منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   اختفاء الساعة التاسعة (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=31782)

تركي الرويثي 01-07-2013 11:01 AM

اختفاء الساعة التاسعة
 
حارتنا المتركزة وسط المدينة , جارة وادي بطحان , أقدم أحيائها و أكثرها ضوضاء . تعرف مدينة السراب مكانة حارة التاسعة حسب جدتها. الحارات الجديدة أو المطورة , التي كانت فيما مضى مزارع و أحراش ملحقة بالمدينة , ترعبها الحارة, مصدر القلاقل , فساد أهلها ورائحة المياه الآسنة و الطرق الملتوية , حتى صارت ملحة السمار. يرددها الكبار , يجيرونها لحساب صاحب النكتة الأعظم في حينا أبو فله .
- يحتاج الداخل حارتنا حبلا يربطه عند مدخلها ليخرج منها سالما لا في بطن الوادي.
أما الحارات القديمة , ملاصقة حارتنا , فما زال للمعانها الآفل بريق بأعينهم . منذ زمن قبل اختفاء الساعة التاسعة , كان لحارتنا صدر مجلس المدينة , يئمها الوالي و يسكنها التجار و الأعيان , تحيطها مزارع نخيل و زروع أخرى , يسقيها الوادي من قريب كأبن . شوارعها لم تكن كما هي الآن , فسيحة واسعه , يغطي بيوتها حجر و رواشن , مساحتها تعتمد على دخل الأسرة , بالمجمل كانت جيدة , بقي منها إلى الآن بيت سفران كدمعة نبكيها جميعا لزمن لملم أحلامنا ورحل.
لم يعد للساعة التاسعة في حارتنا وجود, كان هذا الحدث الأبرز لسنوات وما زال . قبل اختفاء الساعة التاسعة كانت الحارة تهوي وبعد الاختفاء وصلت لجة القرار . الآن لم يعد للتاسعة وجود في حارتنا دون غيرها , هذا ما حدث . تمشي عقارب الساعة بتؤدة إلى أن تشارف التاسعة , تتجاوزها وتكمل من العاشرة . المصيبة ليست هنا ولكن ما يحدث خلال التاسعة لا نذكره و لا نعلم عنه إلا ما نرى آثاره . حملت التاسعة أكثر مما تحتمل . كل الكوارث تحدث في التاسعة . سرقات قتل نهب اغتصاب خطف تدمير و اختلاط حديثي الولادة و أمور أخرى أشد . ولا أحد يتذكر . قبل التاسعة بدقيقة نكون بمكان ما ,تمر الدقيقة وتحل العاشرة ليجد كل أفراد حارتنا أنفسهم بمكان آخر لا يعرفون كيف جاءوا و لا من أين أتوا . ساعة كاملة في التيه , يبحر الجميع في اللاوعي . كثيرا ما تحدث بعد التاسعة مشاحنات تطلق اللعنات تعمل الأيادي و تفور الدماء , ولا أحد يتذكر . ربما كان أخطرها ما حدث لزوجة الشيخ عيد . بعد النكبة بأيام , وجدت فطيمة الساعة العاشرة غارقه بنِّزَّها, مباعدة بين فخذيها , ينَّزُّ دم بكارتها , وغير بعيد عنها سعدون الفتى العشريني متلبس عضوه المنتصب بمائهما , أطبق الحضور عليهما . استدعي الشيخ عيد , يمشي على مهل مرتديا ثوبا أبيضا ,حاسر الرأس عيناه تكاد تخرجان من محجرهما , رأى بعينه جرم زوجته , بهدوء غير متوقع سحب زوجته ورحل . صوت رجائها آخر ما وصل للجمع , كانت تقسم على أنها لا تذكر ما حدث ولا كيف حدث . في الغد عند التوقيت نفسه , وجدت فطيمه مبقورة بطنها عند فرجها , أَنَزَّت الأرض دم بكارتها الأحمر القاني سال بطول شارع الحارة الكبير , قيد رجل الشيخ عيد عند مدخل الحارة , لم يستطع الفكاك وبيده ساطور يمطر دما . فعل الجمع ما تعودوا عليه , تحلقوا حول الشيخ , حاول خمسة رجال استخلاصه ما استطاعوا , صراخ الشيخ و همهماته لا تتوقف ولا تبين . لا يذكر أحد من قال أسم سعدون , تحرك جمع بحثا , كانت جثته ملقاه بأرض بيتهم , مبقور البطن , مبتور عضوه , ما إن رأته أعينهم , حرر الدم قدم الشيخ ينوي صاحبته. سأل الشيخ عن ما حدث لسعدون , زاغت عيناه وهوى أرضا , حين أفاق تتذكر الحارة ما قال:
- أقسم بالله لم أفعل ولم أنوي على فعل شيء , ولو نويت لفعلته بالأمس , أقسم أني سرحت زوجتي وأوصلتها بيدي لبيت أهلها , فقد سامحتها لأنها صبرت علي , فأنا عنين , أقسم .
أغشي عليه ثانية , حين أفاق صار المجنون عيد . سامحوه مكتفين بالعقوبة الربانية ,هزت الكارثة الحارة , ما حدث لفطيمه وسعدون وأخيرا ما يرون من حال الشيخ عيد. فسرت كلمه الشيخ عيد الأخيرة فعلت فطيمة ,. تحملت فطيمة ما اكتشفته ليلة زواجها عشرين عاما . أخوتها بدورهم شهدوا للشيخ ارجاع أختهم . ولأحداث أخرى لا تقل غموضا فسرت الحارة ما حدث . في الساعة التاسعة تحرك النوى أهلها.
سببت آثار الاختفاء هلع في القلوب , كانوا يهربون من ذكر السبب , لربما لحقت ساعة أختها . ومع مرور الأيام تلبس السبب ثوب الأثر , لكنه لم يختفي بل توارى , إلى أن تناسل , وعاد مع جيل ولد بعد الكارثة يسأل عن السبب دون خوف من أثر عايشه واعتاد وجوده .
كنت وهتان نطارد السبب منذ الصغر كمثل البقيه , نسأل آبائنا فلا نجد أجابه شافية . والدي قال حين سألته قبل التاسعة بخمس دقائق .
- يا ولدي لا زلت في العاشرة سوف تعرف عندما تكبر .
بهذا المنوال تكون أجابه أهلنا , لا نعلم إن كانوا يعرفون ويخفون أم لا يعرفون ويخفون . مع كلا الوجهين لم نستسلم .
إلى أن جاء ذلك اليوم , رجل كهل شعره أبيض أكثر مما يتحمله زمن , مع تجاعيد وجهه لا يكاد فمه و عيناه تبينان, صوته كصرير باب قديم. عرفنا فيما بعد أنه شقيق فطيمة .هجر الحارة بعد الحادثة , ذاق طعم التاسعة هناك, عاش دقائقها, مذهلة ورائعة كما وصفها , لم يكن يهمنا طعم ونكهة التاسعة بقدر سبب اختفائها . حكى قصتين لاختفاء التاسعة .

