![]() |
أمْـــرٌ اسْــتــثـــنــائيّ !!
.....كانا يجلسان وسط المكتبة ، يتنقلان بين نظريات التحليل و المدارس الفلسفية ، هو يقول نصف الجملة و هي تكملها دون أن تفكر بما قاله حتى !
سألها : إحنا شو يا ليلى ؟ أجابته : نارٌ و ماء هزّ رأسه موافقا : ولن نجتمع أبدا دون أن يقضي أحدنا على الآخر أجابته : لن يحدث ذلك إذن ! .....حدث الأمر عندما كانت تجلس في قاعة الدرس ، تدون ما تيسر لها من ملاحظات مفهومة من دكتور لا يتحدث إلا الإسبانية ، دخل هو متأخرا ، و تهالك قربها في أول مقعد متاح ، بقيت هادئة جدا ، لم تزعجها رائحة عطره الممزوجة بالعرق ، ولا الملجدات الأربعة التي رماها على كفّ مقعدها ، اقتضبت ملامح وجهها رغما عنها ، ولكنها رسمت ابتسامة هادئة ، ناولته كتبه و أعادت توجيه جلستها متأقلمة مع الوجود الفيزيائي لجسده الضئيل . كانت الأمور جيدة جدا ، حتى طرح سؤاله الأول ! .....سأل سؤاله ، ساد الصمت لحظة ثمّ تسرّبت ضحكات مكتومة في أرجاء القاعة ، أولها كانت بادية على وجه الإسباني الكئيب ! لقد كان أخنفا !! .....اتسعت حدقتا عينيها ، و انحنى فمها للأعلى قليلا ، حاولت استجماع جدّيتها لأنها الأكثر قربا منه ، لكنّها ـ ولأنها الأكثر قربا منه ـ لم تستطع أن تفعل شيئا سوى تغطية وجهها و الالتفاف بعيدا عنه لتطلق العنان لدمعات الضحكات المكبوتة بالانهمار كالشلال مفسدة بذلك تبرّجها الخفيف . .....دقيقتان أو أقل ، ثم استعاد من في القاعة وعيهم ، ربما كانوا قد انتهوا من الضحك ، لكنّها كانت قد أحسّت بالذنب تجاهه ، دار في رأسها العديد من الأفكار حول نشأته والسخرية التي تعرّض لها طيلة حياته ، لكنّ الجميع ، الجميع دون استثناء اعتدلوا في جلساتهم عندما تابع حديثه وكأنّ شيئا لم يكن . .....شعرت بأنّ لها حجما صغيرا جدا أمام ذلك العملاق ، لم ترفّ عينٌ له ، و لم يهتزّ صوته ، لم يبلع بقية حديثه ، ولم يخرج باكيا من القاعة كما كانت لتفعل ! لقد ثبت تماما؛ بنظراته و صوته و جلسته . .....في الحقيقة لم يفهم أحد سؤاله و لم يحصل هو على جوابٍ له رغم صياغته بأكثر من طريقة ، مخارج الحروف لديه كانت مُتلفة تماما . .....في الاستراحة : التفت إليها و كرّر عليها ذات السؤال ، لم تفهم كلامه لكنّها ميّزت أنّ لكلماته ذات اللحن الذي ردّده في سؤاله ، ابتسمت له و ناولته ورقة و أومأت بنظرها للقلم بيده . .....كتب سؤاله على الورقة ، وقد كان سؤالا ذكيا جدا ، لو وُظف في مكانه لغيّر مجرى الملل بأجمعه في تلك المحاضرة الكئيبة . .....تناقشت معه بصعوبة بالغة ، و تردّدت كلمات مثل : آه ، آها ، ممكن ، آه ، بجوز ، عالأغلب ! .....توالت المحاضرات و التزم هو بمكانه قربها لأنّها كانت لطيفة بحيث لم تُدر له ظهرها كبقية الزملاء ، و صار الورق مرسول التفاهم بينهما و نافذة التفاعل . كتبت له مرّة : شو يللي صاير فيك ؟! كتب لها : بحكيلك بعدين قرأتها ، و تلاقت نظراتهما ليضحكا معا ، كان من غير الوارد أن تفهم ما سيحكيه لها ! .....لكنّها فهمت ، لقد تحدث بصعوبة بالغة ، أخبرها عن سبب خروج الكلام بهذا الشكل و شعرت للمرّة الثانية بأنّها رغم قوامها الرشيق أقلّ أهميّة من حشرة تمشي على الأرض أمامه ! كان على دين غير دينها فارتاحت له أكثر ، كان يفهمها تماما و تفهمه أكثر ، باجتماعهما يمزجان الذكاء و الخطورة ، المزاح و اللّذع ، البراءة والخداع . .....