منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   استدارة (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=33353)

عمّارْ أحمَدْ 03-16-2014 05:19 PM

استدارة
 
حملتنِي تسعَة أشهرٍ ، أكثرُ قليلاً أو أقلّ لا فَرقْ
أُنهكَت قِواهَا وَ أنا أقتاتُ لحمَها وَ دَمها بلا حِسابْ
حاتميّةٌ كانَت .. بل فاقتهُ كرماً
كأنّها آلهةٌ لا انقطاعَ لرزقهَا و خيرهَا
و العطاءُ لديهَا .. خرائطٌ بلا حُدودْ ..
أراها و قد ذابَت معالمُ وجهَها و تلطّخت بالشّحوبِ حيناً ..
وَ بالوجعِ الصّامتِ أحياناً كثيرةً أُخرى ..
كانَت تذرعُ الأرضَ جيئةً و ذِهاباً ..
و قد استدار جسدُها الجميلُ و النّحيلْ
تئنّ و ما فِي الدّنيا أحدٌ يسمُعهَا ..
وَ لا جذعٌ تأوِي إليهِ فتهزّه بكيانَها الفاقِد لأضعفِ قُوّة ..
لتساقطَ عليهَا رُطباً شهيّاً ..
أراهنُ أنّها كانتْ أحياناً تنشدُ ظلّاً يشدّ عزائمهَا ..
أو يداً تحملُ شَيئاً مِن إرثَها الكامنِ فِي رحمٍ
لا يُدركُ إرهاقَ و هولَ ما يحملهْ
أذكرُني شقيّاً كُنتُ قبلَ ولادتِي ، أركلُ يميناً و يساراً
لكنّها لم تكن تُبالِي ..
وَ أصنعُ مِن عِظامها سِهاماً .. أو سيفاً أستلّهُ لأولدَ فارساً
لكنّها أيضاً لَم تكُن تُبالي ..
بَل إنّي سمعتُ قلبَها يقولُ : شُكراً .. شُكراً
ألفُ شُكراً لكَ يا الله على هَذا الوجعِ الجَميلْ !
***
الآن جاءتْ اللحظة .. هَكذا قالَت "الدّايَة" أو الممرّضة
و ابتدَأ الجسدُ بالإنقباضْ
و أكادُ أُقسِمُ أنّها كانَت تلوّحُ لضياعٍ مَا .. لحُلمٍ مَا
و لربّما هذيانٍ مَا .. أو نورٍ مَا
كُلّما خُيّلَ لهَا موتٌ مُشتهَىً معَ كُلّ طلقَةِ ولادة ..
و لفظَ الجوفُ ما اصطبرَ دهراً فِي حمله
فخرجتُ أبكِي كأنّي أنا مَن ولدنِي ..
و الوجوهُ فِي فرحٍ .. سلاماً سلاماً نوّرتَ الدّنيا ..
تتناقلني الأيدِي .. و يسافرُ وجهِي من فمٍ إلى فمْ
و تِلكَ المسكينةُ تجترّ روحهَا .. و تحاولُ التقاط أنفاسهَا
و تلعقُ جراحهَا .. و تكابرُ على نفسهَا و تُظهرُ ابتسامةً للزائرينَ ..
و تقولُ : لكَ الحمدُ يا الله ، على سلامتِهِ و تنسَى نفسهَا ..
فأيّ الأوجاعِ الجميلةِ هِيَ تِلكَ الاستدارة !
***
أُفكّرُ أحياناً .. ماذا لو تغيّرت أصولُ اللُعبة
و أصبحَ الرّجلُ مَن يُنعمُ عليهِ بِتلكَ الإستدارةِ المُشتهَى ..
أعلمُ أنّ أفكارِي غبيّة .. و لربّما سيعتبرها الآخرونَ حماقةٌ أكثرْ
و لربّما سيقولُ الرّجال بئساً للسيكولوجية و الفلسفةِ الناقصَة
لكنّ حقّاً ماذا لَو .. أو ماذا لو أخطأت الصُدفة هدفها ..
قُلتُ يوماً لأحدِ الأُمّهاتْ : لَو أنّ البيولوجيا كاذبةٌ هوناً مَا ..
لمَا كانَ عذابُكِ ليكونْ .. و لمَا استبدّ و استطالَ بكِ كُلّ هَذا الألمْ
فأجابتنِي بِما سمعتُ قلبَ أُمّي يُسبّحُ يوماً
شُكراً لكَ يا الله على هَذا الالتياعِ الشهيّ .. على هَذا الألمِ البديعْ
و شُكراً على هذهِ الإستدارَة !

