منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   بينَ نغّمتينْ : حَرفٌ وَ وَتَرْ (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=33717)

نازك 05-16-2014 02:27 AM

بينَ نغّمتينْ : حَرفٌ وَ وَتَرْ
 
http://www.1ss1.com/data/2010/1ss1_1400197190751.jpg




البِدَاية :

أبطأتُ الخَطوَ حتَّى اقترَبَ ، ثم ابتعدْتُ ، فمَا أصَعبَ البدايات وما أسهلَها !
تتصَادمُ تنبُّؤاتُنا ، كتصادُمِ النَّغماتِ المُتوالِدةِ مِن مَقطوعةٍ مُوسيقيةٍ مُعتّقةٍ ، تشبه لقاءاتِناَ المُمّتدةِ مِنْ زَمنٍ سحِيق .
بينَ نقرةٍ وأُخرَى ، سُكونٌ عَظيم ، وإغماضَةُ جَفْنٍ تَعُودُ بي إلى صُورٍ شتَّى ، أستوعِبُها في ثوانٍ , أحتسِيها ، أنغمِسُ فيها ،
أمضي عَبرَ فراغٍ يقوُدني إلى حيثُ البدايةِ ، للقاءِ الأَوَّلِ ؛ حينَ جازَ بداخلي ، وعبرَ حواجزي ،
يُغالِبُ موانعي ، يفكُّ مَغاليقي ، يَحُلُّ طَلاسِمي ،
كالنغمِ ، يتسرَّبُ عبر ثقوب نفَسي ، يستعمِرُني !
كدّ قَلبي , تَسارَعَ نبضي ،
رقَّ لسُهدِي ! أرَّقهُ شتاتي !
مسَّني طَيفُ انشراحٍ ! حَسِبتهُ سيجتازُني ، كَما جَازُوا واكتفُوا بتركِ الأثَر،
ومابينَ هَجيرِ النَّأيِ ودأبِ القُربِ ... أفصحتُ!
وفي الأصلِ ، كنتُ مَكدودةً ، وفِيَّ انهمالٌ ؛ أوَدُّ الإفصاحَ عنهُ ، ولو بـ تعريض .
أتطلَّعُ إلى مَلَامحهِ الصَّامتةِ ، إلى ذاكَ الحنينِ الدّافقِ في نظراته ِ، إلى زمنٍ مِن الاغترابِ ، أعرِفُهُ جيداً ، ولكنَّهُ كانَ قَصيّاً عنَّا ، ودوننا يمضِي .
الموعدُ لحظات هَاربة مِن تسَلْسُلها ،
نُحاولُ إشغالَ الفراغِ بالموسِيقى ، وكأنَّنا نستعينُ بها ؛ لنُبدِّدَ ذاكَ الهدُوءِ المُعتمِ !
أتأمّلُهُ مِنْ خَلفِ زُجاجٍ شاسع , وأستعيِدُ أيّاميَ الغَارِبةِ ،
وشيئاً فشيئاً ، أَربُو في أصيصٍ مُستطَرفٍ , تأخذُ عُروقي في الامتِدادِ ، في التَّشكُّلِ ؛ لأُصبِحَ ... ونُصبحَ جُزءاً مِنْ حاضرٍ يمتدُّ بنا إلى البعيدِ المُنقضي .
لم آتِ شيئاً فريَّاً , ولم أُجاهِرْ ، ولم أُذنِبْ عَمداً ، ولمْ يكُنْ أَبِي امْرَأَ سَوْءٍ ... ولَمْ ... ولَمْ .
فقط ... تَضعّضَعتُ ؛ فَلمْ أعُدْ أَقوَى ،
(فتوقّفتُ عن الكتابةِ ، وأجهشتُ في البكاء !)
مُنتهى أحلامي كانتْ : ضَيعةً تَغرقُ في الْخَبْءِ ، ومَوقِداً منهُ أقتاتُ وأصطلِي.
واليومَ تناقضَ واقعي - لأقصاهُ - مع مَا نُقِشَ في مُخيِّلتي ؛ فتهدَّمَ الكوخُ على رَأسي ، وأكلتِ الطّيرُ مِن خُبزِ يَديْ ؛ فَلم أحظَ مِنْ كُلِّ تلكَ الحِكايةِ إلا بِحشوِ رِئتيَّ بِبقايَا الرَّمَاد !.

توحُّد :

