منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   وسام شهيد (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=40551)

زكريا عليو 03-07-2019 04:03 PM

وسام شهيد
 
… .. && وسام شهيد &&…… ..
على سفح الجبل قرية تغازل الشمس من وقت إشراقها حتى زوالها ، والتاريخ محفور على جدرانها ، وبها المجد صلّى ، يقبع بيت يخاف صفير الريح أن يهدم سقفه المغطى بالصفيح ، وتحت هذا السقف المتهالك ، أبو عامر يجترُّ أحزانه ، وهو يستذكر ابنه عامر الشهيد ،الذي روى تراب الوطن بدمائه كي ﻻ تسرق الأيام ابتسامة أولاده ، لارا وحسن .
وها هما يلتحفان معطف جوخ خاكي لجنرال فرنسي ، حصل عليه الجد ، من إحدى معاركه البطولية، إبان الإحتلال الفرنسي ، وبقايا حرام صوف ، بعد أن شحّ المازوت بقريتهم ، ولن يستطيعوا أن يشتروه من سوق التهريب .
وأم حسن منهمكة في المطبخ ، تنتظر أن يخلدولداها للنوم ، لأنها عاجزة عن تقديم العشاء أو بعض الشاي ، والجد قد فهم ذلك فاسترسل بالحكايا عن بطولاته ، وبطولة أبيهما ،
أم حسن اليوم مشغولة بأفكار كثيرة ، تسافر بها بعيداً ، عن واقع مرير ، ضاعت به كلّ الأماني ، بعد أن زارها مختار القرية وبلّغها أنّ مكتب الشهداء بالمحافظة ينتظرها غداً لتكريم ذوي الشهداء ، وكم اغتاظت من نظراته ورقصات شاربيه .
أخذت تحدّث نفسها ، غدا سأرتاح من همهمات الخضرجي ،( امرأة بأول عمرها ، حرام تبقى هكذا ، افضل رجل يتمنى أن تكون حليلته )، وذاك السّمان ( أم حسن الشرع حلّل أربعة ، والحمدلله قادر أن أفتح أكثر من بيت ، وأستطيع أن أوفر لك ولأولادك أفضل البيوت ، وأطعمهما وأعلمهما ..و… و… ).
وهي تعلم أن الليرة عندما تدخل جيبه ، لن ترى النور مجدّداً ، وستفرّخ كلّ يوم ليرتين ، هتاف داخلي يخرجها من دوامة هذه الأفكار السوداء ، ماذا تلبسين غداً ؟ وأنت زوجة الشهيد ، هذا اللباس الأسود ﻻ يليق به ، وليس لديّك غيره ،أتستعيرين من جارتك أو من بعض صديقاتك ..؟
أين محفظة اليد ، أين الكندرة……
أين… . أين… .. ؟
ﻻ عليك يا زوجة الشهيد ، تهمس بسرّها ارتدي ذاك الثوب الجميل بألوانه المزهزهة ،وكندرتك ذات الكعب العالي ، الّلذين خبّأتهما ، بعد ليلة الزفاف ،
آه متى يأتي الصباح… . ؟
في الصّباح الباكر ، سارت أم حسن إلى موقف السرفيس الوحيد الذي يقلّها إلى المدينة ، وهي تشعر أنّ كلّ شباب القرية تلاحقهابنظرات الإعجاب ، فتردّد في سرّها لو بينكم حسن لتزوجته .
وأخذت تدك الطريق بخطواتها المتسارعة ، ويطول بها كثيراً ، وشعرت أنّ الوقت أطّول من بؤسها ، إلى أن وصلت موقف السرفيس ، تفقدت جزدانها ﻻ بأس ببعض النقود ثمناً لتذكرتي الذهاب والإياب ، التي استدانتها من أختها ، مسرعة توجهت إلى مكتب الشهداء بالمحافظة ، أحسّت بالفخر أنّها زوجة الشهيد البطل ، وهذه الورود والأعلام وضعت لأجلها ولقريناتها، واكتظت طاولة المسؤول بأنواع المشروبات الساخنة والباردة ، والإبتسامات المصطنعة ، ابتدت أمعاؤها ، تصرّح باشتهائها وحاجتها لأي شيء يسكتها .
كثرت عبارات الترحاب والخطب الرنانة ، ممّا شجعها أن تعرض شهادتها الجامعية على المسؤول هناك ، لعلّ وظيفة ما ، تعينها في تربية ابني الشّهيد ، تقبلت نظرة المكر من الموظف وتلك الابتسامة العريضة ، أعرض من كلّ بؤسها ، وقال… سا… سا .. و… . و… .
كم تمنت لو أنّ اللغة العربية ﻻ تحتوي أفعال التسويف .
وفي نهاية اللقاء ازداد التصفيق ...
وابتسمت الصور الفوتوغرافية التذكارية ، وعلت ضحكات الصحافة، وتشدّقها : سننشر الريبورتاجات لكم في العدد القادم بجريدة ابتسامة وطن .
وناولها شاب وسيم ظرفاً مختوماًممهوراً بالأختام ، أخذته بحياء ، وهي تستمع لهمسات المسؤولين ، على موعد للغداء بأحد الفنادق التي تليق بمقامهم ،
كتمت سرورها وعادت مسرعة لبيتها ، فهي تعلم أن مَن في البيت ينتظر إبريق شاي ساخن وإفطاراً دسماً ، ودخلت مسرعة إلى المطبخ ، لتهدئ صراخ الأولاد أماه نحن جائعان ،
بعد أن نفخت مطوّلاً على بعض الحطب ليشتعل ووضعت ابريق الشاي على النّار ، وهي تهمس بسرّها آخر مرة أطبخ على الحطب ، غدا سأشتري بوتغاز ، وشاي وسكر وزيت ..و… .و… .. و… . .!
فتحت الظرف بعناية شديدة ، وأخذت تتلمس الأوراق برفق ، وهي منبهرة بألوانها وأشكالها .
وابتدت تصحو من غفلتها ، على نداء الجد يا أم حسن ألم يجهز الغداء… .. ؟
سكبت الماء الساخن بأكواب كبيرة ،
ووضعت بإحداها وسام شرف
وبالأخرى وسام بطولة من الدرجة الأولى
وبالأخرى بطاقة شهيد
وبأخرى وسام النزاهة
وبالأخرى… ..

