منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد الشعر الفصيح (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   زمن القهر (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=39754)

طاهر عبد المجيد 09-12-2018 02:01 AM

زمن القهر
 
زمن القهر
د. طاهر عبد المجيد


تمضي الأيامُ ولا أدري
إن كان سينفعني صبري

أو أنِّي بعد محاولةٍ
أُخرى سأعودُ إلى الصفرِ

ويعودُ الليلُ كعادتهِ
يسقيني الخمرَ على الخمرِ

ويفتشُ صمتي ودموعي
عن سرٍّ ضاق به صدري

وبصدري أسرارٌ تَخشى
إن فَرَّتْ منه يد الغدرِ

وإذا ما بقيتْ فستحيا
تتجرَّعُ آلام الأَسرِ

أتمنَّى لو فَرَّتْ حتى
من جرحٍ يُفْتَحُ في ظهري

فلعلَّ الخوف يُغادرني
وينام كطفلٍ في حِجري

وتعودُ لتبني كلماتي
بفمي أعشاشاً كالطَّيرِ

تعبتْ قدمايَ ولكنِّي
لا أملكُ إلا أن أَجري

فالدربُ طويلٌ وأمامي
أحلامٌ أكبر من عمري

لا أدري كيف بمعجزةٍ
أُنجزها وأعيشُ كغيري

والعمرُ إذا ما قِيْسَ بها
لا يعدو حرفاً في سطرِ

عقلي المُرتاب يُحاصرني
بالشَّكِ ويُسرف في زَجري

وفؤادي يروي لي قصصاً
ورؤىً لِيَشُدَّ بها أَزري

ويقول ستفرج إن ضاقتْ
ما بعد العُسرِ سوى اليُسرِ

والله يقولُ بِمُحْكَمِهِ
إنَّ الإنسان لفي خُسرِ

إلا من آمن واستوصى
بالحقِّ وأوصى بالصَّبرِ

وشراعي المُتعب من زمنٍ
يحملهُ البحرُ إلى البحرِ

يمضي والبحرُ يقول لهُ
لا راحةَ إلا في قعري

فمياهي لا تُفضي أبداً
مهما أبحرتَ إلى البرِّ

أحلامكَ داؤكَ فاقتلها
وستُشفى منه على الفورِ

واقتلْ ماضيكَ لكي تحيا
بالحاضرِ منشغل الفكرِ

هو شرٌ يُخفي ظاهرهُ
ما لا تُحصيهِ من الخيرِ

وستعرفُ كم كنتُ مصيباً
يوماً وستعجزُ عن شُكري

أَقْتُلها؟ كيف سأقتلُها
بيدي وأفرُّ من الوزرِ؟

وشعوري بالذَّنبِ سينمو
في قلبي كجذوعِ الحَورِ

وسيكبرُ حتى يجعلني
من نفسي آخذُ بالثأرِ

إنْ كان الموتُ يُخلِّصني
مما أنا فيهِ ومن عُسري

أتمنَّى لو هي تقتلُنِي
وتُفتشُ عن أحدٍ غيري

في وِسعي العيشُ بلا ماضٍ
إن عاش النبتُ بلا جذرِ

وحياةُ المرء بلا حُلُمٍ
لا يوجد فيها ما يُغري

أعترفُ الآن على مضضٍ
أنِّي أخطأتُ بلا عُذرِ

أخطأتُ لأنِّي لم أحسبْ
أبعادي في هذا العصرِ

لم أسألْ عني مرآتي
أو ظلِّي السائر في إثري

وشطحتُ بأحلامي حتى
أصبحتُ وقد مَلَكَتْ أمري

ورمتني في ظُلمةِ سجنٍ
بمساحةِ مترٍ في مترِ

وكأنِّي أمسكتُ بحبلٍ
بالٍ يتدلَّى في بئرِ

قد رُبطتْ عُقدتهُ بِعَصَاً
تَتَأَوَّهُ من ألمِ النَّخْرِ

أتصارعُ وحدي مع وعدٍ
بالقطع ووعدٍ بالكسرِ

والوقتُ يُراوحُ بينهما
فكأنَّ اللحظة كالشهرِ

أخطأتُ لأنِّي لم أقرأْ
إلا ما جَفَّ به حِبري

