منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   قصة الأمس: جرحٌ أزرق.. (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=35446)

صالحه حسين 06-11-2015 10:59 AM

قصة الأمس: جرحٌ أزرق..
 

صَوْتٌ.. مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى، يَعْتَنِقُ ذِكْرَيَاتٍ لَا تَبُورُ،
يَخِرُّ لَهَا الحَنِينُ وَجْدًا. صَوْتُ نِدَاءِ الرُّوحِ المُعَتَّقَةِ، تَحْمِلُه المَرَايَا فِي عُرُوقِ المَاءِ،
تُلْبِسُنِي اِبْتِسَامَةً حَافِيَةً، لِأَهْزِمَ طَلَائِعَ الذِّكْرَى، وَأَتَنَفَّسَ مِنْ بَيْنَ شُقُوقِ المَسَامَاتِ،
وَأُسْنِدَ ظَهْرَ الشَّوْقِ لِرَجْفَةٍ تَتَوَسَّدُ خَصْرِي، وَأَفَكَّ أَسْرَ مَشَاعِرَي القَابِعَة خَلْفَ السُّكُونِ.

لَمْ تَكُنْ زِيَارَتِي لِلبَيْتِ القَدِيمِ عَلَى أَطْرَافِ المَدِينَةَ سِوَى الحَنِينِ لِجَدَّتِي، وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ قَدَمِي الَّتِي تَقُودُنِي بَيْنَ تَعَرُّجَاتِ المَاضِي وَتَمَوُّجَاتِه تَطْبَعُ عَلَى خُطُوَاتِي عَثَرَاتٍ تُسَيِّلُ مِنْهَا المَسَافَاتِ، وَتَتْبَعُ أَوَامِرَ قَلْبِي الَّذِي أَتَى بِهِ الحَنِينُ ليَمُور مَوْرًا عَلَى طَلَلٍ قَدِيمٍ يَنْزَلِقُ بَيْنَ الرِّمَالِ. شَعَرْتُ وَكَأَنِّي أَعُودُ لِلخَلْفِ سِنِينَ بَاهِتَةٍ.. تَتَزَاحَمُ حَوْلَ نُقْطَةٍ صَنَعْتُهَا بِسَبَّابَتِي، تَصْلِبُ نَكْهَةَ الجُرْحِ الَّذِي مَا زَالَ يَدْمِي عَلَى فِرَاقِ تِلْكَ المَرْحَلَةِ مِنْ عُمْرِي، حَتَّى اِصْفَرَّتِ القُلُوبُ مِنْ الجَوَى.

وَقَفْتُ عَلَى أَطْلَالِ تِلْكَ الدَّارِ الطِّينِيَّةِ الأَثْرِيَّةِ الأَبِيَّةِ، أَشُمُّ عَبَقًا مِنْ رَائِحَةِ جَدَّتِي، وَأَنَا أَسْمَعُ حِدَاءَهَا تَنْقُلُهُ الرِّيَاحُ، وَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ شُقُوقِ الجُدْرَانِ الَّتِي تُخْبِرُنِي أَنَّهَا شَامِخَةٌ صَامِدَةٌ خَالِدَةٌ مُخَلَّدَةٌ، يَتَكَاثَرُ حَوْلَهَا الوَقْتُ المُزْدَحِمُ بِعُيُونِ الخَرِيفِ الَّذِي وَلَّى وَتَرَكَ عَبَاءَتَهُ تَسْتَظِلُّ الدَّارُ بِهَا، وَأُصْبَعَهُ يَخْدِشُ اللَّيْلَ حَتَّى يُسَفِرَ عَنْهُ وَجْهُ الصَّبَاحِ قَبْلَ أَنْ تُشْرِقَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.
وَقَفْتُ أَسْمَعُ عَوِيلَ النَّوَافِذِ وَتَلَاطَمَ الفَرَاشَاتِ وَصَهِيلَ الأَبْوَابِ المُمَزَّقَةِ، تَخْتَنِقُ بِأَنِينِهَا كُلَّمَا عَبَرَتْهَا الرِّيَاحُ مُثَقِّلَةً بِذِكْرَيَاتٍ تَعْزِفُ نَايًا يَتِيمًا، وَكَأَنَّهَا شَعَرَتْ بِحَرَارَةِ جَسَدِي تُخْبِرَنِي عَمَّا فَعَلَهُ بِهَا الزَّمَنُ، حَتَّى بِاتَ الوَقْتُ الأَعْرَجُ يُؤَجَّجُ قَوَاحِلَ صَدْرِي.

