منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   رمـادُ إِمــرأة !! (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=40152)

سعيد مصبح الغافري 12-04-2018 08:37 AM

رمـادُ إِمــرأة !!
 
رمـادُ إِمــرأة !!

قصة قصيرة بقلم/ سعيد مصبح الغافري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
@ وراءَ كـل ألـمٍ عظيمٍ ألـمٌ أعـظـم !!

http://www.ab33ad.info/up/uploads/im...51a44ac2e4.jpg


عشت حياتي ذات اللون الأصفر محرومة من كل حب .. لا قبل زواجي عرفت الحب ، ولا بعد زواجي بذاك الأحمق البليد المشاعر عرفت الحب أو الدفء ، وعلى النحو الذي تستشعره الروح ويستدفئه القلب وتنتظره طقات الوقت مترافقة مع اللهفة وظمأ الانتظار !!
يبدو أن الحظ العاثر لازمني ؛ فحتى ذلك الانسان الذي رأيته لأول مرة وبلمحة سريعة في بيت صديقتي التي هي أخته و خفق له القلب دون أن ألتقيه أو أسمع صوته خطفه الموت بشكل عاجل في حادث سير في نفس اليوم الذي أمَّـلـت قلبي كثيرا أن ألتقيه وأتعرف عليه فيه ولو بحديث عـابر بـريء مقتضب الكلمات و البسمات !!
وكان ختام هذا الحرمان الممتد بدرب العمر مرضا بالسرطان ، قَـبِـلَ هذا الوحش الآتي متسللا خفية والمتستر بخبث مخالبه أن يستوطن جسدي ، ممتصا بمحبة عنيفة وعـشـق وحشي غريب كل خلاياه ونسيجه ، في عناق طويل طويل ، لا يضجر ولا يتعب ولا تهدأ نوبات جنونه ومتاعب آلام إبره وأدويته ليل نهار*!!*
لأول مرة بحياتي أعيش حبا شبقيا نهما من طرف واحد لا يشبع من جسدي أبدأ !!
إذن جدتي التي توفيت العام الماضي كانت على حق حين قالت يوما وبحكمة عميقة مصقولة بتجربة المرض والألم معا :
- حتى الأمراض تعشق ولها في العشق طرائقها !!
في عصريات قـهـوتـنـا المصبوبة في فناجـيـن ثـرثـرتـنـا وفـراغـنا اليومي الشـاسـع ذي اللون الواحد ؛ كنت أغـار كثيرا من صديقاتي وهن يروين لنا قصصهن في الحب ، و*(*أسماء ) أكثر من تشدني قصصها ، وهي تقول كاشفة لنا وبجرأة وقحة عن سر وجهها المتورد شبابا وسعادة وراحة وصحة وعافية ، رغم أن عمرها قاب قوسين من الستين*:*
ـــ*بالليل زوجي الرومانسي جدا في رحلة مباهجه معي ، ذاك الليل الحالم ، المحاط بغيوم الموسيقى الناعمة اللمسات كأصابعه الحنونة المضمخة بالعشق .. عجيب أمر هذا الحب ؛ فهو الشيء الوحيد الذي كلما سقط جمره الملتهب في نهر الأنوثة لم ينطفىء أبدا بل يزداد أوارا*!!