يقلم : زكــريا أحمــد عليــو
ســوريا ــــ اللاذقيــة
٢٠١٩/٣/٦

نادرة عبدالحي 03-09-2019 11:23 PM


قصة مؤثرة جدا ونهاية تعيسة ينجح الكاتب في وصف المشاهد وصفا دقيقا . وأعطى لكل مشهد حقه ,


قصة أظهرت مُعاناة بيت من ضحوا بحياتهم لأجل الوطن الغالي قضية ضخمة مقدسة وتستحق أن تُظهر على الملأ

وبراعة خاصة يحسن الكاتب الاستفادة من المساحة المحدودة بوجود الواقع الذي نعيشه.

والقصة الناجحة تسير وفق حركة القضية المطروحة فالقصة المؤثرة تحملها جيوب الفكر ولا يمكن التخلص منها .

سلمت الايادي والفكر النير

رشا عرابي 03-10-2019 12:40 AM

اتقان صوّر المشهد
وبمهارة المنفذ تم رسم الصورة حتى رأيناها
وسمعنا منها الشجون في تداعيات الذكرى

لله در الإبداع كم يُمتع

إيمان محمد ديب طهماز 03-10-2019 01:00 AM

من صلب الألم الذي بات هو صلبالواقع
استحوى كاتبنا هذه القصة
و أجاد الوصف و الرموز
قلم جسدصورة موجعة لحقيقة مرة
و كانت الخاتمة خنجراًفي القلب

سلمت أناملك أخي زكريا
اسلوب يستحقّ وسام الشرف بحقّ

زكريا عليو 03-10-2019 04:41 PM

أستاذة : نادرة عبد الحي
هي تجربتي الأولى بهذا اللون ، وقد تعمدت قلة المساحة بالسطور
والغاية ايصال الفكرة للمتلقي بطريقة سريعة
..
شكرا لحضررك وحسن شهادتك

زكريا عليو 03-10-2019 04:43 PM

الأستاذة : رشا عرابي
ما أجمل حضورك وسناءك ، أشكرك جدا لهذا الحضور
مودات

زكريا عليو 03-10-2019 04:46 PM

الاستاذة : إيمان محمد ديب طهماز
لك التحاذا ، شهادتك وساما تتقلده قصتي
علما انها تجربتي الأولى
فشكرا شكرا لهذا الاطراء


الساعة الآن 09:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.