المنعطف الأخير !
 

إلى مشرفي ومتابعي أبعاد المقال ،،

نص من عبث الريح في الأشجار ،تساقط ورقا مضرجا بحبر الألم والمعاناة والسأم !



حدثنا أحد الحذاق قال:
بعد غياب طويل عن الوطن وترحالي في بلاد الغرب ،ومحاولاتي تناسي كل ما يدفعني للعودة وكل ما يجعلني أنكسر للماضي وذكرياته ،حنت الأقدام للأماكن المهجورة في زوايا الذاكرة ،وحملتني رياح الوجد لوطني وعربي وقومي وبيتي الصامت في أمعاء المدينة والذي ودعته منذ سنين.تغير كل شيء من حوله ولم استغرب ذاك التغير ،لأنه سنة إلاهية ،لكن لم يتغير بيتي كثير!!سبحان الله !
قال :وبينما أنا أجمع شتاتي في كل الوجوه التي استقبلتني ،وإذا بي أمام أحد أصدقاء الماضي الذي أصر على ضرورة اللقاء المنفرد بيننا في أقرب فرصة ،كان صديقي هذا من اكثر الناس شغفا بالسفر ومطاردة الخيل العتاق التي لا تشارك في السباق!
هاتفني ذات مرة واتفقنا على اللقاء في منزلي ،لكنه اعتذر لارتباطه ،حاولت أن أعود عربيا وادعوه للقهوة .....،فقال :ألم تتغير ؟أنت قديم !!كيف لم تغيرك المدن والغربة والنساء الحسان؟ فضحكت ! وهززت رأسي حنقا !
رافقته في سيارته الخاصة فبادرني قائلا:اليوم ياصديقي يقام سباق كبير للخيل العربية الأصيلة في ميدان الفروسية،_وكنت ممن يحبون هذه الرياضة وما زال في ذاكرتي رائحة من غبار الخيل ،وبعضا من أسمائها_ ،فسألته عن تلك الجياد،فقال :لا أعرفها !وقاطعني قائلا :هناك جياد أخرى ،ألم تسمع بها ؟هناك الصقلاوي،والكحيلة ،والأدهم،وسق يامجحد!!فقلت:لا ،قال :شي طبيعي ،وما يدريك ؟!الحياة اليوم تخصص،فنظرت إليه !وقال مسترسلا ومستعرضا ثقافته الحيوانية :!نحن نحب (الخيلة)!ونشجعها ،وأكثر أصحابي يحبونها وهم ينتظرونني الآن في المضمار ،فأبتسمت في داخلي !وقد رأيته مرجعا لأصحابه بمعلوماته النظرية حول الخيل ،أنواعها ،ألوانها ،وكل ما يتعلق بها.
توجهنا للمضمار والذي ازدحم بالناس من كل الأجناس،دخلنا وجلسنا مع الجمهور (الكوكتيل) ،نظرات خائنة ،عيون زانية،لا أحد ينظر للمضمار ولا أحد يراقب الخيل التي ستشارك!عم الصمت !تكلمت الأيادي العابثة بالرسائل المتبادلة ،في هذه اللحظة أدركت سر اهتمام صاحبي بالخيل أو(الخيلة)كما ينطق.
بعد قليل أعلن استعراض الخيل المشاركة تمهيدا لدخولها الميدان ومنصة الانطلاق.
الجياد المشاركة كما أعلن المعلق الداخلي ثمانية رؤوس،وقد بدا بذكر أسمائها وأسماء ملاكها ،فتركت الجمهور وأخذت انظر للجياد التي سوف تدخل المضمار ،كان أول جواد يتقدم الخيل المشاركة اسمه الصقلاوي !!لكن العجيب أنه لم يكن من سلالة الخيل ،بل كان أجلكم الله حمارا حساويا ويسمى الصقلاوي!لكن المعلق بدا في سرد سيرة هذا الحمار دون حياء والغريب أيضا أن الجمهور لم يعترض!بل يصفق ويهتف ،قال:فصرخت بأعلى صوتي ،ياناس !هذا حمار !والله العظيم حمار!فلم يرد علي أحد !!فجلست مذهولا من تحول كل حمار لجواد!وقبل أن أصحو من صقلة الصقلاوي ،عرض الجواد الآخر وإذا بها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين!!!فصرخت ،ما الذي جاء بالبقر إلى هذا المقر ؟!فنظروا جميعا لي وقالوا :هذه الكحيلة من أعرق الخيل !أنت لا تعرف عن الخيل شيئا,.من جاء به إلى هذا المكان!؟
