منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد المقال (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   {] الرسم [} (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=12155)

عبد الله العُتَيِّق 07-15-2008 09:31 PM

{] الرسم [}
 
{] الرَّسْمُ [}
" صُورٌ تُرى و تُقْرَأُ و تُعاشُ "
أدونيس

حُبُّ الجمالِ مغروسٌ في النفسِ البشريةِ ، سِرٌّ من أسرارِ حُسْنِ التقويم الخَلْقِي في البشر ، تميلُ إلى الجمالِ كثيراً ، و تلْحظُ الجمالَ في كلِّ شيءٍ من المُكوَّناتِ حولها ، و لهذا كانت كثيراً ما تُنَقِّبُ عن الجمالياتِ و تُحاكيها ، فكانتْ تقوم بالرسمِ لما تستحسنه و تراه جميلاً .
و الرسمُ من الفنونِ التي أضفتْ على الحياةِ جمالاً من جمالها ، لما فيه مِن حكايةٍ مرسومةٍ بريشةٍ ذاتِ لونٍ أو ألوانٍ ، فليسَ الرسم هوايةً عبثية يقوم بها الرسَّام بريشته ، بل هي مَظْهَرُ ما بَطنَ في نفسِه ، فالرسمُ مُتنفَّسُ الرسَّامِ الفكريُّ و الشُّعوريُّ و الدينيُّ ، فبعض الرسَّامين يرسُم ما يُوصِلُ للغيرِ فكرةً يحملها فيُوصلها بريشةِ التشكيل ، و ربما حملت الرسْمةُ شُعوراً مكنوناً مكبوتاً في نفس الرسَّامِ ، مُفرحاً أو مُحزنا ، مضحكاً أو مُبكياً ، و قد تكونُ دِلالةً على دينٍ أو تحملُ رمزاً دينياً ، فالرسْمُ هوايةٌ و رسالةٌ .
فالرسْمُ يكون أولاً قبلَ ظهورهِ على اللوحاتِ و الأوراقِ مرسوماً معنوياً في رُوحِ الرسَّامِ ، و إن لم يكنْ رسَّاماً بيده أدرَكت روحه مرسوماً يُطابقُ ما ارتسم فيها ، فلا يُرسم الرسَّامُ رسمةً بيده إلا بوحيٍ من رسم روحه ، و لا رسمَ ظاهرٍ إلا برسمِ باطنٍ ، فالباطنُ منبعُ الجمالياتِ و الظاهرُ مَشْهدها ، فالرسمُ ، و سائرُ الفنون البشرية ، تنبعثُ من تذوقِ الروحِ لها ، و العقلُ و الدينُ يَحكمان التوظيفَ لا يُحكمانِ التكييفَ .
موهبةُ الرسم باليدِ تكون مَجْمَعَ التكاتف الروحي و الجسدي ، فينطبعُ ما في الروحِ بآلةِ الجسدِ على محلِّ الرسمِ ، و عجباً إنَّ للشيءِ الذي يُلامسه الجسد أثراً أكبرَ من الذي لا يُلامسه لانتقال النفسيةِ من الجسدِ إلى الملموس ، و أثرُ هذا التكاتف كبيرٌ على إيحاءِ المرسوم و على نفسِ الناظرِ إليها ، و لا تكاد تهفو النفوسُ المتذوقة الرسمَ إلا لمثل هذا النوعِ ، على الضِدِّ تماماً حين يكون الرسمُ ليس موهبةً مغروزةً في الإنسان ، فيكون رسمُه اصطناعيٌّ اكتسابي ، فيكون الأثرُ فيه من تلقاءِ الذوقِ الجسدِي أو ما استطعمته الروحُ لا ما اختلقته من تلقائها ، فيقِلُّ الإقبالُ على هذا النوعِ من الرَّسمِ ، و مثلُه ما كان في الروحِ تَوقٌ نحو الرَّسمِ و لكنَّ الجسدَ لا يُعينُ على ذلك فتكونُ باحثةً عن رسَّامٍ أو رسمةٍ تُشابه ما تريده ، و هذان بدلانِ ، و البدَلُ أعورُ .
المرسومُ ربَّما كان شيئاً حيَّاً ، إنسانٌ أو حيـوانٌ ، أو شيئاً جمادياً ، شِبْه حيٍ أو جمادياً خالصاً ، أو كان رمزياً ، أيَّاً كان نوعُ المرسومِ فإنه لا يحملُ في طيَّاتِهِ معانيَ ينثرها الرَّسام ، قد يُدرك تلك المعاني مَن عرفَ الرَّسَامَ و ما يعيشُه من أحوالٍ ، أو ربما عُرفت من حيثُ الحاضر الذي يعيشه ، فالرسمُ يَعكسُ حالةَ الرَّسام النفسية تماماً ، في رُسوم الترميزِ تكون أبعادُ الرسماتِ إما مُضطربة ، و إما لها دلالاتٌ نفسيةٌ عميقةٌ ، إن صُوحِبَتْ بشرحٍ و إيضاحٍ كانَ بلاغاً مبيناً ناطقاً عن المرسومِ ، و للرمزيةِ أثرٌ على النفسِ حين تُدركها أشد من أثرِها لو كانت بيِّنةً واضحة ، فللغموضِ إيحاءٌ يُدركُ بالنهوضِ ، و في رسم الأحياءِ ، البشر وغيرهم ، أو الجمادياتِ بأنواعها مقاصدُ الذكرى ، أو وقفةُ الأطلالِ ، أو استشرافُ المستقبلِ .
