموس لغتنا كلمة مقاومة ، متى نتحوّل جميعنا إلى مقاولين وانبطاحيين ؟!.
متى تنْجِبُ الفوضى الحقيقة ؟!
متى سيفرزُ التاريخُ بإسناد الحدث " العاهات و زوائدُ التطبيع والتوقيع " عن أولئك الذين بنوا مجداً ، وتفيأت أيامنا بصنيعهم في زمن القيظ السافر .
اكتب يا قَلَم :
عن اللاشيء ..عن اللا أحَد ..
!

أؤمنُ بالسيادة الإنسانية
كما أرادها الله لعباده الذين استخلفهم في الأرض
وأكفرُ بالهمجية وسطوة المادية وجبروت الطواغيت

بعض القوانين الوضعية شطرت حق الاختيار إلى متاح ولا متاح
فأسقطت عنها صفة المشروعية ..
تقبل تقديري