منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد المكشف (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=20)
-   -   بقلم الكاتب : فهد عافت (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=39063)

عبدالله عليان 04-06-2018 05:11 PM

بقلم الكاتب : فهد عافت
 
كتبتُ قبل فترة أنه سيأتي يوم وسأتوقف عن كتابة هذه الزاوية!. إذا كانت هذه الفكرة تراودني مرّة واحدة كل يوم، فإنها في أيام السفر، تراودني خمس أو ست مرّات في اليوم الواحد، هذا بالرغم، وربما بسبب، استمتاعي بها، وبصحبتكم وصباحاتكم، وسعادتي بما ألاقيه من ترحيب ومسامحة دائمتين منكم ومن طاقم العمل في صحيفتنا "الرياضية".

ـ لا يفرح كاره، ولا يحزن محب، ليست لدي نيّة، فقط تفكير!. وإن حدث شيء من هذا، ففي الغالب، هي "حبْسَة الكاتب" لا حِسْبَته!.

ـ لا أدري من صَكّ المصطلح، لكن "حَبْسَة الكاتب" مصطلح أدبي، يجمع بين طأطأة الرأس اعتذارًا وبين صيحة الاستنجاد!. يشعر به كل كاتب، ولا بدّ أنه مرّ.. به وعليه!. حيث لا يجد ما يقوله، يريد ولا يعرف، تتشابك الأفكار إلى أنْ يُلغي بعضها بعضًا، أو تسرح و"تتطشّر" كلما لحق بواحدةً منها، وقبل أن يمسك بها، يلتفت لفكرة أخرى يخشى من ذهابها بعيدًا فيركض نحوها تاركًا الأولى، وقبل أن يصل إليها يتكرر المشهد، ركض بلا وصول!.

ـ تتكاثر الظِّباء على "خِراشٍ" فلا يدري ما يصيد!. أو العكس، يشعر الكاتب بخَرَسٍ وبجفاف حَلْقٍ وحِبْرٍ، لا كلمات وبالتالي لا أفكار، هذه هي "حَبْسَة الكاتب"، تطول وتقصر، لكنها آتية، لأنّ بذرتها موجودة حتى في عزّ نشاطه الكتابي، فما دام يتوقف لحظة ليستجمع كلمات للسطر التالي، فالحَبْسَة معه، ترافقه، والكاتب الرديء، الرديء جدً فقط، هو من لا يتوقف لحظة واحدة أمام ومع كل جملة!. ذلك لأنّ الكتابة ليست رسالة سماوية مُنزلة عليه!.

ـ "حبسة الكاتب" شيء مرعب، وغير ممسوك علميًّا بشكل يسمح بتجاوزٍ أو حَلّ!، إنها تشبه ما نقرأه وما نشاهده وما نسمعه وما نتخيّله عن الثقوب السوداء في فضاءات الكون!. يدري العلماء بوجودها، وتقام لها برامج ومؤتمرات، غير أنّ أحدًا لم يَرَها، ولا أحد يعرف كيفية عملها، ولا ما الذي وراءها، ولا كيفية النجاة منها فيما لو اقتربتْ من مجرّتنا وجَرّتها!.

ـ الأكيد أنني أتذكّر الآن أستاذي "نبيه البرجي"، كان يُعِدُّ من بيروت مُلحقًا أسبوعيًّا كل خميس في جريدة القبس الكويتية، كنت وقتها في الصف الثاني ثانوي، تابعتُ ملحقه لسنتين تقريبًا قبل أن يتوقّف، لم يدر أنه من بيروت كان يحبّب ويُعلِّم ويُدرِّب ولدًا صغيرًا على الكتابة، لقيته لأول مرة بعد سنين، قبّلتُ رأسه، وحدّثته عنه!. بريق السعادة والفخر في عينيه لم يغب عنّي بعدها لحظة واحدة!.