للمكانِ و الزمانِ أثرهما في تكوين رسالة الرسم ، فالذي تهفو نفسُه للقديمِ ، زماناً و مكاناً ، و يندبُ وجودَه في زمنٍ غايرَ و ناقضَ الماضي العريق تجد في رسوماته لمساتِ الماضي ، و كذلك من شَكى الحاضرَ أو مدحه فلرسوماته فيه وجودٌ طاغٍ ، ذماً و قُبحا ، أو مدحاً و حُسناً ، مثلهما الذي يرنو بنظرته نحو مستقبلٍ بعيدٍ أو قريبٍ ، فلا يدري كيفَ يكون حالُه فيه ، فيرسم مستقبَلاً مُتخيَّلاً حسْب تشكيلاتِ الروحِ الصورةَ المرسومة .
إدخالُ اللونِ على الرسمِ يُضفي عليه معنى يَبْلُغُ بالمرادِ أبعدَ غايةٍ ، حيثُ كانت الألوانُ لُغاتٌ تُدركُ بها الأبصارُ مقاصِد النفوس ، و لكلِّ لونٍ رسالتُه ، و لكلِّ لونٍ ، كذلك درجتُه ، و وضعُ اللونِ في الرسمةِ ضروريٌ من حيثُ الأهمية ، و المناسبة ، و الموافقةُ لحالِ الرسمة ، و كذلك رسالة اللونِ للناظرِ فيه ، و اختيارُ الألوان يكتنفه ذوقُ الروحِ و رؤية العقلِ و مهارةُ الفنِّ .
إضافةُ الأشكال الهندسية ، أو التشكيل الترميزي في الرسوماتِ يُعطي دلالاتٍ بعيدة المدى ، و هي من المُعيناتِ لا من الأساسات ، و جنوحُ كثيرٍ من فنَّانِي الرسمِ إلى إضافةِ الأشكال ، أو التشكيل الرمزي لم يكن عبثاً و لهواً ، لذلك أقبلَ الناسُ على رسوماتٍ أُضيْفَ عليها ذلك لكشفها عن شيءٍ في نفوسهم .
ارتباطُ الرسمِ بالواقعيةِ و الخيالِ نهجٌ من الذوقِ الرسمي سلكه الرسَّامون ، و الرسم الخيالي مِن أبدعِ أنواعِ الرسمِ لما فيه من إشعال فتيلة التفكيرِ العقلي لمعايشة الخيالِ في الواقع الذهني لا الخارجي ، و كثيراً ما تحقَّقَت رسوماتٌ كانت أول أمرها خيالاً و استبعدها الناسُ ، و ما يصنع العقلُ خيالاً يستحسلُ تحقُّقُه ، بخلافِ الرسومات الواقعية فإنها تكون مرتبطةً بزمانٍ معروفٍ ، فهي حكايةٌ زمانٍ حاضرٍ ، و تاريخٌ له بعد ذهابه .
هناك الرسمُ الشكليُّ ، و لكنَّه المرسومُ ليس باليدِ و إنما بآلةٍ ، كـ / كاميرا ، أو برامج الرسمِ المشهورة ، فهي تُحاكي رسم اليدِ ، و المُحاكاة لا تكتملُ ، إلا أنها تفي بشيءٍ من المقصودِ من الرسْمِ ، و لا اغتناءَ عن رسمِ اليدِ فالجسد رسولُ الروحِ الأمين .
مِن الرسمِ المُغَيَّبِ ، الرسمُ اللفظي ، و هو الرسمُ النَّعتي أو الوَصفي ، فاللغةُ ترسُم بحروفها كما ترسم الريشة بألوانها ، و لا يكادان يجتمعانِ في رسَّامٍ ، فإما يمهرُ الشخصُ بالرسم اللفظي أو الرسم الشكلي ، و إذا اجتمعَ فجمال إبداعٍ حِيْزَ بحذافيرِهِ في نفسٍ واحدة ، إلا أنَّ أحدهما يُعبِّرُ عن الآخرِ بما يُدركه شبيهه ، فالرسَّامُ التشكيليُّ يُعبِّرُ عن الرسام اللفظي برسمٍ يُدركه تشكيليٌ مثله ، سواءً رسَّاماً أو متذوقاً ، و كذلك الرسَّام اللفظي يُعبِّرُ عن الرسمِ الشكلي بألفاظٍ يُدركُ اللفظيُّ منها رسالةَ الرسمةِ .
الرسمُ رسالةٌ روحيةٌ جسدية تُجسِّدُ بألوان الكونِ رسالة الكونِ ، و تحملُ للآتينَ بقيةَ رسائل ألواحِ مَن سبقوهم ، و يصنعُ حضارةً قادمة ، فليسَ هوايةً بلا غاية ، و لا لعباً و لهوا ، و إن اتُّخِذَ كذلك ففي طيَّاته رسالته ، جميلٌ أن ننتهضَ بتفعيلِ جمالياتِ الرسمِ بشتَّى أنواعه لغايةِ الجمالِ المقاصدي لا الجمال المشاهدي ، فقد مضى زمن الصورِ الجوفاءِ الفقيرةِ من المعاني .

