منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   ثنائية النثر (5) إباء الشرق \ محمد سلمان البلوي (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=37362)

نادرة عبدالحي 10-26-2016 02:50 AM

ثنائية النثر (5) إباء الشرق \ محمد سلمان البلوي
 

http://www.ab33ad.info/up/uploads/im...45785e8ec1.jpg


قالت:ما لها حروفي الجَسورة صمتت؟!أكان عليها أن تنعم باستراحة محارب ؟


قالَــــ: يَدُكِ الشَّجَرَةُ، وَيَدِيْ النَّهْرُ. فَأَنَا مَنْ يَجْلِبُ الْمَاءَ وَيَحْلِبُ اللَّوْنَ، وأَنْتِ مَنْ يَطْرَحُ الثَّمَرَةَ ويَمُدُّ الظِّلَّ



ويشاء القدر أن يَشهدُ تشرين تفاصيل الثنائية الخامسة

ثنائية تجعلكَـــ تشعر أنها تنبض قبل وصول صاحبي الإلهام

الأدب مهما كان نوعه هو الجسور و اللغة , الدواء , يوسع خلايا العقول ويقوي الرجاء ويفسح التفكير

نحتاجه لنصقل الهمَّة ...لِنرتقي ونتوق إلى المعالي بــــــــــــــــِ ...ومع ...


الكاتب محمد سلمان البلوي
أسس مدرسة أدبية خاصة به إن تجرأتَ أيها القارئ وتابعتَ أدبه ستجد فكركَ يتقن جميع اللغات

لماذا .....؟ لأن الأدب الذي يملكه الكاتب محمد البلوي مزيج من الحضارات الفلسفية تراهُ

يُخاطبكَ بمحبة خالصة وهو لا يعرفكَ أيها القارئ ,

لأنهُ بذلكَ يُبلغ رسالته المقدسة ,تراه يُكلمكَ عن نفسه لأنه أراد ذلكَ

(هل نسينا فلسطين؟ وماذا عن الأقصى؟ وعنِّي أنا؛ صاحبُ الحقِّ في العودةِ؛ وقبلها في الحياة؟)

وتراهُ يصاحب الفلسفة الفكرية الأدبية لأنه يتقنها

(كَيْ يَصْطَادَ فَرَاشَةً؛ أَشْعَلَ اللَّيْلُ شَمْعَةً، وَتَظَاهَرَ بِالنَّوْمِ قُرْبَ النَّافِذَةِ.)

(أَتَعَلَّمُ كَيْفَ أُخْطِئُ مِنْ جَدِيْدٍ، وَأُحَاوِلُ -رَغْمَ السَّلَاسِلِ- أَنْ أَطِيْرَ، هَا إِنَّنِي أَصُدُّ الرِّيْحَ)


أما الكاتب عبد الله مصالحة فكتب يقول في رده عن نص (تحت الأزرق بقليل )

(تصويرها القلبيّ رهانها الظّاهر كذئبيَّةٍ مارست سقوطك من كتاب ما لتهرش سَمع المذعنين بفضيَّة حملتك إلى الإغواء ,

كان لزاما ً أن نعي ملذَّتك في اقتناص الكلام لتدَّعيه عليك , وأن تنبش أفق وعيكَ بذكاء يعزّز احتمالية دورانك في شيئيَّة ما سَكنتك ,

إنّه القلم ينادي عليك فيك , ويكسر حاجز العقلانية إلى الممارسة الصعبة للتلقين .)

لن أنسى نشاطه وأفكاره في تطوير الأقسام الأبعادية التي تنم عن تجارب سابقة

لهُ بصمات مائزة ورؤيات تُرشد إلى دروب الإستمرارية فهذه السياسة المبنَةِ على المبادئ والقيم.

أيها الزائر والقارئ والأبعادي أينما كانت هويتكَ هنا أدعوكَ للبحث عن أدب الكاتب محمد سلمان البلوي لتقع كما وقعتُ

في قراءة سادسة وإتسعت الخلايا المخية التي أملكها .....

الكاتبة إباء الشرق
الشمس لا تغفو في حضورها أديبة تحمل صحوة فكرية في أدبها . وتملكُ فن المُحاورة بإسلوب يدهشكَ .

تسمع أجراس تُجلجل بين سطور بوحها تطل على الحياة من الأعلى ..........