كُنْتُ هُنَاكَ أَنْسُجُ مِنْ ضَفَائِرِ جَدَّتَيْ الحُبِّ، وَمِنْ أَصَابِعِهَا غِذَاءَ الرُّوحِ، وَمِنْ صَدَى أَنْفَاسِهَا أَعْجِنُ فِي فَمِي أُغْنِيَّةً مَغْمُورَةً كَانَتْ تُسْكِنُ ذَاكِرَتِي، وأُبَلِّلُ غَيْبُوبَتِي بالوَدَقِ، وَيَتَآكَلنِي جِذْعُ الحَنِينِ، وَأُفْرِغُ جُيُوبِي مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي طَالَمَا لَسَعَتْنِي بِحَرِّهَا، وَأَتَسَاءَلُ كَمْ بُقِيَ لِي مِنْ هَزَائِمِي الَّتِي لَمْ يَرْصُدْهَا الزَّمَنُ؟.

أَقِفُ عَلَى بُعْدِ ظَمَأٍ مِنْ رَمْلٍ تَحْتَ الأَعْمِدَةِ البَاهِتَةِ المَبْهُوتَةِ، أَضَعُ يَدِي عَلَى تُخُومِ المَبَانِي القَدِيمَةِ المَكْبُوتَةِ، لِأَمْنَحَهَا بَعْضًا مِنْ حَيَاةٍ، وَأُنْشِئُ مِنَ الظِّلِّ بُكَاءً وَأَنَا أَهُزُّ جِذْعَ المُقَلِ، وَنُبُوءَاتُ الوَقْتِ تَسْرِي فِي دَمِي، تَنْصَهِرُ فِي بُوتَقَةِ مَاضٍ مَرَّ بِجَانِبِي وَوَلَّى، وَكَثِيرُ تَفَاصِيلَ تَشَرْذَمَتْ وَتَبَرَّمَتْ وَتَوَرَّمَتْ وَسَقَطَتْ وَانْدَثَرَتْ.

أَشْعُرُ بِالذُّهُولِ...
بَينَمَا وَقَفْتُ أَتَأَبَّطُ ذِرَاعَ اللَّيْلِ القَادِمِ مِنْ خَلْفِ السَّحَابِ، وَأَجُرُّ خُيُوطَهُ جَرًّا، لِأَخِيطَ بِهَا أَصَابِعَ الشَّمْسِ لَعَلَّهَا تَصْنَعُ لِي عِقْدًا مِنْ ظِلَالٍ، أَبْحَثُ عَنْ نَسَمَةٍ يَتِيمَةٍ وَمِرْآةٍ بِهَا شَرْخٌ تَدَثَّرَتْ بأَسْمَالِ الغَيْمِ، أَهْذِي لِلأَزِقَّةِ خَلْفَ الشَّوَارِعِ المَنْسِيَّةِ، وَصُرَاخِ الرِّمَالِ يَلُوحُ فِي الأُفْقِ، يَحْمِلُ زَنَابِقَ رَمْلِيَّةٍ.


البُكَاءُ وَحْدَهِ لَا يَكْفِي...
فَفِي دَاخِلِي جُرْحٌ أَزْرَقُ، ذَابِلٌ كَالظَّلَالِ، يَتَسَاقَطُ بَوَادٍ غَيْرَ ذِي رُوحٍ، يُغَنِّي أُغْنِيَّةَ الأَحْرَاشِ، يَجْمَعُ مَا تَبَقَّى مِنْ حَنِينِي، وَأَجْرَاسُ اللَّيْلِ تُنَادِي كُلَّمَا تَغَرْغَرَتِ المَآذِنُ بِالذِّكْرَى، سَأَعُودُ أَمْتَطِي المَسَافَةَ الَّتِي تَحْمِلُ آثَارَ أَقْدَامِي وَأَنَا أُرَاوِغُ اللَّيْلَ، لِأَمُدَّ رِجْلِي عَلَى قَدْرِ البُؤْسِ الَّذِي سَكَنَ مَوَاسِمَ وَجْهِي، فَمَنْ يَقْطِفُ المَوَاجِعَ المُدَبَّبَةِ مِنْ فَوْقِ مَوَائِدِ الرُّوحِ!.

صالح الحريري 06-11-2015 11:03 AM

حرف برائحة الطين ...وعبق الذكريات القابعة في خزائن السنين ....!

لغتك حرف ماطر ....
مطرك أبجدية باذخة يا صالحة ...