وكتبتُ الشِّعْرَ ولم أبدأْ
من آخرِ بيتٍ في الشِعْرِ

وتركتُ سوايَ بلا سببٍ
يُقنعهُ أن يُكمل دَوري

أخطأتُ لأنِّي لم أطرحْ
أسئلةً تفتحُ لي ثَغري

أو تفتحُ جُرحاً في جسدي
كي أصرخَ في زمنِ القهرِ

وسمعتُ نصيحةَ من قالوا:
الشَّكُ بريدٌ للكفرِ

فبقيتُ كما كنتُ غريباً
عن أممٍ تصنعُ ما يجري

مُكتفياً بالعيشِ كطيرٍ
لا يحلمُ إلا بالفجرِ

وبحبةِ قمحٍ يأكلُها
وبرشفةِ ماءٍ من نهرِ

هلْ آنَ أوانُ مُراجعتي
لحياتي أم أكملُ سيري؟

وهل الأيامُ ستُمهلني
أم بدأتْ تحفرُ لي قبري؟

سَيحُزُّ كثيراً في نفسي
ويَعُزُّ عليَّ مدى الدهرِ

أنِّي سأموتُ ولي قدمٌ
لم تتركْ أثراً في الصخرِ


إيمان محمد ديب طهماز 09-12-2018 02:16 AM

شاعر الإحساس المرهف
د . طاهر : تتحفنا دائما بما تجود به قريحتك
الرائعة
فيتماهى الشعر مع الموسيقا في أبياتك
و ينهمي الإبداع سماءا من قلمك
أستوقفني هذا البيت ذهولاً :

فلعلَّ الخوف يُغادرني
وينام كطفلٍ في حِجري

يالله كيف للخوف أن ينام كطفل في حجر من أصيب به
يالهذا الجمال و الخيال العذب
بحق قصيدة مبهرة
و قلم تفرّد بالروعة
سلمت أناملك

سلطان الركيبات 09-12-2018 08:58 AM

رااااااقت جدا وكثيرا لي هذه القصيدة
هذا الإنسان البسيط الذي لا يريد من الحياة سوى عيش كريم
أحلامه متواضعة ويمكن تحقيقها لو كان هناك عدالة اجتماعية
لأنها في بلدان أخرى غير إعرابية تدعى حقوقه

صديقي الدكتور طاهر
أنت حقا شاعر
ونصك جدا باهر
ويبقى الصبر افيون المشاعر
.......
رددت على رسالتك في منابر
وأنصحك بعدم الدخول إليه
فرغم أني مشرف هناك
لكن المنابر منذ فترة طويلة جدا
يسودها صمت يشبه صمت المقابر

كل الود والتقدير لشخصك ونصك

حسن زكريا اليوسف 09-12-2018 09:23 AM

أيها الطائر الطاهر
صباحك الورد
مهيب حديث النفس للنفس
في وقفة متأنية ذات شهقة ووجع
قصيدة سامقة القوام عليّة المقام
مؤلم جداً أن تمسي أحلامنا أسقاماً تهيج نار معاناتنا
لكن الأمل يا طاهر يشق عُـباب المستحيل
أنيقة قصيدتك كأنت
سلمت وبوركت
مع شهد محبتي وتسنيم تحياتي
ح س ن ز ك ر ي ا ا ل ي و س ف

طاهر عبد المجيد 09-15-2018 01:52 AM

شاعرتنا الأنيقة في شعرها وتعليقاتها إيمان طهماز:
من يشعر بالجمال بهذا الشكل ويصفه بما هو أجمل منه لا بد أنه ذا روح جميلة كما قال الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي «كن جميلاً ترى الوجود جميلا».
لا أستطيع أن أجاريك في سمو التعبير ورقة العبارة وسحر البيان فلم تتركي لي إلا أن أقول: شكراً لك على هذا المرور الساحر بقصيدتي التي أشعر أنها تبتسم فرحاً لما قلت فيها من شعر أردت أن تنثريه كاللآلئ على سجادة من حرير. تحياتي ومودتي.