وتملكُ شعرا مُتدفقا حيوي ثائرا تشعُرُ بحرارة تأخذكَ مع الإحاسيس والصور .

تستطيع أيها القارئ تسميتها فتوغرافية البوح من خلال الصور التي تمنحكَــ إياها وبكثرة

وهنا نحصل على إحداها من خاطرة
رسائل موؤدة

فأمرُّ على محطات تتركني أسيرة اللحظة التي أحاول، جاهدة الفكاك منها.
من أخبرَهُم أني سأمرُ حتى وضعوها في طريقي دون رحمة؟!
أشلاء إخوتي
صُور وطني
صرخات الثكالى
عزف على أوتار الروح بكل قسوة..
وأشياء كنت أهرب منها،وجدتها على حبال الغير منشورة..


ومرة أخرى نقرأها

تملكُ أديبتنا فكرا مُشاغبا لا يرغب بالهدوء فتراها تعترف

فالهدوء سبب لا يجعلها تستدرج إلهامها ليتكون ويكون

فتنقل لنا الصورة لا أصوات في الخارج ولا تلفاز ينقل الأخبار العاجلة التي من الممكن أن لا تكون صحيحة .

(لاشيء يحضرني الآن لأكتبه.
كل شيء يبدو هادئًا على غير العادة ...
لا أصوات في الخارج، لاتلفاز ينقُلنا لعاجلٍ يفتقر للصحة)


الكاتبة الفاضلة إباء الشرق
الكاتب الفاضل محمد سلمان البلوي

إسمحا لي بتقدم مفتاح رياض الثنائية الخامسة لكما بخالص محبة .

إباء الشرق 10-26-2016 12:57 PM



من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)


الرسالة الأولى



في لحظةٍ ما، تبدو باهتًا أمامَ نفسك، لا لون لك، ومجهولًا عنك،
كأنَّ الذي يجري داخلكَ ليس دمكَ،
وكأنَّ الذي ينبضُ فيكَ ليس قلبكَ
نعم، هكذا تبدو وأنتَ تُحدِّثُ روحكَ المثقلة بالكلمات والمتعطِّشة لأذن تُصغي.
شاسعٌ أنتَ أمامهم، وأمام المرآة يتكوَّرُ صوتكَ، ثم يرتدُّ إليك: مَنْ تكون؟
تسكنكَ أشياءٌ كثيرة، تودُّ الخروج، وتخشى الظُّهور، حالةٌ تُشبه ما أنا فيه الآن.
أجدني بحاجة للكتابةِ، للصُّراخ على هذهِ البيضاء الفاتنة، علَّها تُجيدُ نقلَ نبضي، ولا تُطالبني بالصَّمتِ كالآخرين!

في هذا المنفى المتجمِّد أتدثَّر بذكرياتي وتهفو روحي للمرور، يومًا، على تلك الخطوط التي رُسِمَتْ لنا، وغصبًا جعلوها قيدًا ووتدًا، ثم أسكنونا البعيد.
أجدني للمرَّة الأولى سأقترف جرم الكتابة إليك!
سأتجاوزُ عرف القبول بكلِّ شيء وأيِّ شيء، سأتمرَّدُ على النَّقد، وعلى العيون المتربِّصة، وسأنثرُ، ها هنا، وجعي في رسائل عنيدة، ثمَّ أُطيِّرها من منفاي إلى منفاك.
مُصمِّمةٌ على الذهابِ والإياب،
أنا المخلوقةُ من طينٍ، القادمةُ من الماضي المأهول بالحزن، القاطنةُ مدائن الذكرى،

أكتبُ إليكَ يا الغريب،

فهلَّا أصغيتَ؟

أختك/ أ.

ليلى آل حسين 10-26-2016 01:30 PM

الله عليك يا نادرة
وهذه الثنائية المتوهجة بقلمين شامخ ألقهما نحو الأفق
القدير البلوي وهذا المداد العذب كم يطيب لي الغرق فيه بلا قشة
والمتألقة اباء الشرق وقلم فذ على ما يبدو سيدهشنا بما لذ وطاب من الأبجديات
مبارك التئام الثنائية الخامسة
ها قد حجزت مقعدي في الصف الأول
ومتابعة بكل ود وشغف
الجميلة نادرة
دمتِ ودام ألقك وعطاء قلبك النقي
كل الحب وجنائن بنفسج
:icon20:

محمد سلمان البلوي 10-26-2016 01:33 PM


من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)