طلعت قديح 06-11-2015 01:53 PM

حرفٌ شجي بطعم الزرقة المخضبة بحناء الذكريات

وتداخل المشاعر يرسم لنا لوحة مؤلمة لكنها جميلة القسمات . . .

حرفٌ نقي ورائحة الهيل تعبق المكان

تح يتي
القيصـــــــر

رشا عرابي 06-12-2015 06:48 AM

بوحاً يُمسِك بتَلابيبِ الروح حنيناً
يَجترّها هوناً ليَسكبُها في مقلةِ الآن وجداً وأنيناً

" البكاء وحده لا يَكفي " !
ما أجمَلك

الحبية والغالية جداً صالحة حسين
أسدَلتِ على الحرف رِداءَ صدقٍ بحلّةٍ موشّاةٍ بالأناقة

سلمَت الروح منكِ ودام اليَراع ألَقاً

علي الامين 06-12-2015 10:02 AM

الماضي الذي لايبور ولاينضب
دائما يترقرق من شقوق الذاكرة لنعاود الحنين الى اول الطين
هناك تكون الحكايات اعذب والقسمات اوضح تعود مرصعة بجواهر الصدق والنقاء
الاستاذة
صالحة حسين
يراع يشكل الندى كلمات ويصنع من المطر ابجدية
بورك النبض

عبدالرحيم فرغلي 06-12-2015 09:05 PM

كنت أتمنى من هذا المساء أن يهديني هدية ،،، فكان في نصك هديتي ،،،
لي عودة بإذن الله

نادرة عبدالحي 06-14-2015 12:41 AM

كُنْتُ هُنَاكَ أَنْسُجُ مِنْ ضَفَائِرِ جَدَّتَيْ الحُبِّ، وَمِنْ أَصَابِعِهَا غِذَاءَ الرُّوحِ، وَمِنْ صَدَى أَنْفَاسِهَا أَعْجِنُ فِي فَمِي أُغْنِيَّةً مَغْمُورَةً كَانَتْ تُسْكِنُ ذَاكِرَتِي، وأُبَلِّلُ غَيْبُوبَتِي بالوَدَقِ، وَيَتَآكَلنِي جِذْعُ الحَنِينِ، وَأُفْرِغُ جُيُوبِي مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي طَالَمَا لَسَعَتْنِي بِحَرِّهَا، وَأَتَسَاءَلُ كَمْ بُقِيَ لِي مِنْ هَزَائِمِي الَّتِي لَمْ يَرْصُدْهَا الزَّمَنُ؟.


قطعة أدبية كُتبت من نورسين الروح
وجعلت للقارئ جسور يَمرُ عليها ولا يهاب النظر ما تحت الجسور .
صوت لأنثى خُلقت من الحنين نفسه .تعطي بلا كم وتوهب من عمقها
كاتبة أنثى لا تنام بسهولة حتى تُرتبُ الأصوات الصادرة من الماضي هناك الكثير من الحنين
وهنا صور فنية تجعل الفكر يثمل ويعود مرة أخرى للنهلِ بلا ندم.

(البُكَاءُ وَحْدَهِ لَا يَكْفِي...
فَفِي دَاخِلِي جُرْحٌ أَزْرَقُ، ذَابِلٌ كَالظَّلَالِ)

تقول الكاتبة
البكاء وحده لا يكفي صحيح أن البكاء حالة طبيعية تُصيبنا في كثير من الحالات
وتتركنا في كثير من الحالات .هذا البكاء لا يكفي لان في اعماقنا يوجد الكثير الكثير غيره
تكمل كاتبتنا في داخلي جرح أزرق .هذا الجرح الازرق أقوى من الدموع التي تَخرج ولا تعود
هذا الجرح يبقى في العمق أما الجرح لا يشفيهِ البكاء .
وتوصف لنا هذا الجرح
ذَابِلٌ كَالظَّلَالِ،
وتوصف لنا هذا الجرح
يَتَسَاقَطُ بَوَادٍ غَيْرَ ذِي رُوحٍ،
يُغَنِّي أُغْنِيَّةَ الأَحْرَاشِ،
يَجْمَعُ مَا تَبَقَّى مِنْ حَنِينِي،

جليله ماجد 06-14-2015 05:46 PM

هو الحنين إلى ذاك الزمن إلى تلك اللحظة ...
إلى ذاك الطهر الذي تلطخ ...
ﻻ تتغير اﻷمكنة ...
نحن من نفعل !
صالحة
يا له من نص !


الساعة الآن 01:04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.