منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد الشعر الفصيح (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   فقهُ الحياة (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=40254)

طاهر عبد المجيد 12-22-2018 12:53 AM

فقهُ الحياة
 
فقهُ الحياة
د. طاهر عبد المجيد

ما اخترتُ رغْمَ جَمالِها أن آتي
لكنْ أَتَيْتُ ولم تُفِدْ لاءاتي

فنُّ السِّباحة لا أُجيدُ أُصولهُ
في لُجَّةِ الدنيا ولا في ذاتي

لم أَدْرِ حين وُهِبْتُ عقلي أَنَّني
أُعطِيتُ بُوصَلَةً وطَوْقَ نَجَاةِ

أبحرتُ كَرهَاً والشراعُ يقولُ لي
إن اتجاه الريح غير مواتِ

وعلى الطريق تملَّكتني فكرةٌ
لِمَ لا أَعيشُ مُحلِّقاً بصفاتي

وأُغادرُ الدنيا بغير خطيئةٍ
أو هَفوةٍ من أصغرِ الهَفَوَاتِ

عَلِّي أَصونُ كرامتي وأَحبَّتي
من ظالمٍ أو مستبدٍ عاتي

وأَعيشُ قُرْبَ سعادتي بسعادةٍ
في هذه الدنيا وبعد مماتي

سحرُ الكمالِ يشدُّني شوقاً إلى
ربِّي الذي ألقاهُ في صلواتي

فَتَّشْتُ عن فقهِ الحياةِ فلَمْ أجدْ
أَحَداً يُعلِّمني سوى عَثَرَاتي

فرفضتُها وحَشَدْتُ وقتي كلَّهُ
وقرأتُ ما في الكونِ من آياتِ

وَشَربْتُ عِلْمَ الأوَّلين عُصارةً
وَسَقَيتُ ما لمْ يَبْقَ منهُ دَوَاتي

ودَخلتُ ذاتي «بالكتابِ» مُجَاهِداً
ذاتي إلى أن آمنَتْ شُبُهَاتي

وأتى يُبايُعني بغيرِ ترددٍ
ما ضَلَّ أو ما ارتدَّ من رَغَباتي

وكأنَّ شيئاً ما يقومُ بثورةٍ
في داخلي تجري على وَثَبَاتِ

شيءٌ يُفكَّكُني بكلِّ عِنايةٍ
ويُعيدُ تركيبي بكلِّ أناةِ

فبدأتُ أُبصرُ ما وراءَ توقُّعي
وكأنَّني أُعْطيتُ عِلْمَ الآتي

والحقُّ أصبح حين يبدأُ جولةً
يأتي إليَّ ليمتطي كلماتي

وَظَنَنْتُ أنِّي بَعْدَ هذا كلِّهِ
سأعيشُ معصوماً من الزلاَّتِ

لمْ أُصغِ للشَّكِّ الذي لم يدَّخر
جهداً لنُصحي مُعظَم الأوقاتِ

بلْ قلتُ: دَعْكَ من النصائحِ كلِّها
لا وقتَ عندي الآن للإنصاتِ

إنِّي سأخرجُ للحياةِ وفي يدي
كلُّ الذي أَحْتَاجُ من أَدواتِ

ها قد تَعَلَّمتُ الحياةَ وأصبحتْ
عَقَبَاتها في الشَّكْلِ كالعَقَباتِ

كلُّ النُّصوص معي وقد فهرستُها
بطريقةٍ تُغني عن الخِبْرَاتِ

أصلحتُ من شأني الذي أَهملتُهُ
ونَظَرْتُ كالمذعورِ في مِرآتي

لمْ أَدْرِ أنِّي من يُحدِّقُ بي وقدْ
أَبصَّرتُ وجهاً باهِتَ القَسَمَاتِ

فسألتُها مُتَلَعْثِماً منْ يا تُرى
هذا الذي حارَتْ به نَظَرَاتي؟

هو أَنْتَ قالتْ قُلْتُ أين ملامحي
بلْ كيف غارت هكذا وَجَنَاتي؟

ومتى استردَّ الدَّهرُ شَعْري تاركاً
لي نِصف رأسي أجرداً كَفَلاةِ؟

أَتُراهُ شَعْري ما دَأَبْتُ أُزيلُهُ
عن وجهِ ما قَلَّبتُ من صَفَحاتِ؟

قالتْ: لَعلَّكَ قد شُغِلْتَ بها ولمْ
تَشعُرْ بما وَلَّى من السَّنواتِ

خَيلُ الزَّمان جرى أمامَكَ كيف لمْ
تُسرِعْ لِتَركبَ آخِرَ العَرَباتِ

لا شيءَ في هذا الزَّمانِ بثابتٍ
أبداً سوى جَريانهِ بثباتِ

إنِّي لأَعجبُ كيف مثلُكَ لم يَمتْ