الجوابُ الأوَّلُ

يا الغريبة:

إنَّنا ننتظرُ -على الدَّوام- شيئًا ما، بكاملِ وعينا ويقيننا ننتظرُ، لكنْ بلا شغفٍ لحوحٍ وبلا طموحٍ، ننتظرُ، وفقط ننتظرُ ما نعتقدُ جازمين أنَّها حياتُنَا لن تستقيمَ إلَّا به ولنْ تستقرَّ أرواحُنَا من دونه، وكلَّما تحقَّقَ حلمٌ من أحلامِنَا خابَ نِصْفُهُ... أو حضرَ غائبٌ من أحبابِنَا اكتشفْنَا نَقْصَهُ... وإذا ما أحببْنَا شخصًا تلفَّتَ قلبُنَا مِنْ حوله... أو تعلَّقنا بشيءٍ اِجْتَذَبَنَا إليه غَيْرُهُ... يا لِشَقَاءِ النَّاقص الطَّامح إلى التَّمامِ والْمَعِيْب الْمُتطلِّع للكمالِ! يُوْجِعُنَا الجمالُ، يا صديقتي، يُوْجِعُنَا! والحقيقةُ –غالبًا- بقبحِنَا تَفْجَعُنَا! الحقيقةُ الَّتي من فرطِ وضوحها نُكذِّبُ أنفسَنَا ثمَّ نُصَدِّقُ كذبَنَا.

فرقٌ بين أنْ نكتبَ وأنْ نكذبَ، لكنَّنا ندسُّ الكذبَ في الكتابةِ، وبكتاباتِنَا نُجمِّلُ كذباتِنَا، ونُجمِّلُ كتاباتِنَا بكذباتِنَا. أليستْ كتاباتُنَا كما كذباتنا ملوَّنةً؟ أليستْ قلوبنا كما أقلامنا لا يُقوِّمها إلَّا الممحاةُ؟

إنَّنا بين الأسود والأبيض، فيما بين اللَّونين نسبحُ ونرمحُ ونكدح ونمرح... الأسودُ الخالصُ يجرحُنَا، والأبيضُ الخالصُ يفضحُنَا، والكلمةُ البيضاءُ كالكذبةِ البيضاء تضرُّ وتُؤذي... لكنَّها يشفعُ لها سلامةُ نيَّتها ونقاءُ سريرتها. وليتنا حين نكتبُ نقولُ كلَّ شيءٍ! لكنَّنا لا نفعلُ، ولا ينبغي لنا أنْ نفعلَ، ولذا أجدُنِي مشدودًا –دائمًا- إلى ما وراء الكلماتِ، إلى الظِّلال والفراغاتِ والْبُقَعِ الْمُبْهَمَةِ والشَّذراتِ الْمُهْمَلَةِ، إلى الكنايةِ والاستعارةِ والمجازِ... وإلى ما تُضْمِرُهُ الحروفُ وتُخفيهِ السُّطورُ وتسترُهُ الصُّورُ والتَّشبيهاتُ... إلى ما لا يُقالُ إلَّا بالمواربةِ وبالتَّوريةِ وبالتَّلميحِ وبالتَّلويحِ... وقد لا يُقَالُ أبدًا ولا يُنَالُ ولا يُطَالُ.

أجملُ ما في رسالتكِ شجاعتكِ، وأصدقُ ما فيها ما احتفظتِ به لنفسكِ، وكلُّها وجعُهَا بليغٌ، والمعاناةُ فيها عميقةٌ وعتيقةٌ، ثمَّ إنَّ غربتَكِ بدتْ فيها واضحةً ومرعوبةً، وهذا جيِّدٌ، جيِّدٌ جدًّا، لأنَّني مثلكِ غريبٌ ومرعوبٌ، مع أنَّني أعي –جيِّدًا- أنَّها الأقدارُ لا تظلمُ ولا تهضمُ... وأنْ ليسَ الموتُ مسئولًا عن موتِنَا؛ لكنَّها الحياةُ تقتُلُنَا ببعضِ ذنوبِنَا، عمدًا تقتُلُنَا، والموتُ ينقذُنَا.

لا عليكِ، لا عليكِ، ولتعلمي أنَّني مُستمعٌ لكِ ومصغٍ...

أخوك/ م.