طاهر عبد المجيد 09-15-2018 01:54 AM

أخي الشاعر سلطان الركيبات المحترم:
أشكرك على رأيك الذي أسعدني بالقصيدة، ولكني أحب أن أضيف إلى ما قلت أن هذا الإنسان البسيط كما وصفته قد أساء الاختيار في البداية فكانت أحلامه أكبر منه وواقعه لم يساعده بل قهره وسلب منه الأمل في تحقيقها لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقه لأنه لم يسلك إليها الطريق الصحيح فيتعرف على ذاته ليحصي ما فيها من قدرات ويتعرف على واقعه ليعرف ما يتيحه هذا الواقع من إمكانيات ثم يقوم بتشكيل المعادلة التي تجمع بين هذه القدرات وتلك الإمكانيات بحيث يكون لها أكثر من حل أو حل واحد على الأقل وهذا ما دفعه في النهاية إلى التخلي عن أحلامه والاكتفاء بأحلام متواضعة جداً على أن يدفع ثمن أحلامه كما يفعل المتفردون في كل مجتمع.
أما بالنسبة إلى منتدى منابر ثقافي فسآخذ بنصيحتك المقفاة كالشعر وأنت الشاعر وعلى الإبداع قادر.
أشكرك مرة ثانية مع خالص تحياتي.

طاهر عبد المجيد 09-15-2018 01:55 AM

أخي الشاعر القدير حسن زكريا اليوسف:
لك كل الشكر والتقدير على حسن رأيك بالقصيدة. أستطيع أن أقول أن قصائدي في هذا المنتدى محظوظة جداً لحظوتها بثلة من الشعراء والكتاب الذين يجودون عليها ببعض وقتهم الثمين وبآرائهم السديدة واهتمامهم المترجم بأجمل العبارات التي تكاد تسمو على جمال القصيدة وأنت منهم بلا شك. وقد أشرت سابقاً إلى أنكم بأسلوبكم الراقي في التعليق تجعلون مهمة الرد عليه صعبة بالنسبة لي وأحياناً أصعب من كتابة قصيدة جديدة.
لا بد من الأمل لكي نستمر في الحياة كما أشرت ولكن الحياة للأسف هي دائماً مزيج من الأمل والألم ولا بد للإنسان أن يصنع من الألم أملاً ومن الحزن فرحاً.
دام قلمك وإبداعك مع خالص تحياتي.

رشا عرابي 09-16-2018 04:03 PM

استوقفني العنوان وكان كفيلاً باستقدامي كي أنهل بعضاً مما فيه
وأودٍع بعضاً مما يحضرني اللحظة !


أحلامكَ داؤكَ فاقتلها
وستُشفى منه على الفورِ

(إقرار)


وحياةُ المرء بلا حُلُمٍ
لا يوجد فيها ما يُغري


(نفي لما كان من إقرار)!

والسر في ما يليه من أبيات :

وشطحتُ بأحلامي حتى
أصبحتُ وقد مَلَكَتْ أمري
ورمتني في ظُلمةِ سجنٍ
بمساحةِ مترٍ في مترِ

تبيانُ الفكرة وبيان المعنى
وتدعيمه بالمبنى
والحفاظ على تراصّ الفكرة وتواردها
مع طول النفس الشعري
بهاءٌ وزهوٌ وخُيلاء يجب لنا أن نتقلّدها في حضرة بوحك


لك التحية عابقة بعطرِ جورية


الساعة الآن 04:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.