قال :فجلست ،وقلت يبدو أننا في سباق هزلي لجذب الأطفال والتسرية عن ذوي الاحتياجات الخاصة!أو في ما يشابه الكامرا الخفية،وكل هذا قبل بداية السباق الحقيقي الذي جئنا من أجله،ولعل ما أكد شكوكي تلك، دخول المشارك الثالث وكان كلب صيد من نوع الضراوي للمضمار ،لكن الجمهور تفاعل معه بشدة وأخذ يهتف ويصفق ،وأنا أنظر فيما حولي وأعيد النظر إلى نفسي ،وأفرك عيني لعلي أرى جوادا كما يرون ،وإذا بصوت المعلق المتفاعل بشده مع ذاك الكلب ناعتا إياه بالأدهم معجبا لدرجة النشوة والطرب باعثا عنترة من قبره وهو يردد:
يدعون عنتر والرماح كأنها = أشطان بئر في لبان الأدهم
قال :فلم أتكلم بل لزمت الأدب واستسلمت للسأم ،فغفوت ،ثم نمت خائفا ’أشعر بالبرد ينهش ذاكرتي،ويبدد ثقتي في معرفتي !
قال ولم يعيدني لذاك الجو إلا ضجة الجماهير والصراخ والأحذية والكرامات المتطايرة والشمغ والعقل وبعض العباءات شبه النسائية ،فصحوت ،فإذا بالجياد والثلاثي الحيواني الشاذ!!تصل مجتمعة إلى المنعطف الأخير ،والمعلق يصرخ ،الصقلاوي ، الكحيلة ,ومرة الأدهم ’وكأن لا يوجد في الميدان إلا هذه الحيوانات المتشبهة بالخيل والتي دخلت خط النهاية متساوية.
قال :فلم يستطع أحد تحديد الفائز !فقررت اللجنة المختارة ،اشراك الجمهور في تحديد الفائز بالشوط وذلك بأن يصوت كل حسب ما رأى.
فصوت الجمهور وأنا أنظر متعجبا !ما ذا سيجري ؟بل ماذا لم يجر؟
وما هي إلا لحظات حتى أعلنت اللجنة الفائز بالسباق وجائزة أفضل جواد عربي ،وإذا بالمعلق يقول :فاز بالشوط وجائزة أفضل جواد عربي ’الفرس الكحيلة لمالكها دينار أبو دراهم،قال:فعلت الأصوات وكثر المهنؤون !فخرجت غاضبا ندمان آسفا ’وأنا أردد :بقرة ،بقرة ’لاحول ولا قوة إلا بالله ’ولم يعد يهمني معرفة بقية المراكز ،وبعد انتظار وصل صديقي مع أصدقائه وصديقاته ،ثم ودعهم ،فركبنا السيارة،ونظر لي وقال :أرجوك ،يكفي فضحتنا !هي صحيح بقرة !!لكن وربك مو حلوه!
قال :فصرخت في داخلي وسمعت المتنبي ينشد:
وما الخيل إلا كالصديق قليلة = وإن كثرت في عين من لا يجرب

الأخ /
حمد الرحيمي


هذا هو حال مسابقاتنا / مهازلنا العربية وحال متشاركيها المليون ...


نهب الأموال صراحةً واستخفافٌ بأذواق البشر بكل وقاحة ...


عزاؤنا في وجود أناس تحركهم الفطنة وتدفعهم العقول الراجحة ...

للأسف الحقيقة أصبحت تعامل معاملة الشائعة !
سؤالي ... هل فازت البقرة الصفراء بحق ؟ :

للأسف فازت ،ولو لم تشارك في السباق :)

شكرا على التفاعل
دمت بخير