ـ وأنا أستمر في الكتابة على مثل هذا الأمل، أعتني بكلماتي قدْر ما أستطيع، وأحاول تطوير ذاتي، بناءً على مثل هذا الحُلم!. أنْ تكون هذه الفترة التي أوجد بها هنا، فترة يوجد بها هناك، في البعيد، شاب صغير موهوب، لا يتواصل معي، يقرأ ويُحب ويتدرّب، وينطلق، ثمّ بعد سنين يبحث عني ويلتقي بي، يقول لي كلمات، فتصير لي عيون "نبيه البرجي": بريقها وسعادتها وفخرها!.

عبدالله عليان 04-06-2018 05:15 PM

علمت، إنْ كنت تعلّمت شيئًا، أنه لا يجوز في عالم الكتابة، الرد على أحد بالقول: "فهمتني خطأ"!.

ـ لا أتحدث عن رسائل خاصة، محدّدة بمعرفة واضحة للطرف الآخر، تسيّرها لحظة حرجة أو مشاعر وجدانيّة ممتدّة!. أتحدث عن الكتابة والقراءة بشكلهما الإبداعي، وبتلاقحهما الفنّي المأمول والمُنتظَر، والمُتَّفَق عليه سَلَفًا.

ـ يكتب أحدهم رسالة خاصة لصديق يعاتبه أو يحاسبه، يشرح أو يعتذر، هذا شأنه، لكن متى ما قرر صاحب هذه الرسالة نشرها، فهي موجّهة لي كقارئ، كل ما فيها يخصّني، وأنا حر في إقامة علاقتي مع هذه الكتابة بالطريقة التي أفهمها، وبالمستوى الذي يناسبني.

ـ وليس من حق هذا الكاتب أن يقول لي: "فهمتني خطأ"، لسبب بسيط وواضح وضوح الشمس: أنا لم أفهمك، أنا فهمت الكتابة، علاقتي ليست معك، لكن مع السطر والجملة والعبارة والنص!.

ـ هذه الكتابة كانت منك، وتظل منك، الفرق أنها قبل النشر، كانت منك وكانت لك، لكنها بعد النشر لم تعد لك، هي لي، ولكل من يقرؤها على حِدَة، هي ألف كتابة متى ما قرأها ألف قارئ!، فإن أعاد قارئ قراءتها مرّتين صارت ألف كتابة وكتابة!.

ـ وحين أكتب رأيي، فإنني أكتبه فيها، لكنك حين تَرُدّ تكون قد تصرفتَ وكأنني أكتبه فيك، وهذا خطأ، لكن لا يحق لي أيضًا معاتبتك عليه أو توضيح الأمر لك بشكل خاص، وعبر أخذ طويل وردّ أطول، نصير بعده أمام كتابتنا لا خلفها!، نقدّم أنفسنا وكأننا أهم من أفكارنا المطروحة، والنتيجة غالبًا، زيادةَ سوء فهمٍ وشحْناء!.

ـ وأدري أن للأمر وجهين: وجهًا بشعًا ورديئًا، يتمثّل في أن كاتبًا آخر، لغِيرة مهنيّة أو لتصفية حسابات هو أدرى بها، يقرر عمدًا تقديم فهم خاطئ مُلتبِس لما تكتب!، حدث هذا ويحدث وسيظل يحدث، والحل من وجهة نظري تجاهله، كتبت مرّةً: لا تصحح ولا تشرح لمن تدري أنه يتعمد فهمك خطأً؛ لأنك فيما لو فعلت، ومهما فعلت، فإنه سيفهمك "خطأين" في مسألة واحدة!.*

ـ اُترك الأمر للناس، للقرّاء، ثق بهم، وتأكد أنّ سيل المثرثرين منتفخ الأوداج في شبكات التواصل، أو في غيرها، لا يمثّل القرّاء الحقيقيين، وإنْ مَتّْ لهم بِصِلَة!.

