منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   انكسار وثورة (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=40855)

عبدالرحيم فرغلي 06-14-2019 11:39 AM

انكسار وثورة
 

سلامتك يا ربة العمر .. سلامة الصبح الذي تفتحت له زهور الأرض .. سلامة العينان المثقلتان بدرر الجمال . أجهدتك الحُمى .. تلتصق بك كملابس باردة .. تسكنك كشمس صغيرة تبحث عن حنان .. كقارورة صيف تنضح وجهك بلؤلؤ العرق .. تشعرين بجسدك طافياً وعظامك مثقّلة إلى الفراش . تعجنين الليل بالنهار ليولد زمناً مسخاً مبتور الشمس والقمر . الحمى رفيق يدّعي محبتنا ويتركنا بنصف وعي ونصف ذاكرة .

بالأمس وأنا مُلقى في غرفتي المزدحمة بكِ .. وطاولة تنتصب هناك كحيوان رابض من قرون تحكي لي عن لقاءاتنا القليلة .. عن كلماتك التي تتثنى وتتدلل حتى لتكاد تقول ( قبِّلني ) . عن يميني كوب شاي أتخيله مصنوع بيدك .. له رائحة زهرة ترتشف حبات المطر .. ومذاق رواية تتوالى أحداثها كنسيم خجول ، كتاب بجانبي يناديني .. لكنّ سطورك بداخلي تكفيني ، كان الوقت معطراً بك .. حتى اتصل من يخبرني بمرضك .

تبدلت غرفتي .. هي تتراشق سهام القلق .. دمائي لا تمنحني حياة بل تيه وضياع .. الجدار ينهار لتنبت الوساوس .. المصباح يرسل شعاعاً مُظلم .. النافذة كلبة تعوي . أنقر على الطاولة بأصابعي كأنما أوقظها .. أحدق في سجادة حمقاء تضحك عليّ ألوانها .. الهواء يهش الوقت من فوقي . وأتأفف من الشاي الذي برد .. والباب المفتوح .. وأقلب كفيّ .. ( كيف لي أن أطمئن عليكِ ) .

لم أخبرك بحبي .. أحسبني لستُ لائقاً بكِ .. فأنت مسكونة بالربيع .. عندك يأتي المطر . أنت ابنة الزمان المدللة .. شعرك ليل لطيف وإهابك صبح يضحك .. وعتابك يشبه لطافة الغروب فيه قسوة النهار ووداعة المساء ، أنت تسكنك روح سائحة مجنونة تخاف أن تنقضي أيام سفرها .. تريد أن ترى الأماكن جملة واحدة وأن تجري في الغابات كهاربة وأن تُودع البحر أسرارها وتخاف أن يذيعها مع أمواجه ، بداخلك يا سلمى عشرين طفلة كلما أمسكتُ بواحدة تماهت وأنبتت لي أخرى .

أدمنتُ الرحيل .. أجتنب أماكن قد تكونين فيها .. حفلات قد تجمعني بك ، أخاف أن أتعلق بك أكثر .. أن يسرقني شهي الحديث وظرافة المجلس والعينان التي تثرثران بما أعرف وما لا أعرف ، أن أرتمي كجذع شجرة يابس من وخز الأشواق وجناية الحنين ، اعتدتُ اهانة المساء لأني أضعت لقاءك في النهار .. وصراخ النجوم في وجهي لأني خبأت حبي .. لعنة الكراسي المترقبة . كنتُ أخاف أن يتراكم الحديث في داخلي وأبوح بحبي .. لتقولي لي (( عفواً .. ماذا قلت ؟ ! )) .

عمرٌ مضى وأنا أتسقط أخبارك يا سلمى .. ألتقط اسمك من ألسنة معارفك ليطرب قلبي ، يوم زواجك كانت مشاعري كسوق حراج .. سعيد لفرحتك .. تعيس لفقدك .. نادم .. غاضب .. حزين .. ساخط ، وسرتُ إلى حيث خيبتي .. ألملم حبات المطر وألقيها في البحر .. أضع مراكن زهور صناعية في حديقة طبيعية .. أشتري ملابس جديدة لأسكب عليها أكواب الشاي الدافئة .. وأظل أتلمس أخبارك وأرتمي في حجرتي كشاشة تلفاز مكسورة .. لأكتب سلامتك .


ضياء شمس الأصيل 06-14-2019 02:01 PM

...

"وسرتُ إلى حيث خيبتي .. ألملم حبات المطر وألقيها في البحر"

الجميل عبد الرحيم
عندنا مثل شعبي " لاتزيد الـماء للبحر"

إحذر قد تغرق يوما
...

تقديري

...

عبدالإله المالك 06-14-2019 09:41 PM

سلامة الفكر والبدن والكفين واليدين

حييت يا صديقي فرغلي

سيرين 06-14-2019 10:32 PM

ثمة رسائل تحتضر إن أودعناها سجينة الورق
طال المكوث في زاوية سلمى .. تجلدي يانفس واطلبي لها السلامة
تراتيل من الود والدعاء لكل من يُثمر في الروح حياة

\..:icon20:

ضوء خافت 06-14-2019 11:05 PM

لقد وقعتُ في هوى سلمى - مثلكَ - و أصابني القلق !!
وصف بديع أستاذنا ... للحظة للمكان و الشعور ... لسلمى و حسنها الذي ما رآه سواك ...

نادرة عبدالحي 06-15-2019 12:15 AM


حين أقرأ للكاتب الفرغلي أُصاب بسكون وجذب وتشدني المشاهد إلى عُمقها ،

وكدتُ أصاب بالخيبة أين سلمى ???? يُخاطب من .??? وظهرت سلمى في المقطع الأخير

إنفرجت أساريري ،هو الوفاء الذي يبحث عنه القارئ ويجده فيفرح به،

حين يعتاد القلب على نثر بذور الحب والكلمة الطيبة من حوله يزهر الكون ..... رياض لا تجف ينابيعها


فاشتعل النص أصواتا وألوانا ومشاعر وحالات وفضاأت، وجاءت الصور حية تأنسن كل شيء ويرفل فيها الشوق


للنص إيقاع حزين يتسم بصدق المشاعر وتتخلله لحظات موسيقية تكسر رتابته الصمت عبر

رياض الإنفعال والمشاعر ليصل لكل بيت ويتناول من مائدته الكثير من القراء،

أهلا بكَ كبيرة يا طيب ،

يوسف الأنصاري 06-15-2019 12:17 AM

وفقت بدقة في اختيار العنوان ..
انكسار وثورة ..
هذا المعنى المنطقي لحب ضاع وبقي بعض منه ..
تفننت في الوصف والتشبيه ..

عبدالرحيم فرغلي 06-19-2019 09:13 AM

الفاضلة ضياء شمس الأصيل
عندنا مثل شعبي " لاتزيد الـماء للبحر"
نعم كما قلت .. ولكن ( فضاوة ) .. وتعبير عن انزعاج النفس بعد فراقها
كلماتك تثري متصفحي .. وتجعل له بهجة وحضور
ألف تحية وتقدير


الساعة الآن 09:19 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.