كنت أسمع قصص صديقتي ( أسماء ) هذه فتعبرني رعشة حزن وأنا اتحسس بحسرة صحراء جسدي القاحلة الملفوفة بكفن العتمة والبؤس ، وأخيرا بذاك السرطان العاشق الذي لا أعرف كيف ومن أين أتى ومتى كان كل هذا .. أين تراه رآني لأول مرة ؟! وماذا شده في كي يعشقني كل هذا العشق ويركض خلفي بكل هذا اللهاث والجنون الضافر ؟!
زوجي منذ عرفته فصل باهت لا يتغير كباقي الفصول ، اتأمله بحنق مخنوق وقد أعطاني ظهر قفاه المتصنم .. هو ذا في نومه ؛ أشبه بجيفة نافقة .. نائم بكل شخيره المزعج .. لسنين ظللت لا ألقى منه إلا ذاك القيء الشبقي الأهوج .. وأنا فـمٍ حزين صامت وعينين تعودت أن أغمضهما فـوراً ، لا شـوقـا منتظرا لقرب بل هـربا من مرآه المقرف ولـسـع شـنـبه القاسي الناتىء الشعيرات ولهاث كهولته التي فقدت شبابها و عنفوانها الأخضر ، لا شيء قابلني من ليله الأبله المتصنن إلا أبجدية الثلج والحجر والرائحة الكريهة الممزوجة بملح نهار كامل قضاه تحت عرق الشمس دون طشة ماء ولو عابرة يتصدق بها على جسده*!!*
إلى أن يئست منه الى الحد الذي جعلني معه لا أشعر بأي شيء ولا أشم أي شيء ولا أشتاق لأي شيء .. وصلت إلى مرحلة الانطفاء التام بعد أن فقدت كل شيء : صحتي . شبابي . أحلامي .. إمرأة ميتة أنا ، تتمدد على نعش بارد لـرجل شرقي أنـانـي جاهل و أغبر بحجم مقبرة*!!*
آه لو يعرف زوجي إلى أي دمار أوصل عمري بعد هذه السنين العجاف التي عشتها ومازلت أعيشها في غياهب صقيع مشاعره إلى أن صرت كما ترون ؛ شبحا أصفر ، ذهب منه كل بريقه وسحره ووهجه ، ولا ينتظر إلا ساعته الأخيرة تدق على باب رحيله الحزين الصامت*!!
أطالعني في مرآة فجيعتي ؛ كائن شاحب هزيل ، ناتىء العظام ، و من دون ملامح إلا ملامح الموت .. مجرد قطعة صدئة معطوبة وباردة وبلا أي حرارة سوى إحساس الثلج الذي يلفني بكفنه الأبيض كميتة فقدت حتى رغبتها في الحب ولو لدقيقة مع رجل .. جسدي ضامر في ليل انزواءات النحيب الصامت يبكي ألما وحسرة*..
جسدي ميت ، والأكثر موتا فيه تلك الصورة المفزعة التي تحولت فيها أخيرا إلى رماد داكن ، منثور على صفحة متاعبي اليومية وحزني ومرضي ، ذاك العاشق الأول والأخير الذي اعترض طريق حياتي ، ولازمني كمفارقة قدرية ساخرة أجبرتني أن أرضخ لحقيقة وجود هذا الكائن المُميت في جسدي وفي هذه البقية الباقية لي من الحياة .. إن كان ثمة حياة !!*
تأخر الحب بمسافات بعيدة ، حتى نسي المرور بقطاره على محطة عمري ولن أنتظره أكثر مما انتظرته .. لـن أنتظره ؛ فـلـن يأتي .. لـن يأتي أبداً*!!
بقلمي / سعيد مصبح الغافري*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلسبيل 12-16-2018 02:58 AM