ـ أتحدث عن الوجه الآخَر، الطبيعي والمفترَض، والجميل، وجه القارئ الحقيقي، الذي يقرأ لنا ليصحبنا في رحلة سفر، وهو دائمًا أكرم منّا، فالكتابة بخل وحبس، والقراءة تأويل، والتأويل حريّة!. مثل هذا القارئ، وهو موجود دائمًا، يحق له أن يتعامل مع النص كيفما شاء، وأن يحكم عليه بما يرى!.

ـ القارئ الحقيقي مثل الملحِّن المُبدع، سيعطي كلماتك النغمات الخصبة التي تليق بها، وأنت لا تدري بأيّ حنجرةٍ من حناجر وجدانه سيغنّيها، وليست مسؤوليّتك!

عبدالله عليان 04-06-2018 05:22 PM

الإلهام، حالة الخدر والانفلات من الواقع إلى أن ترى الطائر!، ذات الطائر الذي رآه الصياد العجوز في رواية همنجواي “الشيخ والبحر”، الطائر الذي يغط بسرعة في الماء ويخرج، ليدلّك على إمكانية وجود سمك في هذه المساحة المحددة من الماء!.

ـ لكن الإلهام قد يمرك دون أن تدري به، أو يمرك دون أن تلتفت إليه أو تستفيد منه، ذلك لأنك لم تكن جاهزًا للصيد. عندما تأتي للبحر لا يكفي المركب، ولا نيّة الصيد!،..

ـ لا بد من أن تكون قد هيّأت الشبكة، أو رميت السنّارة بطعم مناسب، مع الأمل والصبر، الأمل موهبة أيضًا، وكذلك الصبر!، إنها مواهب ويمكن صقلها!.

ـ وهنا يأتي دور القراءة، القراءة المتواصلة والمرميّة مسبقًا في كل اتجاه، وإلا فلا ملامة على الطائر إن لم يقدّم لك خَفْقَة العون!.

ـ كان الصياد العجوز في الرواية يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع كثيرًا، هو لا يتذكر متى بدأ ذلك، مثله مثل كل الصيادين، أنا واثق من أن الشعراء يفعلون ذلك عندما يكونون لوحدهم دائمًا، ويغنون، وأظن أن كل الفنانين يفعلون ذلك!. سأجازف وأتحدث باسمهم جميعًا:

ـ أهل الفن يتحدثون مع الآخرين عند الضرورة فقط، وفي الأحوال السيئة فقط!، لكنهم في داخلهم يشعرون أن الكلمات مخلوقة ليتحدثوا بها لأنفسهم ومع أنفسهم.. الشعراء خاصةً!.

ـ وعلى الفنان، الشاعر خاصةً، أن يكون منتبهًا دائمًا إلى حكمة صيد البحر، سطر من الشيخ والبحر: “إن كل ما يطفو على سطح الماء يمضي بسرعة فائقة”!، ما لم تُمسِك به خَطفًا، فإن كل حيٍّ بحري، ماكِر ومرِن وانسيابيّ، يستدير ويلف، أو يغوص عميقًا، يفلت وينجو!.

ـ أيها الشاعر، تذكّر دائمًا أنّها “بحور”!.

سيرين 04-06-2018 05:57 PM

انتقاء رائع وتحديد هام
للعلاقة مابين القاريء ومسؤلية الكاتب تجاهه وتجاه نصه
سلمت وهذا الضياء الشاسع الالق فاضلي
تحية وتقدير

\..:icon20:

عبدالله عليان 04-09-2018 11:30 AM

شكرا لحضورك أستاذتي وتواصلك الوارف

عبدالله عليان 04-09-2018 11:32 AM

في الواتس آب، انتشرت صورة مصحوبة بتعليق مضحك طريف: حمار يقف أعلى التَّلَّة، والتعليق: "ليس كل من وصل إلى القمّة بَطَلاً، قد يكون حمارًا ساعدته الظروف"!.