عبد الله بن سليمان العُتَيِّق
15/7/2008
12/7/1429

قايـد الحربي 07-16-2008 01:45 PM

عبدالله العتيق
ـــــــــــــــ
* * *




والرسم : رسمك اللغة بهذه الدقّة الواصفة المُنصفة ..
كم أنا موعودٌ في متصفحاتك بالفائدة الرائدة .

عبدالله العتيق

أنت ضرورةٌ ،
لا حُرمنا منك .

عبد الله العُتَيِّق 07-16-2008 02:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قايـد الحربي (المشاركة 310213)
عبدالله العتيق
ـــــــــــــــ
* * *




والرسم : رسمك اللغة بهذه الدقّة الواصفة المُنصفة ..
كم أنا موعودٌ في متصفحاتك بالفائدة الرائدة .

عبدالله العتيق

أنت ضرورةٌ ،
لا حُرمنا منك .

الراقي / قايد الحربي .
حينَ أرى اسمَك في مُتَصَفَّحٍ كتبتُ فيه موضوعاً يخالجني شعورٌ بأنَّ حرفَك سيُدخلني في حربٍ سالمة أنت قائد عرمرمها ..
لذا لا أملك إلا إرسالَ رُسلِ الشكرِ إليك بوحي المودةِ لك ..
عبد الله

أسمى 07-16-2008 04:02 PM


الزيادة على ماقلت فائضة.
حيث اسهبت وأجدت.
لكن تبادر إلى ذهني نوعٌ من الرسم تخطه الأنامل في الهواء
وعلى الرمل.
وتكتبه تلقائياً حين تُمسك بالقلم.
ـ ما أعنيه هو:تبيان الشعور بغير قصد.
وكم عبّرنا كثيراً عبرَه.
..
قد نكرر رسمةً واحدة مراتٍ عدة .
وماذلك إلا مُتلازمة مُعترف بها
تدل على أشياء كثيرة في نفوسنا.
ولكل ذلك أُسس معروفة في علم النفس.