**حكايةٌ مَا تروِي بعضاً مِن عطفِ الأمّهاتِ جَميعاً وَ جمالهنّ ..
و تذكَروا : كُلّ النّساءِ أُمّهاتْ ، حتّى العقيمُ أُمّ ! :)

" عمّارْ أحمَدْ "

عبدالإله المالك 03-16-2014 05:56 PM

وختامها مسك
حتى العقيم أم

بلغ هذا القول .. ياعمار

لك التحية :)

نادرة عبدالحي 03-16-2014 05:58 PM

يا لها من مخلوقة تنسى أوجاعها وما يتراكم عليها من أعباء
عندما ترى وليدها يبحث عن إنتماءه وغذاءه
فمهما تفجر ينبوع الحب والبوح بلا شك لا نستطيع إفاءها جزء ولو بسيط من تضحياتها
وحبها ومشاعر الأمومة التي لا تتنازل عنها أمام إي ظرف كان.
الكاتب الكريم لبوحكَ تأثير سحري فلا نستطيع أن نمضي بدون كلمة عرفان بحقكَ .

بلقيس الرشيدي 03-16-2014 07:13 PM



لَولا الأُم مَاكَان لـ الحَنانِ مفهُوم ولَا لـ الحُب مكَان !
عَاطِفَتُها ليسَ لهَا شَبِيه ولَو إِجتمَعت مشَاعِر هَذَا الكَونَ بـ أكمَلِه فَهِي عَظَمَة تَستوطِنُها عَظَمه !

أروع حَرفٍ هُنا إِنَّك فكَّرت إِنَّكُم تِجربُون هَالإِستِدَارة !
شُعُوركَ بِهنَّ وَحدهُ يَكفِي يَاعمَّار أَسعدكَ الله

http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif

عمّارْ أحمَدْ 03-16-2014 08:54 PM

الأستاذ القدير عبدالإله !

قَد أصبتَ عينَ الهدَف مِن كُلّ هذهِ الحِكايَة ..
فما كنتُ أرمِي إليه هُوَ مقدارِ كرمِ النّساءِ على الرّجالْ ..
و العقيمُ أُمٌّ حتّى لو لَمْ تنعُم بهذهِ الإستدارة ..
لقلبِكَ السلامُ يا رائع ..
مودّتي :)

عمّارْ أحمَدْ 03-16-2014 09:01 PM

القديرة نادرة !

صدقتِ و الله .. فالأمّ تِلكَ المدرسة
لَن نستطيعَ أن نفيهَا حقّها بالثّناءْ ..
و لو أردنا أن نصفَها .. لإحتجنا لألفِ ألفِ مخطوطةٍ و مثلها مِنَ الكُتبْ ..
و ما كتبتُه هُنا ليسَ إلا شَيئاً بسيطاً ..
يحكِي عَن شيءٍ بسيطٍ مِنَ عطفِ الأمّ و عطاءهَا ..
الّذي لا ينتهِي إلا بمفارقةِ روحها لجسدَها و رُبّما أكثرْ ..
شُكراً جَزيلاً لحُضوركِ الراقِي .. و لروحكِ السّلامْ
تقديري و إحترامِي

عمّارْ أحمَدْ 03-16-2014 09:10 PM

القديرة بلقيسْ !

صدقتِ حقّاً .. ما فِي قلبِ الأمّ
مشاعرٌ لَو حملهَا جبلٌ لخرّ صريعاً مِن هولِ ما يحملُه ..
فليسَ مثلُها أحدٌ بالعَطاء بغيرِ حِسابْ .. و ليسَ بمثلهَا أحدٌ بالحُبّ و الحَنانْ

لَم أقصَد نصيّاً أن تتبدّل الأحوال .. بَل ما قصدتهُ توجيهَ رِسالةٍ إلى بنِي جنسِي
لكيّ يذهبوا بخيالاتِهم و يفكّروا كما فكّرت ..
ليعلموا ما تلقاهُ الأمّ و ما تضحّي بهِ فداءاً لأبنائها ..
شُكراً جَزيلاً لحُضوركِ بلقيس .. و لروحكِ السّلام
تقديري و إحترامِي

إيمان محمد ديب طهماز 03-17-2014 07:34 AM

هي الأنثى كما أراد لها القدر أن تكون

وجعل الله لها لذة في تلك الإستدارة

فسبحان من جمّل هذا الألم في عيون النساء

ونعم الرجال من عرف تلك القيمة

وأنت منهم أخي عمار

دمت بخير أبدا


الساعة الآن 10:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.