تفكَّرتُ مليَّاً ، وتأرَّقتُ ليلتي ؛ فعدتُ إلى عالمي الدَّاخليِّ المليءِ بالشُّجون وبالإشراقِ المُفاجئ الذي تملَّكني من غيرِ تمهيدٍ ، وهرعتُ لأداةِ عجزي – قلمي - لأكتبَ لكَ ما استعصى على منطِقي .
غمرني إجهادُ العائدِ من سفرٍ طويلٍ ... طويل ! أغمضتُ عينيَّ مِن جديدٍ ورُحتُ أتوهَّم ،
رأيتُني أقِفُ في وجهِ الشَّمسِ ، وكُنتَ ظِلّي، أنا والظِّلُّ توحَّدنَا ؛ حتّى صِرنا كياناً واحداً !
شاخصٌ قلبي صَوبَ الشُّروق ، أُطيلُ الوقوفَ ، أرقبُ ولادَتَهُ العسيرة ، تلتهِبُ حواسّي،
أُوصمُ بالجنونِ ! بالخروجِ عن جادَّةِ العقلِ !
ولكني ، وفي حُضن وَهْدَتي ، أُبصِرُ زُرقةَ البحرِ ، وأسمعُ هَمَسَ السماءِ ... تُغويني !
فأحِنُّ إلى أُنوثتي، صَبوَتي ، أُعيذُني من شرِّ نفسي ، أجمعُ كفيَّ ، وأتلُو حِرْزِي ، أنّفُثُ ، وأقطِفُ أحَلاميَ النَّائمة !.


شَجَنْ :

_ في ذاتِ وجعٍ مِنها ، قال :
كُلُّ ما يُبكِيكِ يُشجِيني ! وأنا طائٍرٌ غِرِّيدٌ ، لا أملُكُ إلّا صوتيَ ، وهذا الغُصنَ الغضَّ ، والمَدى .
_ ومحبّتي لكَ ، كما صفحةِ الماءِ ، فيها أرى انعكاس خيالي ، فأُحِبُّني أكثر !
_ وكأنِّي أنا، وقهوتي ، ومُوسيقايَ ، وكُلُّ أشيائي الحَميمةِ - كُنَّا في انتظارِ لحظةٍ كَهذه !
_ معكَ استرجعتُ مفقوداتي !
_ ومِثلُكِ أنا شاخِصٌ قلبي صوبَ غَمامةٍ قصيّةٍ ؛ أُودِعُها خَبيئتي، أُطيلُ الوقوفَ ، وملِياً أتملَّى مِنها ولا أكتفي !.


مَسافَة حُلُمْ :

والعجيبُ أنَّ ما يفصِلُ بيننا هو مُجرَّدُ فراغٍ ملأناه بزفَراتِنا ؛ فامتلأَ ! ومواعيدٌ لا يتجاوزُ عمرُهَا زُهاءَ الدَّقائق تفوتُ في قلقْ !
ثُمَّ نأتي على عَجلٍ ، نطَوِي المَسافاتِ ، نُضرِمُ النِّيرانَ فِيهَا ؛ لتصطلي العتَمةُ المُكابِرةُ ، وتتَّقد ! (فقد نامتِ الشَّمسُ طويلاً والأنجُمُ !) .
_ خُذني ، وانّتزِعني ، وخبِّئني عَنِّي وعَنكَ ، وسَافِر بي في مَتاهاتِ الزّمنِ ، وابذُرني سُنبلةً في قلبِ الوَرقْ .
_ أتذكُرُ يومَ نَاشدْتني وحَرَّضتني حِين شَكوتُ إليكَ استلابَ الوطنِ ؟
يومَ زَهُدْتُ عن رسمِ الأخيِلةِ ، وملامحِ الأصدقاءِ الصَّامتينَ ، والمُغيَّبين الباقين باسم الـ (الوطن ) ،
كُنتُ أحدِّثُكَ عنِ اليومِ ورتابتهِ ، فترسُمَ لي الغدَ كـ ياقُوتةٍ تشِعُّ ؛ فينداحُ سَناهَا في عَراجينِ أرواحِناَ !
كُنتُ أُحدِّثكَ عن التعاسةِ ؛ فتُقاطِعُني بمقطوعةٍ تملأُ المَدى الشَّاسعَ بيننا بتراتيلِ تمسحُ الوجومَ عن وجه الفضاءِ !
_ رُوحانِ مُسهَّدتانِ نحنُ ، تتخندقُ الألحانُ فِينَا إلى الأبدِ ، تَسبينَا ، نتزمَّلُ بهديلِ الحمائِمِ ، وباخضرارِ الربيعِ نتدثَّرُ !
_ أحرارٌ وُلِدْنَا ، ومِنْ مَناهِلِ الأبجديةِ رَضَعناَ ، حَرفاً سائِغاً رَوْتنَا ، جَادتْ ؛ فـ هنَئْنَا !
_ تنصَرِمُ اللحظةُ ، وأستميتُها ، تتلُوهاَ أُخرى ، تَأتي دُونكَ ؛ فأزرَعُكَ غيَمةً طَازِجةً نديّةً ، كـ كلماتِكَ التي أقرؤُهَا – الآن - وتُقرِئُنِي فيها السَّلامَ والتحيّة !
ألمسُ صَوتكَ المحمومُ ، يمتدّ مُعتذراً (تأخَّرنا، تأخَّرتِ، تأخَّرتُ) بعضَ الشيءِ ، لا بأسَ ! لم ولن نيأسَ !
تعوّدناَ إجحافَ الوقتِ ، تصَالحنَا مَع الزَّمنِ ، دَارينَا , وارَينَا , وأبداً تصهَلُ فِينَا خيُولُ الشّوقِ !
وها إنَّني بين دمعتين : قلمٌ ووترٌ . أسألُكَ لتسكُبني حرفاً / لحناً ؛ فترمَقنُي مِن البعيدِ .. البعيدِ ، وتُهديني غيمةً ماطِرةً ، وغُضناً مِن شجنٍ !.