علي الامين 10-26-2016 05:08 PM

لله درك يانادرة
اختيار علمان من سوامق الأدب ليمنحانا الجمال مما تفيض به روحيهما
الاديب اللامع محمد سلمان البلوي
والكاتبة الرائعة إباء الشرق
سنكون معكم هنا وهذه الرحلة العامرة بأبجدية فاتنة
لكما وللنادرة
اسمى ايات التقدير والود

زكيّة سلمان 10-26-2016 11:54 PM

أي جمال يقيم هنا..!!
لا أدري أغبُط الكاتبة إباء لأنها بصحُبة قلم شاهق لايكل ولايُمل..صديق قريب بحرفه ولغته وصدقه الأخاذ..
أم أغبُط الصديق محمد حيث يصطحب معه نورسة تحلق عالياً ولاتهاب...

هنيئا لنا ولكما ...
سأبقى بالجوار:icon20:

إباء الشرق 10-27-2016 07:54 AM

من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)


الرسالة الثانية.

في كلّ مرّة أقررُ الهطول كديمةٍ موقوتة، في كلّ مرّة تسكنني دهشة اللحظة، وأصمم على التحليق في عالمهم المخملي، تصدمني حقيقة: أنّي بلا أجنحة !
ويرتدَّ صوتي حسيرا، فكيفَ يصفّق من قطعوا كفّيه؟ وكيفَ وبأيّ طريقة تُخبر تلك الطفلة التي تسكنني، أنَّ للحديثِ قيود..!
وأنا أصطلي بجمرة الحرف، أعترف أننا في شتات، كوّنوه فينا، بعثرونا ونسوا أن يلملموننا..!
الوطن، الرفاق، الأعداء، اللغة، التاريخ، الحروب، الحبّ، الخيانة،الغربة وتفاصيلها المنهكة.
نحنُ خليطٌ مِن كل ذلك، وعصارة تجاربهم..
حسنًا أظن أنَّ عليهم تقديم الاعتذار الخطّي لنا عن كل تلك الآثار التي حفروها في قلوب بريئة كالنقش على الحجر!
لكن أنَّى لهم هذا وهم لايُجيدون الخروج من عتْمَتهم..
لايُجيدونَ الحُبّ
لايُجيدونَ الِكتابة
ولايُتقنونَ فنَّ الاعتذار
حمّلونا وزرَ خطاياهم وَمضوا.
وبعدَ هذا كلّه، في كلّ مرّة أعود للمربّع الأول
وأصمت، فأنا لاأحبذُ أن يكون كلامي بضاعة مُزجاة للعابثين على شواطئ اللهو..
وبين الدائرة والمربع، تتراوح خُطانا المثقلة وتبقى لتلك الأشكال الهندسية
سطوة الحضور واعتلاء خشبة المسرح وماعلينا إلّا التصفيق، كجمهور أصمّ..!
وهكذا نمضي أيّها الغريب....
على تلك الطفلة أن تُصغي لوصيةِ أمّها بأنَّ: الحديث عيب.
وعليكَ المكوث دائمًا خلفَ معانيك الُمترفة.

حرفان خَرجنا للحياةِ صوتًا ثمَّ نسينا الكلام. !
فنحن النغمة النّشاز في سمفونية الشتات.


أختك / أ.

محمد سلمان البلوي 10-27-2016 11:25 AM


من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)