للأمانة : كلاهما كان ماكرا جدا ، و الجلوس معهما يُصيب سامع الحديث بنوبة صداعٍ حادّة . .....لم يتواعدا مرّة على لقاء ، كانا يغيبان بالأشهر عن بعضهما ثمّ يلتقيان فجأة بلا عتاب ولا اشتياق ، يخوضان الأحاديث وكأنّما افترقا بالأمس ، و يفترقان بابتسامة كأنّهما سيلتقيان حتميا كلّ يوم ! .....في وقت الاختبارات كانا يُذاكران معا ، هو يحفظ الكثير الكثير من المعلومات بينما هي تنتقي ما تُحسّ بأهمّيته ، يُعلن حالة من التوتر العام بكثرة مجيئه و ذهابه ، و هي تعيد التوازن بثباتها ويقينها ، لم يكونا متشابهين بأيّ شيء ! سألتها رفيقة لها : شو بقعدك مع هالكائن ! أجابتها : أنّ له كيانٌ على عكسك !! .....لم تتحدث الألسنة عنها لأنّها كانت قوية جدا ، ولها مهابتها بين الجميع ، اعتبر أمرهما ضمن سياق الزمالة القوية لأنّ أحدا لم يرغب في أن يخوض مواجهة مع أخنفٍ و سليطة لسان ! .....كانا يتشاركان الطعام على اختلافه : كوب من القهوة له و آخر من الذرة لها ! .....قدّمت له مرّة قطعتين من البسكويت : أكل واحدة ثمّ تذكّر أن يعطيها الثانية قالت له : بقدرش ، مسمومة فسمّم لها علبة بأكملها ردا للدين ! .....كان ما بينهما غير مفهوم إطلاقا حتى بالنسبة لهما ! لكنّ كلأ منهما وجد في الآخر مرآته ، النظرات الحادة ذاتها ، الذكاء المتّقد ، المكر الخطر ، و القدرة على سبر غور النفس بشفافية . كان كلٌّ منهما انعكاسا للآخر ، كان كلٌّ منهما أكبر مخاوف الآخر ! .....اعتبر كلّ منهما أنّ الآخر لجام أفكاره المتطرفة ، والقيد الذي يحوي سطوة و طغيان شخصيّته بتعقّل ! .....اليوم ، و بعد ستّة أعوام ، ما يزالان يكملان الجمل ، و يلتقيان صدفة دون عتاب أو اشتياق ! و يتودّعان بابتسامة اللقاء المحتوم ! |
قصة مشوقة لآخر حرف ياروح .. تشد من بدايتها لنهايتها .. وتردك كما بدأتها كأنها أحجية سيميائية. لغة جميلة جدا وإن كان بها بعض التجاوزات مثل: مع أخنف َ ممنوعة من الصرف لا تنون، وللأنثى تقال على وزن فعلاء خنفاء... شكراً يا روح |
اقتباس:
سرّني أنّ هذا السّرد قد نال استحسانك ، وبالنسبة للملاحظة النحوية : فأشكرك للتنبيه .. هذه معلومة أخرى قد اكتسبتها منك .. سأُجري تعديلا على الأصل لديّ حالا .. إن كان هناك مزيد من الملاحظات النقدية فأرجوك : لا تبخل بها .. الشّكر لك بالبدء |
مزيد من التصويب بناءً على طلبكِ أختاه: روح.
لقد كان / (مع) أخنف َ (تنصب بالفتحة لا التنوين لأنها ممنوعة من الصرف) كان كلاًّ منهما |
جميلة يا روح , سردٌ مشوّقٌ يوقظُ السّؤال : ماذا بعد! و يفتح للخيال باباً واسعاً على الاحتمالات. طِبتِ :34: |
اقتباس:
تمّ التعديل على الأصل ، و ليت أنّ بالإمكان التعديل هنا .. شكرا لك ، لا أدري كيف هفوت عن مثل هذا !! أفضالك كثيرة عليّ ، لا عدمتك .. اقتباس:
حضورك يسرّني ، و الاحتمالات تُضيف تحفيزا إضافيا للفكر كي يُعمل البحث ، والتخمين .. شكرا لكِ :34:... |
جميل يا روح سرد مشوق وممتع وبالفعل كما سألت أختي منال .. وماذا بعد .؟ هل من الممكن أن يلتقي النار بالماء دون أن يقتل احداهما الاخر .! |
الساعة الآن 04:53 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.