منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   أمْـــرٌ اسْــتــثـــنــائيّ !! (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=28852)

رُوح 11-26-2011 10:24 AM

أمْـــرٌ اسْــتــثـــنــائيّ !!
 
.....كانا يجلسان وسط المكتبة ، يتنقلان بين نظريات التحليل و المدارس الفلسفية ، هو يقول نصف الجملة و هي تكملها دون أن تفكر بما قاله حتى !

سألها : إحنا شو يا ليلى ؟
أجابته : نارٌ و ماء
هزّ رأسه موافقا : ولن نجتمع أبدا دون أن يقضي أحدنا على الآخر
أجابته : لن يحدث ذلك إذن !

.....حدث الأمر عندما كانت تجلس في قاعة الدرس ، تدون ما تيسر لها من ملاحظات مفهومة من دكتور لا يتحدث إلا الإسبانية ، دخل هو متأخرا ، و تهالك قربها في أول مقعد متاح ، بقيت هادئة جدا ، لم تزعجها رائحة عطره الممزوجة بالعرق ، ولا الملجدات الأربعة التي رماها على كفّ مقعدها ، اقتضبت ملامح وجهها رغما عنها ، ولكنها رسمت ابتسامة هادئة ، ناولته كتبه و أعادت توجيه جلستها متأقلمة مع الوجود الفيزيائي لجسده الضئيل .
كانت الأمور جيدة جدا ، حتى طرح سؤاله الأول !

.....سأل سؤاله ، ساد الصمت لحظة ثمّ تسرّبت ضحكات مكتومة في أرجاء القاعة ، أولها كانت بادية على وجه الإسباني الكئيب !
لقد كان أخنفا !!

.....اتسعت حدقتا عينيها ، و انحنى فمها للأعلى قليلا ، حاولت استجماع جدّيتها لأنها الأكثر قربا منه ، لكنّها ـ ولأنها الأكثر قربا منه ـ لم تستطع أن تفعل شيئا سوى تغطية وجهها و الالتفاف بعيدا عنه لتطلق العنان لدمعات الضحكات المكبوتة بالانهمار كالشلال مفسدة بذلك تبرّجها الخفيف .

.....دقيقتان أو أقل ، ثم استعاد من في القاعة وعيهم ، ربما كانوا قد انتهوا من الضحك ، لكنّها كانت قد أحسّت بالذنب تجاهه ، دار في رأسها العديد من الأفكار حول نشأته والسخرية التي تعرّض لها طيلة حياته ، لكنّ الجميع ، الجميع دون استثناء اعتدلوا في جلساتهم عندما تابع حديثه وكأنّ شيئا لم يكن .

.....شعرت بأنّ لها حجما صغيرا جدا أمام ذلك العملاق ، لم ترفّ عينٌ له ، و لم يهتزّ صوته ، لم يبلع بقية حديثه ، ولم يخرج باكيا من القاعة كما كانت لتفعل !
لقد ثبت تماما؛ بنظراته و صوته و جلسته .

.....في الحقيقة لم يفهم أحد سؤاله و لم يحصل هو على جوابٍ له رغم صياغته بأكثر من طريقة ، مخارج الحروف لديه كانت مُتلفة تماما .

.....في الاستراحة : التفت إليها و كرّر عليها ذات السؤال ، لم تفهم كلامه لكنّها ميّزت أنّ لكلماته ذات اللحن الذي ردّده في سؤاله ، ابتسمت له و ناولته ورقة و أومأت بنظرها للقلم بيده .

.....كتب سؤاله على الورقة ، وقد كان سؤالا ذكيا جدا ، لو وُظف في مكانه لغيّر مجرى الملل بأجمعه في تلك المحاضرة الكئيبة .

.....تناقشت معه بصعوبة بالغة ، و تردّدت كلمات مثل : آه ، آها ، ممكن ، آه ، بجوز ، عالأغلب !

.....توالت المحاضرات و التزم هو بمكانه قربها لأنّها كانت لطيفة بحيث لم تُدر له ظهرها كبقية الزملاء ، و صار الورق مرسول التفاهم بينهما و نافذة التفاعل .
كتبت له مرّة : شو يللي صاير فيك ؟!
كتب لها : بحكيلك بعدين
قرأتها ، و تلاقت نظراتهما ليضحكا معا ، كان من غير الوارد أن تفهم ما سيحكيه لها !

.....لكنّها فهمت ، لقد تحدث بصعوبة بالغة ، أخبرها عن سبب خروج الكلام بهذا الشكل و شعرت للمرّة الثانية بأنّها رغم قوامها الرشيق أقلّ أهميّة من حشرة تمشي على الأرض أمامه !
كان على دين غير دينها فارتاحت له أكثر ، كان يفهمها تماما و تفهمه أكثر ، باجتماعهما يمزجان الذكاء و الخطورة ، المزاح و اللّذع ، البراءة والخداع .

.....للأمانة : كلاهما كان ماكرا جدا ، و الجلوس معهما يُصيب سامع الحديث بنوبة صداعٍ حادّة .
.....لم يتواعدا مرّة على لقاء ، كانا يغيبان بالأشهر عن بعضهما ثمّ يلتقيان فجأة بلا عتاب ولا اشتياق ، يخوضان الأحاديث وكأنّما افترقا بالأمس ، و يفترقان بابتسامة كأنّهما سيلتقيان حتميا كلّ يوم !