الجوابُ الثَّاني


قالتِ الغريبةُ للغريبِ تُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ، تَصُبُّهَا على رأسه صَبًّا، كما لو كانتْ عاصفةً ساخطةً أو سحابةً ساخنةً: تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، ثمَّ إذا ما نظرتَ مِنْ حولكَ فَلَمْ تجدْ لكَ وجودًا إلَّا فيكَ... فأنتَ غريبٌ. ثمَّ تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، وإذا ما قَلَّبْتَ قلبَكَ وقرأتَ خُطُوطَ حظِّكَ ونَحْسِكِ فَلَمْ تعثرْ فيهما إلَّا على ماضيكَ... فأنتَ غريبٌ. ثمَّ تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، وإذا ما ظلَّ عمركَ مُؤجَّلًا إلى حين عودةٍ لن تكونَ، وظلَّتْ حياتُكَ مُتوقِّفةً على طفرةٍ ما أو مصادفةٍ حدوثها أقرب للمستحيلِ... فأنتَ غريبٌ. غريبٌ أنتَ إذا ما كانَ عطرُكَ لا ينبعثُ إلَّا منكَ... مِنْ أصابعكَ الحبر ومِنْ أضلاعكَ البحر، وإذا ما كانَ نورُكَ يغمرُ الفراشاتِ كلَّها بالبردِ والسَّلامِ لكنَّه يحرقُكَ، وإذا ما كانَ مطرُكَ يروي كلَّ ما حولكَ ومَنْ حولكَ ثمَّ لا يُبلِّلُ معنىً واحدًا مِنْ أفكارِ ظمئكَ. غريبٌ أنتَ إذا ما كنتَ الآسرَ والمأسورَ معًا، والحاضرَ والغائبَ في آنٍ، والغالبَ والمغلوبَ والغانمَ والغارمَ والعائمَ والغارقَ والغائمَ والغامضَ والغائرَ والنَّاتِئ... وكانَ مصيرُكَ مجنونًا، وكنتَ الجنونَ بعينِهِ بلحمِهِ المُرِّ وبدمِهِ المالحِ، وكنتَ التَّضادَ الواضحَ في كلِّ شيءٍ والتَّناقضَ الصَّريحَ والتَّعارضَ السَّافرَ والتَّنافرَ، وكانتْ ذاكرتُكَ أثقل من رأسكَ، ورأسكَ أكبر منكَ، تكادُ تبتلعكِ وسائرَ جسدكِ ثمَّ تلفظكَ، وكنتَ لا تسيرُ إلَّا هائمًا، ولا تنامُ إلَّا هامدًا، ولا تمضي إلَّا متلفِّتًا إلى الوراءِ ومتوجِّسًا من شيءٍ ما، وكانتْ علاقتكَ بالأمكنةِ علاقةَ المُتسلِّلِ إلى مائدةِ بخيلٍ، وبالأزمنةِ علاقةَ المُتلصِّصِ على غانيةٍ في خدرِ غيورٍ. تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، ثمَّ لا تكنْ مثلَ قابيلَ ولا مثلَ هابيلَ، أَسْقِطْ حروفَ الْقَتْلِ كلَّها لكنْ لا تكنِ الْقَتِيلَ. غريبٌ أنتَ غريبٌ! "غريبٌ"، يا لها مِنْ كلمةٍ غريبةٍ وعجيبةٍ! ويا لله كم تشبهكِ!

يا الغريبة:

لا بدَّ للأمواتِ من عودةٍ، وسيعثرونَ علينا لا محالة، فماذا سنقولُ لهم إذا ما سألونا: (لماذا؟)!
يقولُ أحدُهم: كلُّ علاماتِ التَّعجبِ كاذبةٌ!
ويقولُ آخرُ: ومراوغةٌ هي الأسئلةُ!
فأقولُ: لكنَّني الآنَ معكم!
فيقولونَ -جميعًا-: إنَّكَ الآنَ تموتُ!
فأقولُ:
وهل أعودُ؟
هل أعودُ؟

يا الغريبة:

لمَّا أعجبني قولك: "حرفان خرجنا للحياة صوتًا ثمَّ نسينا الكلام". رُحتُ أقولُ:

البابُ والشَّجرةُ
والقلمُ والورقةُ
والفأسُ والرَّأسُ
كلُّهَا
كلُّها
من لحم ودمٍ
لكنَّها
من هولِ الفاجعةِ
تَخَشَّبَتْ

وما زلتُ أقولُ: إنْ لَمْ يمنحنا الخوفُ الشَّجاعةَ فهو آثمٌ، والحذرُ واجبٌ، لكنَّه حُسْنُ الظَّنِّ أوجبُ، والتردُّدُ لا يمنعُ قدرًا، لا، ولا يدفعُ ضررًا، كما أنَّه لا يرفعُ، وليسَ يشفعُ، فارْجِعِي طفلةً، فالمربُّعُ الأوَّلُ والدَّائرةُ والأشكالُ الهندسيَّةُ المُغلقةُ والتَّكويناتُ الرَّتيبةُ والرَّديئةُ والكئيبةُ والخائبةُ... كلُّها تُحيلُهَا يدُ الطِّفلِ الضَّئيلةِ إلى جنونٍ بالغٍ وفوضى عارمةٍ وخلقٍ جديدٍ ملوَّنٍ وحرٍّ تمامًا وجميلٍ... ويقولُ شيئًا.

وإنِّي أنتظرُ...

أخوك/ م.


الساعة الآن 01:05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.