في القديم , قبل الاختفاء , زار ضيف رجلا صالحا وأسمه صالح . جاء من مدينة بعيدة , يقال أنها تقع خلف بحر كبير , أراد صالح إكرام الضيف لكنه أبى و أصر ألا يذبح ويكتفي بالبروست . أكتفى المضيف بهز رأسه , أسرع لأكبر ابناءه عبدالله , سأله عن البروست إن كان يعرفه. خاف عبدالله وأقسم بالله ثلاثا أنه لم يره و لم يلمسه , ضنا منه بأن البروست أمر مخل بالآداب . طلب صالح أبن عمه يسأله عن سابق الذكر . أجاب علي.
- أذكر قبل خمسة أشهر أتى صديق لنا بالبروست من أطراف المدينة , لكن لا أعرف المكان بالتحديد.
أنطلق علي و عبدالله الساعة السادسة خلف البروست , وعند التاسعة دخلوا الحارة بالتزامن مع نواف, ومن يومها اختفت الساعة التاسعة .صحيح أن صالحا لم يستوعب كون البروست دجاج بطريقة أخرى , على العكس منه أهل بيته فقد كان يوما لا ينسى بحارتنا , أغلق ابناء صالح الباب على أنفسهم فرحين بما جلبه أخاهم , وعيون الحارة تتمنى رؤيه البروست ولو من بعيد , قبل أن يقسمهم خبر ثان .
و نواف هذا , أول طالب جامعي بحارتنا , في ذلك اليوم كان عائدا من مدينة الحمام , جالبا معه لأخوته هامبرجر . أمسك والده قطعه اللحم , وسأل مرارا عن الاسم , وفي كل مره يجيب نواف , لتسأل الأم
- أتأكلون البرقع؟
أسكتها أبو نواف و سأل بحزم .
- أهذا لحم خنزير يا نواف , جاوب ولا تخف؟
شرح نواف لأهله , طريقه تكوين الهامبرجر . لم يقتنع كثيرا أبو نواف بقول ولده . وارى الهامبرجر التراب . خشي أن يرميه فتأكله الكلاب ويتحمل وزرها.
- ومن بعدها يا أبنائي اختفت الساعة التاسعة .

نادرة عبدالحي 01-15-2013 02:34 AM

اقتباس:

اختفاء الساعة التاسعة
قصة أخذتني معها لزمن مضى كنا نفرح لإقتنائنا أحد الكتب أو الروايات
ولا نجعل الفجر ينبلج إلا وقد إلتهمنا جميع صفاحاتها حتى النهاية .
التأثيرات الدرامية مثل الحزن الخوف الفرح . الوصف للزمن وأحداثه
النهايات المفاجئة على حادثة غير مُتوقعة أو تُظهِر تتوقعا ما
وقد أستخدم الكاتب النهاية المفاجئة وبنفس الوقت متوقعة
ولم يتخلى عن مواقف بروح الفكاهة والمرح . وقضايا عدة طرحت
بنفس الوقت وبنفس المكان التي نبعت منه القضية الأساسية ....
تقديري وإحترامي الكاتب تركي الرويثي
لا تحرمنا من إبداعك


الساعة الآن 10:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.