"
رائع ماقرأت لك..
حيثُ عرّجت عليه وقرأته ثم زرته مثنىً وثلاث.
وقد أزيد.

عبد الله العُتَيِّق 07-17-2008 01:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قيد من ورد (المشاركة 310255)

الزيادة على ماقلت فائضة.
حيث اسهبت وأجدت.
لكن تبادر إلى ذهني نوعٌ من الرسم تخطه الأنامل في الهواء
وعلى الرمل.
وتكتبه تلقائياً حين تُمسك بالقلم.
ـ ما أعنيه هو:تبيان الشعور بغير قصد.
وكم عبّرنا كثيراً عبرَه.
..
قد نكرر رسمةً واحدة مراتٍ عدة .
وماذلك إلا مُتلازمة مُعترف بها
تدل على أشياء كثيرة في نفوسنا.
ولكل ذلك أُسس معروفة في علم النفس.

"
رائع ماقرأت لك..
حيثُ عرّجت عليه وقرأته ثم زرته مثنىً وثلاث.
وقد أزيد.

الراقية / قيد من ورد .
جميلٌ حضورك ، فقد قيدتينا بورْدِ إضافتك ..
الرسم المذكور ألا ترينه داخلٌ في أحدِ نوعَيْ الرسم ..
و إن كنتُ أشعرُ أنَّ فيه ما ليس يجعله كذلك ..
و لكنني لستُ فطينا له الآن ..

إذْ عرَّجتي و قرأتي مراراً ، فقد كان ذلك الشكرُ مني مثى و ثُلاثَ و رُباعٍ ، يُدرك لاحقها سابقها باتِّباع و إشباعٍ ..

تحيتي إليك مجلَّلَةً ..
عبد الله

عبدالعزيز رشيد 07-17-2008 09:45 AM

عبدالله العتيق
دائما مايكون الرسّام المندرك تحت لواء مدرسة معينة خافت الضوء وقد يتلاشى مع مرّ الزمن والأمثلة معروفة لكن الذي يغرس بصمته التي تدلّ على رؤية قريبة ومقرّبة لعالم الرسم يكون الأجدر بالبقاء لأنّه استطاع فهم الرسم أكثر من غيره فكانت إضافته -الشاذة مبدئيّا مناسبة للرسم إذا هو يعرف مايضيف ويرسم
كلّ الشكر لك ولـ مساحات الفنّ التي كتبت عنها
تحيّتي لك

عبد الله العُتَيِّق 07-18-2008 07:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالعزيز رشيد (المشاركة 310814)
عبدالله العتيق
دائما مايكون الرسّام المندرك تحت لواء مدرسة معينة خافت الضوء وقد يتلاشى مع مرّ الزمن والأمثلة معروفة لكن الذي يغرس بصمته التي تدلّ على رؤية قريبة ومقرّبة لعالم الرسم يكون الأجدر بالبقاء لأنّه استطاع فهم الرسم أكثر من غيره فكانت إضافته -الشاذة مبدئيّا مناسبة للرسم إذا هو يعرف مايضيف ويرسم
كلّ الشكر لك ولـ مساحات الفنّ التي كتبت عنها
تحيّتي لك

الراقي : عبد العزيز رشيد .
الرسمُ ينطلقُ من خيالٍ ، و الخيالُ إذا قُيِّدَ أورثَ الخبال ، لذا فجمالُ الرسم في إطلاقهِ دون قيدٍ ، و الإبداعُ لا يكون إلا في التحرُّكِ .

تحايا مؤنساتٌ برُشْدِ العِزَّةِ إليك ..
عبد الله

فاطمة العرجان 07-19-2008 01:47 AM

هل لي أن أضيف تعليقا هنا؟؟
لا أظن..فما قيل كاف..
أكتفي بالمتابعة يا سيد الحرف ..


الساعة الآن 12:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.