منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   الكتف المائلة (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=39202)

عارف الحويطي 05-09-2018 07:58 PM

الكتف المائلة
 
الكتف المائلة
كتب رواية عجيبة عن فتى كان مجاهدا يفور حماسة وطاقة إيجابية ، شارك في الحرب وعاد مهزوما ، صار سلبيا منطويا ، لا يكاد يخرج من بيته إلا لقضاء الحوائج ، وغرق في القراءة ، من كثرة مكوثه في البيت ، على الشرفة تحديدا، صار يعرف كل ما يدور في الحي ، لفتت نظره فتاة كانت تحمل كتابا في كل مرة تظهر على السطح المقابل ،هي الوحيدة التي تقرأ في هذا الحي ، قرر أن يتعرف عليها، نجح في إغرائها بالكتب الكثيرة التي عرضها عليها ، صارا يتقابلان بجانب النهر ، كانت صيدا سهلابالنسبة لخبير مثله ومثقف يكاد يكون موسوعي ومع ذلك كان متواضعا كما قالت ، ولكنه لم يكن متواضعا بل متعاليا ومترفعا وحاقدا على الجنس البشري كله ، لماذا إذن هذه الفتاة البريئة التي بدأت تحبه وتتعلق به ؟ وصارت تكتب صورا شعرية عن الحب ، حتى وجهها أضاء بنور هذا الحب وصوتها صار حلوا وفارت في عروقها رغبة العيش وهامت في الحبيب هياما لا حدود له ، وكان هو باردا كحد السكين ، بعينين غائرتين عميقتين لا قعر لهما ، ثم فجأة قال لها:
ـ تسافرين معي ؟
ـ إلى أين؟
ـ كل الدنيا ، أبيع بيتي ونلف العالم .
اكتسى وجهها بغمامة حزن وترقرقت الدموع في عينيها ثم قالت :
ـ أمي ، أمي لا أستطيع أن أتركها وحيدة .
صار يراقب أمها ، فأكتشف أنها شبه عمياء ، وانها تصعد إلى سطح البيت قبيل المساء وتجلس هنيهة ثم تنزل ، وانها في يومين في الأسبوع تقترب من حافة السطح لنشر الملابس ، فقرر قتلها .
كان موتا طبيعيا كما أكد الجميع ، حادث مؤسف ، إمرأة شبه عمياء، تعثرت على السطح وسقطت من الطابق الخامس، لم ينتبه أحدا للفخ المنصوب تحت قدميها ، سلك معدني مشدود على مسافة محسوبة من حافة السطح ، وتر الغيثار .
كان قد أخبرهاـ قبل تنفيذ القتل بيومين ـ انه مسافر ، وقد عاد بعد موت الأم بأسبوع ، كان أبعد الناس عن الشبهات ، وكان شهما ووفيا فقد وقف بجانبها فترة الحداد كاملة ، حتى صار حضوره في حياتها طبيعيا بل ضروريا ، بعد انتهاء فترة الحداد قالت :
ـ أريد أن أرى العالم
باع بيته ، وسافرا ، زارا مدن كثيرة وموانىء شافا شعوبا وقبائل عجيبة ، وفي إحدى الجزر الهادئة طاب لهما العيش فقالت :
ـ تزوجني .
لبست ثوبا أبيضا ناصعا ، ووقفت أمامه تنتظر ماذا سيقول في قمة الحلم ، في روعة اللحظة التي انتظراها عامين كاملين فقال :
ـ انا الذي قتلت أمك .
قال انه لا يعرف هل كانت إغمائة قصيرة أم كانت لحظات ذهول وصمت طويلة ، فقد استفاق على ضربات عصا على رأسه وظهره ويديه وساقيه ، كان الدم يندفع من أنحاء جسده ويلطخ ثوبها الأبيض وكان هو مستسلما يحمي رأسه بيديه وينظر في تحولات الثوب الأبيض وقد صار قرمزيا وزهريا وأرجوانيا وأسودا ،كان ينتظر الموت سعيدا ، ولكنها انتبهت إلى أنه يبتسم ، فتوقفت وألقت العصا من يدها ثم قالت :
ـ تريد أن تموت ، بيدي انا ، لن أمنحك هذا الشرف .
فثارت ثائرته وظهر الخوف في عينيه لأول مرة وصرخ :
ـ انا الذي قتلت أمك .
ولكنها بقيت هادئة ، فثار أكثر وصرخ :
ـ لقد استمتعت بقتلها ، هذه الحشرة التي أجلت حلمي عامين كاملين .
كظمت غيظها وقهرها وتشبثت بالابتسامة ، فجن جنونه :
ـ أيتها الحشرة بنت الحشرة ألا تمتلكين كرامة ألا تأخذين بثأر أمك المسكينة يا جبانة ؟
ـ بل أخذت بثأرها ، كما أشتهي وأحب ، أن أتركك تحيا مع ذاتك التي تكرهها ، وان أتركك أمام خيارك المؤجل بالانتحار ، أنت الجبان الذي لا يستطيع أن ينتحر ، هربا من أفكارك الدموية ، سادعك تحيا مع روحك النجسة .
كان انهياره شاملا وحادا وفجائيا ، هذا الفتى النضر تحول فجأة إلى كتلة ضيئلة سوداء لا تشبه البشر ، حاول أن يزحف إلى البحر ، ولكن جراحه لم تسعفه ، اختلط دمه برمل الشاطىء الذي صار أسودا كالقطران، وما أن أشرقت الشمس حتى تجمعت عليه عقبان السماء وبدأت تنهشه على مهل أمام ناظريها .