.....في وقت الاختبارات كانا يُذاكران معا ، هو يحفظ الكثير الكثير من المعلومات بينما هي تنتقي ما تُحسّ بأهمّيته ، يُعلن حالة من التوتر العام بكثرة مجيئه و ذهابه ، و هي تعيد التوازن بثباتها ويقينها ، لم يكونا متشابهين بأيّ شيء !

سألتها رفيقة لها : شو بقعدك مع هالكائن !
أجابتها : أنّ له كيانٌ على عكسك !!

.....لم تتحدث الألسنة عنها لأنّها كانت قوية جدا ، ولها مهابتها بين الجميع ، اعتبر أمرهما ضمن سياق الزمالة القوية لأنّ أحدا لم يرغب في أن يخوض مواجهة مع أخنفٍ و سليطة لسان !

.....كانا يتشاركان الطعام على اختلافه : كوب من القهوة له و آخر من الذرة لها !
.....قدّمت له مرّة قطعتين من البسكويت : أكل واحدة ثمّ تذكّر أن يعطيها الثانية
قالت له : بقدرش ، مسمومة
فسمّم لها علبة بأكملها ردا للدين !

.....كان ما بينهما غير مفهوم إطلاقا حتى بالنسبة لهما ! لكنّ كلأ منهما وجد في الآخر مرآته ، النظرات الحادة ذاتها ، الذكاء المتّقد ، المكر الخطر ، و القدرة على سبر غور النفس بشفافية .
كان كلٌّ منهما انعكاسا للآخر ، كان كلٌّ منهما أكبر مخاوف الآخر !
.....اعتبر كلّ منهما أنّ الآخر لجام أفكاره المتطرفة ، والقيد الذي يحوي سطوة و طغيان شخصيّته بتعقّل !

.....اليوم ، و بعد ستّة أعوام ، ما يزالان يكملان الجمل ، و يلتقيان صدفة دون عتاب أو اشتياق ! و يتودّعان بابتسامة اللقاء المحتوم !

عبدالإله المالك 11-27-2011 03:34 PM

قصة مشوقة لآخر حرف ياروح .. تشد من بدايتها لنهايتها .. وتردك كما بدأتها
كأنها أحجية سيميائية.
لغة جميلة جدا وإن كان بها بعض التجاوزات مثل: مع أخنف َ ممنوعة من الصرف لا تنون، وللأنثى تقال على وزن فعلاء خنفاء...

شكراً يا روح

رُوح 11-27-2011 04:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالإله المالك (المشاركة 763399)
قصة مشوقة لآخر حرف ياروح .. تشد من بدايتها لنهايتها .. وتردك كما بدأتها

كأنها أحجية سيميائية.
لغة جميلة جدا وإن كان بها بعض التجاوزات مثل: مع أخنف َ ممنوعة من الصرف لا تنون، وللأنثى تقال على وزن فعلاء خنفاء...


شكراً يا روح

أهلا بأستاذي العزيز ..
سرّني أنّ هذا السّرد قد نال استحسانك ، وبالنسبة للملاحظة النحوية : فأشكرك للتنبيه .. هذه معلومة أخرى قد اكتسبتها منك .. سأُجري تعديلا على الأصل لديّ حالا ..
إن كان هناك مزيد من الملاحظات النقدية فأرجوك : لا تبخل بها ..


الشّكر لك بالبدء

عبدالإله المالك 11-28-2011 12:23 AM

مزيد من التصويب بناءً على طلبكِ أختاه: روح.

لقد كان / (مع) أخنف َ (تنصب بالفتحة لا التنوين لأنها ممنوعة من الصرف)
كان كلاًّ منهما

د. منال عبدالرحمن 11-28-2011 09:39 AM

جميلة يا روح , سردٌ مشوّقٌ يوقظُ السّؤال : ماذا بعد!
و يفتح للخيال باباً واسعاً على الاحتمالات.

طِبتِ :34:

رُوح 11-28-2011 05:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالإله المالك (المشاركة 763485)
مزيد من التصويب بناءً على طلبكِ أختاه: روح.

لقد كان / (مع) أخنف َ (تنصب بالفتحة لا التنوين لأنها ممنوعة من الصرف)
كان كلاًّ منهما


تمّ التعديل على الأصل ، و ليت أنّ بالإمكان التعديل هنا ..
شكرا لك ، لا أدري كيف هفوت عن مثل هذا !!
أفضالك كثيرة عليّ ، لا عدمتك ..

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. منال عبدالرحمن (المشاركة 763513)
جميلة يا روح , سردٌ مشوّقٌ يوقظُ السّؤال : ماذا بعد!

و يفتح للخيال باباً واسعاً على الاحتمالات.


طِبتِ :34:

أهلا بكِ دكتورة ..
حضورك يسرّني ، و الاحتمالات تُضيف تحفيزا إضافيا للفكر
كي يُعمل البحث ، والتخمين ..

شكرا لكِ :34:...

غدير المشاعر 12-01-2011 08:50 AM

جميل يا روح
سرد مشوق وممتع
وبالفعل كما سألت أختي منال .. وماذا بعد .؟
هل من الممكن أن يلتقي النار بالماء دون أن يقتل احداهما الاخر .!


الساعة الآن 04:53 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.