![]() |
سحر الرمال
السحابة الباردة التي كانت تمطر في ذلك الريف رحلت , مطرها الأخير وأنا بعيدة كان صامت , وسكراتها الهادئة لم تعلن أكثر من ذلك , ما إن وصلت إلا وقد امتصتها التربة , لأجد جسد بارد بلا روح أقبُّله في شيء كبير لا يوصف , شيء أكبر من إنني أبكي أو أتنفس , شيء تلعثم لديه لساني حتى عن قول الوداع أو .. أو إن أقبّلها في حرارة ..
العجيب في الأمر إنني عندما غادرت , عائدة لمدينتي , كان الرمال المُمتد على طول الطريق يمتص مني بعض الحزن , وكأن يقول لي وأنا أسمر نظراتي به وهرباً إليه , أنا الرحيل , كأن يقول لي الجسد الذي تبكيه مضموم لدي وروحه لازالت تحبك , لكنها سلمت أمرها وصعدت , كما عاشت في غربة وماتت في غربة وهي في مسقطها , كان يحسسني بشيء يخفض الحزن قليلاً ويمنحني بعض من الاطمئنان , ما كُنت أدري إن للرمال سحراً , لكنني عندما التفت له , قصر التنهيدات ووسع مساحة ما بالجوف , كان ينسيني لحظات استحضرها حين فوات الأوان , أبوح بها للجدار الذي نحت كل الملامح , وتعانق نظراتي الزوايا , تجتمع في داخلي أشياء كثيرة , أنا لا أتقن وصفها , لكنها كانت تمارس ضغطاً قاسياً , كانت الطاولة حينها تتكلم والسرير يتكلم والباب , الصوت الخافت المبحوح الذي يودعني شيء فشيء كان ولم أحسس به أرتفع صوته , كان أكثر وضوحاً من كل مرة , كان يشكل الصورة المتعبة وهي في ضحكة تلاشت في الأيام الأخيرة لكنها كانت على ذات السرير فلا يكُن بوسعي إلا الحُزن , تنتقل نظرتي لسرير مجاور , تتوسدها ذكرى أخرى , عندما كُنت أحضر لديه وأوقظ صاحبته النائمة تمطر فرحاً , فأرى ما سمعت عن دموع الفرح , كان أصدق تعبيراً من صوتها المُتعب الذي لا أستطيع سماعه , من صوتها الذي أعطته للفقد الكبير حتى تآكل في غربة أحباب , من صوتها الذي لم يبوح بحاجته للحنان عندما رأى إن صوت الرياح أعلى منه , عندما تكبد من أسماء عشق مناداتها السفر الطويل والمجيء القصير الذي لا تكفي ساعاته المعدودة ليتمرن الصوت , وعندما يبدأ النطق يجد الحقائب قد حُزمت .. في الرمال حنان , وفي تشكل خيوطه وارتفاعها وانخفاضها وامتداده , يجدد الذكرى بلطف وهو قريب من السماء الصافية في بُعد النظر , يعمق رائحة الراحلين , فأتذكر شال رأسها وتجاعيد وجهها وقميصها الخفيف وجلستها العجوز دون إن تسمع حواسي الحشرجة .. فإذا أردت تخفيف وطأة الفراق امتطي السفر في طرق أرصفتها الرمال طول وعرض , فالرمال الذي جلب الخوف مرات , كان بالأمس لي كعشب يسر الناظرين لكن بلون التراب , فلقد نفضت ما بي وودعتها قبل دخول تعتيم المساء . سلمى الغانمي |
،* فيِ براثن الشَوق لَواعج الفَقد تَعْتريِنا فـ تجتَاحُنا أنسامهم كل صبَاحٍ و مسَاء..... ____ سلمى الجميلة .. يسحرني بل يجذبني قلمكِ دوماً ولا زلتُ ثَملة بحَانة كتَاباتكِ دمتي نبراساً للادب و لكِ مني الحب:2006102523424873: |
سلمى الغانمي
حبرتي مساء الورد فشكرا |
الساعة الآن 12:15 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.