سيرين 05-12-2018 03:22 AM

عودة المجاهدين من حروب الهزيمة لها من الاثر النفسي العصي علي العلاج
فكرة تناولتها برووعة الحدث وتداخل عوامل الحب والكراهية
التي كانت لها النزعة الاخيرة في تحديد مصيره الحتمي وتحرير نفسه من شوائبها
كاتبنا المبدع \ عارف الحويطي
سلمت يمناك ودام هذا الغيث مورق بالجمال والابتكار
مودتي والياسمين

\..:icon20:

عارف الحويطي 05-13-2018 11:25 PM

شكرا سيرين لكلماتك وتشجيعك ،
طابت أوقاتك بكل طيب

ضوء خافت 05-21-2018 01:31 PM

يريد أن يتطهر بالدم ... فتدنس أكثر بطهارتها ..
عارف الحويطي ... لقد كان قلمك هنا مجرفة ... تحفر للمهزوم قبراً يضيق به كلما تتابعت الأحداث ...
هو يريد قتل شيء ما في اعماقه ... لكنه يخطئ تصويب فوهة أفكاره ... فيجبُن أكثر ...
أكثر ما عذّبه أنها أطهر ما في عالمه ..

الأخ المبدع الحويطي ... تمنيت لو أعينها على قتلِه لولا أن كان لي شرف متابعة خيال لا يبتعد عن واقعنا كثيراً ..

يوسف الأنصاري 05-29-2018 12:55 PM

القصة بها لحظات حماسية ..
وتشويق درامي ..

غير اني اجدها ذات نمط سريع أدى لإهمال بعض مقومات بناء القصة ..
وربما هذا ما جعلها مشوشة بعض الشيء ..

محاولة جيدة تملك موهبة رائعة ..
اتمنى لو تصقلها أكثر للمرات القادمة ..

عارف الحويطي 06-05-2018 07:15 PM

ضوء خافت
مرحبا
شكرا لأنك قرأت ، أما عن العدالة فلا أدري .
المهم أنك شاركتها وأنها {أطهر ما في عالمه} وأن القدر وعقبان السماءكانا هنا على الشاطىء
طابت أوقاتك بكل طيب .

عارف الحويطي 06-05-2018 07:19 PM

يوسف الأنصاري
مرحبا
انت ناقد من الطراز الرفيع ، واني أعترف فقد كان هذا النص رواية ، كتبتها وأودعتها عند صديق لي قبل ظهور الآنترنت.
ومن بعد اكتشفت أن صديقي قد نشرها بعنوان دفاتر الكتف المائلة ، يمكنك قرآتها كاملة على النت ، ولكنها ليست روايتي التي كتبتها فقد وضع صديقي اسمه على النص المنشور .
طابت أوقاتك بكل طيب

نادرة عبدالحي 06-24-2018 11:42 PM

تحمل القصة في أبعادها المرجعية ورهاناتها المقصدية

الرؤية الإنسانية المغلفة بالنزعة التراجيدية التي تعلن موت الإنسان في زمن بات الإنسان لا يعرف اي

طريقة حوار تهوى نفسه

وإفلاس ذاته كينونيا وسقوطه قيميا بعد أن انساق وراء بريق المادة، ومفاتن الغواية ، ولمعان شخصه

نجحتَ في إيصال الفكرة او القضية المراد طرحها . طريقة سرد مُشوقة ومكثفة ولم تُشتت ذهن القارئ

وفقكَ الله وننظر القادم من كتاباتكَ .


الساعة الآن 03:13 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.