جميل ما قرأت رغم أنه وصف لتمكن المرض
دمت متميزا
يحفظك الله

إيمان محمد ديب طهماز 12-16-2018 03:02 AM

أطالعني في مرآة فجيعتي ؛ كائن شاحب هزيل ، ناتىء العظام ، و من دون ملامح إلا ملامح الموت .. مجرد قطعة صدئة معطوبة وباردة وبلا أي حرارة سوى إحساس الثلج الذي يلفني بكفنه الأبيض كميتة فقدت حتى رغبتها في الحب ولو لدقيقة مع رجل .. جسدي ضامر في ليل انزواءات النحيب الصامت يبكي ألما وحسرة*..

موجعة جداً تلك اللحظات ياسعيد
سردت القصة بتوصيف مذهل
فلامسني الألم وعشت الحالة
و لازلت بين سطورك أحصي تنهدات قلبي

رائع ياسعيد
سلمت أناملك

رشا عرابي 12-19-2018 05:32 PM

النص الذي يسلبنا من لحظاتنا لنكونه هو بالقطع مائز
مع مرتبة الإنسانية

وما أشاد بالنص شئ أصدق من ماء العين يا سعيد

لقلبك الفرح أينما حللت

سيرين 12-19-2018 09:18 PM

" الحب " هو اكسير الحياة بلا شك
دونه لن تكتمل انوثة الفتاة مهما كان لها حظ الملكات في الجمال
وجوده قد يشفي من اعتى الامراض وقد ثبت ووجدت حالات شفيت من السرطان بسبب الحب
والعكس ايضا حين اثبتوا مهاجمة السرطان للاجساد ذات النفسية السيئة
سرد قصصي اعتنى بدقة تفصيلات احاسيسي المرأة وما يخالجها
سلمت يمناك مبدعنا الالق \ سعيد مصبح الغافري
دوما في انتظار كل مايحمل اسمك مبدعنا
مودتي والياسمين

\..:34:

نادرة عبدالحي 12-21-2018 10:43 PM



الكاتب الغافري يطرح قضية هامة في قصة رماد امرأة لِما تتعرض لهُ ضغوطا نفسية كبيرة
تجعلها عرضة للتوتر والإحباط واليأس والاكتئاب، ممّا يؤثر على فعالية العلاج .
يساعد الدعمُ النفسي من العائلة والأصدقاء على محاربة المرض وتغيير النظرة التشاؤمية له.
و يؤدّي الزوجُ دوراً أساساً في دعم زوجته المريضة خصوصاً في الأوقات الحرِجة.
فوجودّ علاقة واضحة بين ما تتلقّاه المريضة من حبّ وطمأنينة
من قبل زوجها والمُقربين منها وبين مقاومتها المرض. تحسّنَ استجابة المريضة ‏إلى العلاج.
إبراز مثل هذه القضية يُساهم في توعية الإنسان المُقرب من المريضة ومُراعاة مشاعرها
والتخفيف من معاناتها.ويبقى الأدب رسالة إنسانية هامة ونبيلة.

سعيد مصبح الغافري 04-30-2019 07:04 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلسبيل (المشاركة 1097928)
جميل ما قرأت رغم أنه وصف لتمكن المرض
دمت متميزا
يحفظك الله

شرفتني واسعدتني بمرورك الجميل
شكرا خالصا لك أختي القديرة سلسبيل
الف مرحب بيك

سعيد مصبح الغافري 04-30-2019 07:06 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان محمد ديب طهماز (المشاركة 1097931)
أطالعني في مرآة فجيعتي ؛ كائن شاحب هزيل ، ناتىء العظام ، و من دون ملامح إلا ملامح الموت .. مجرد قطعة صدئة معطوبة وباردة وبلا أي حرارة سوى إحساس الثلج الذي يلفني بكفنه الأبيض كميتة فقدت حتى رغبتها في الحب ولو لدقيقة مع رجل .. جسدي ضامر في ليل انزواءات النحيب الصامت يبكي ألما وحسرة*..

موجعة جداً تلك اللحظات ياسعيد
سردت القصة بتوصيف مذهل
فلامسني الألم وعشت الحالة
و لازلت بين سطورك أحصي تنهدات قلبي

رائع ياسعيد
سلمت أناملك

وطل كل الشام الغالي هنا
كيف لا يبتهج القلب ولا تنشرح النفس وقد مرت هنا أنبل شاعرة الأستاذة القديرة إيمان محمد طهماز
شكرا شكرا لعبق الياسمين الذي انتثر حول جوانب نصي المتواضع
الله يسعد أيامك ويحميك ويرزقك كل خير
ألف مرحب بيك أختي الغالية .


الساعة الآن 12:36 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.