ـ ضحكتُ أوّل الأمر، وأرسلتُ للأحبّة ما أُرسل لي، فالطرائف هذه الأيام هدايا لا تُقدّر بثمن!. لكن ولأنّ الصورة بتعليقها تكررتْ كثيرًا، فَقَدَتْ طرافتها، وأبقت على ما هو أطيب: لحظة تأمِّل فيها، ومراجعة المُضحك الذي لم يعد مضحكًا!.

ـ من قال إنّ القِمّة هي الوقوف أعلى التَّلَّة، أو حتى على جَبَل؟!. القمّة هي صناعة هذا العُلوّ!. هي الارتفاع نفسه وليس الجلوس على أو في مكان مُرتفع!.

ـ العُلُوّ، والارتفاع، والذهاب بعيدًا، ليس له شكل واحد، ولا اتجاهاً محدداً، ولا طريقة يمكن حفظها وتتبّع خطواتها!.

ـ قد يكون في الحَفْر أعمق وأعمق!. قد يكون في الغوص، وفي التّوغل إلى الداخل "الجُوّاني" في النفس والمعنى!. وقد يكون في إدراكك لما هو قريب منك، لما هو بين يديك وليديك!. في التّنبّه لفيض المحاسن والجماليات فيما تملك!. أَوَ ليس السجود لله أعلى مراتب الرِّفعة والعُلُوّ؟!.

ـ الصورة المُكَرَّسَة لشكل ومعنى القمّة، صورة تجاريّة أو للتعليم السطحي: وردة بلاستيكية، أو مقطوفة بهدف الشرح والتشريح، للإشارة إلى مكوّنات الوردة: ساق كأس بُويضة مَيْسَم وأجزاء أخرى!، دون أي شعور حقيقي بمعنى الوردة، وبكلمات لا يمكنها احتواء، ولا تفسير مدى سعادتنا وطبيعة بهجتنا لمنظر الورود وتفتّحها، بالصبح الذي نستشعره فيها، وبالأمل، وبطيب الرائحة!.

ـ يبلغ الإنسان القمّة حين يرى نفسه لا حين يراه الآخرون!، هذه الأخيرة تُسمّى شهرة، والشهرة ليست قِمّة بالضرورة!.

ـ أبو لهب وفرعون مشاهير إلى آخر الزمان، وهما على وسع شهرتهما في الحضيض، هتلر شهير أيضًا وفي دركٍ أسفل على طول الخط!.

سليمان عباس 04-09-2018 11:59 AM

من قال إنّ القِمّة هي الوقوف أعلى التَّلَّة، أو حتى على جَبَل؟!. القمّة هي صناعة هذا العُلوّ!. هي الارتفاع نفسه وليس الجلوس على أو في مكان مُرتفع!.

ـ العُلُوّ، والارتفاع، والذهاب بعيدًا، ليس له شكل واحد، ولا اتجاهاً محدداً، ولا طريقة يمكن حفظها وتتبّع خطواتها!.

ـ قد يكون في الحَفْر أعمق وأعمق!. قد يكون في الغوص، وفي التّوغل إلى الداخل "الجُوّاني" في النفس والمعنى!. وقد يكون في إدراكك لما هو قريب منك، لما هو بين يديك وليديك!. في التّنبّه لفيض المحاسن والجماليات فيما تملك!. أَوَ ليس السجود لله أعلى مراتب الرِّفعة والعُلُوّ؟



........


عندما تكتب ليقرأ غيرك هذا النوع كثير والجمهور غفير
ولكن عندما تكتب ليستفيد غيرك ستجد نفسك تبحث وتنقب لكي تصل لهذه النفائس

وانت هنا وضعتها بين ايدينا

الله الله الله عليك انت وهذه القامه المتمثله في فهد عافت

عبدالله عليان 04-11-2018 01:51 PM

شكرا لمداخلتك استاذي سليمان
وحديثك الوارف الظل الذي يفرك قمقم الروح
فنبتهج بهذه المداخلة الدافعة للمعنوية وللمزيد
شكرا لك


الساعة الآن 06:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.