نازكـ
5/16/2014

الحكم السيد السوهاجى 05-16-2014 07:47 AM

هنا قرأت حرف جاء قسمات الجمال يزحف
هنا حرف رق له قلبى
لأنه حرف عانق الروح بألف معنى
دمت أختى مبدعة
صباح خير سعيد لوجودك المبجل
لك كامل احترامى لحرفك و سموك

عبدالرحيم فرغلي 05-16-2014 10:44 AM

لم آتِ شيئاً فريَّاً ، ولمْ يكُنْ أَبِي امْرَأَ سَوْءٍ
وأكلتِ الطّيرُ مِن خُبزِ يَديْ
استدعاء جميل لمعاني قرآنية ، ووضعها في النص
مما ينبه القارئ لجمال النص وحضوره .
===========
وشيئاً فشيئاً ، أَربُو في أصيصٍ مُستطَرفٍ , تأخذُ عُروقي في الامتِدادِ ، في التَّشكُّلِ ؛ لأُصبِحَ ... ونُصبحَ جُزءاً مِنْ حاضرٍ
صورة جميلة .. حين تخيلتها.. قلت ما أجمله من وصف وما أدقه من تصوير .
=============
شاخصٌ قلبي صَوبَ الشُّروق ، أُطيلُ الوقوفَ ، أرقبُ ولادَتَهُ العسيرة
تساءلت هنا .. هو الشروق الذي طالما مدحناه في شعرنا ونثرنا .. ونتفاءل به وقت مصائبنا ونتعزي به في أحزاننا .. صورته نازلك بالولادة العسيرة .. صورة لم نعهدها .. ( بل قولي لم أعهدها بقرآتي القليلة ) ، فعسكت علي الشروق نفسها المتعبة فكانت ولادة الشروق عسيرة ، ما أجمل هذا .
===========
ومواعيدٌ لا يتجاوزُ عمرُهَا زُهاءَ الدَّقائق تفوتُ في قلقْ
صورة مؤلمة ، نجحت يا نازك في نظمها وتركيبها .
=======
وابذُرني سُنبلةً في قلبِ الوَرقْ
أسألُكَ لتسكُبني حرفاً / لحناً
نجح في ذلك .. انسكبت هنا حرفا رائعا .. تلوح عليه ملامح الأسى ولكنه جميل ..
هل أقول لك .. ما أجمل حزنك ؟
=======
هناك معان حاولت أن تجعليها مواربة .. مما زاد النص وهجا وتألقا ..

هي قراءة من يتعلم أيتها الفاضلة .. فأسمحي وتجاوزي

جليله ماجد 05-16-2014 03:02 PM

هو الحب يبدأ وليداً فيتعملّق ...

يسرِق القلب ... و الروح

يعلم السهر و الوجد و الدموع ...!

و لا نقدر عنه انسلاخاً

نازك ...

لك أسلوب سِحري .. كألف أغنية لها ذات اللحن بذات الحرف بلا نشاز بل كناي سحري

يقذف القلوب و يجمعها على وتر

دُمتِ بهكذا جمال ...!

حبي ... تقديري

بلقيس الرشيدي 05-17-2014 02:51 AM

شِباكُ الشَوق مُحكمةُ القَيد ولَو بعُدنا إستبَقتنا بِكُل جَوارِحنا لـ أحضانِ الوَطن رُغماً عنَّا !
تحرقُ فِينا ألفَ شجنٍ وتُنشئُ فِي حُنجُرةِ الهَوى أُغنيةَ الحُب فَتجعلُنا الوَتر والشَوق والحُزن والحَرف .

نَازكْ تُشبهينَ السَحاب حينَ يكتَنزُ بِالندَى فَيروِي قِفَار الرُوح مُتعة المَطر !
رائِعة وتعدَّت حدُود الرَوعة إِمتاعاً وإبداعاً . أسعدكِ الله

http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif

عائشة العريمي 05-17-2014 10:22 AM

نازك
جميل جدا

عماد تريسي 05-17-2014 12:06 PM



بين لغةٍ فائقة الدقة فارهة البلاغة , وصورٍ بيانية تسلب لبَّ الذائقة , كان ثمة إبحارٌ ماتعٌ ثريٌّ يرهف
السمع لوشوشات القلب و نمنمات الذاكرة الحاضرة كأنَّها للتَّو تلتْ أنشودة الماضي....

المبدعة حقاً و صدقاً أ. نازك ,
شكراً لِما اتحفتِنا به من راقي الأدب و نفيس اللغة و البيان .
بارك الله بكِ و لكِ .



مودتي


رشا عرابي 05-17-2014 09:57 PM

لا ينالنا بعد نبضة قلب سوى لسعات وجد

وعهودٍ في ضفاف الذاكرة تنعش انفاساً تتوالى خلف أستار الفراق

نازك يا جميلة الروح

تملكين صدقاً يستنطق المآقي لتجود

أنت ربيع الحرف إذ أن يراعك يندى عِطراً


الساعة الآن 07:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.