من طولِ لَدغِ عقاربِ السَّاعاتِ

لا أَنتَ حيٌّ يُرْتَجَى بمُلِمَّةٍ
أبداً ولا مَيْتٌ مِنَ الأَمواتِ

أُعْطِيْتَ مثلَ سِواكَ عُمراً كافياً
لِلخلْقِ لكنْ عِشتَهُ كَنَباتِ

قُلتُ: اسكتي لا تَجلديني بَعدما
أَحْرَقْتِ قلبي في لَظَى آهاتي

فإذا بِباب الدَّارِ يَسْأَلُ طارقٌ
عنِّي بصوتٍ ليس كالأصواتِ

فَصَرختُ: مَنْ بالبابِ بعدَ تَردُّدٍ
فَأَجابني: أنا هادمُ اللَّذَّاتِ

ماذا...؟ ومَرَّ شريطُ عُمري كلُّه
في خاطري كالبرقِ في الظُّلماتِ

ورأيتُ أحلامي وما شيَّدتهُ
لسعادتي ينهار في لحظاتِ

وكأنَّ زلزالاً أصاب إرادتي
في مَقْتَلٍ فاستسلمت خطواتي

قلتُ انتظرْ سَأَجيءُ يبدو أنَّني
أَنْفَقتُ في فِقهِ الحياةِ حَياتي


حمد الدوسري 12-22-2018 01:09 AM




ماشاء الله تصوير وترجمة
وتفاصيل وفكر وحكمة
الله يرحما برحمته
ويجزاك الف خير
طبت وطاب مسعاك
هذا الشعر اللي يستفاد منه
الكلمات قاصرة تعبر عن
وصفي لجمال القصيدة

إيمان محمد ديب طهماز 12-22-2018 04:15 AM

إن الله عرض علينا الأمانة فأبت أن تحملها الجبال
و قبلناها نحن البشر
أتينا باختيارنا و لكنا لانملك تلك الذاكرة ليكون الإمتحان عادل
ما أجمل هذه القصيدة
و ما أعمق تلك الروح التي صاغتها
و ما أنبل تلك النفس التي تمنت أن تجتاز الحياة بغير خطيئة
و صارعت تقلباتها

أحببت ذلك الحوار الفلسفي العميق الرائع
و أمتعتني تلك القافية الجميلة
ما أجمل قريحتك دكتور طاهر
و ما أروع قلمك
و ما أسعدني و أنا في ضفافك النبيلة
بوركت يا مبدع

رشا عرابي 12-22-2018 12:20 PM

لله أنت!
رغم دسامة الفكرة إلا أنك أوردتها بسلاسةٍ أنيقة
دون حشوٍ أو ابتذال

قصائدك تحمل رسائل هادفة
وقد علق هذا البيت في عيني

أبحرتُ كَرهَاً والشراعُ يقولُ لي
أن اتجاه الريح غير مواتِ



بورك هذا اليراع وهذا الإلهام

ضياء شمس الأصيل 12-23-2018 09:02 AM

...

فقه الحياة


احترامي

...

سيرين 12-25-2018 04:28 PM

تبارك الله .. ما اجمله فقه تجملت به الحياة
وكأنه ميثاق نهتدي به في كافة دروبها
احترت اي شطر اقتبس وجميعها نبراس من ضوء الحكمة
اسلوب مبهر سلس التناغم .. سلمت يمناك شاعرنا المبدع \ طاهر عبد المجيد
دام هذا الغدق الآسر للذائقة
مودتي والياسمين

\..:icon20:

طاهر عبد المجيد 12-27-2018 07:03 PM

أشكرك أخي حمد على هذا التعليق الجميل وأحب أن أصارحك بالقول إنني لم أكتب الشعر كشاعرٍ محترف وإنما كمفكر يريد أن يطوع الشعر للتعبير عن أفكاره وآرائه ومعتقداته التي يؤمن بها والشعر في الأصل لم يوجد لهذه المهمة إنما وجد للتعبير عن الجمال وخلق جمال جديد يضاف إلى الجمال الذي خلقه الله. وإن تطويع الشعر للتعبير عن الفكر مع الاحتفاظ بجمالية الشعر أمر صعب. وأنا بما أنشره من قصائدي أحاول أن أخوض هذه التجربة وأرجو من الله التوفيق ومن القراء وخاصة الشعراء والكتاب التقييم الصحيح دون مجاملة لأعرف مدى نجاحي أو إخفاقي في هذه المهمة الصعبة.
أشكرك مرة ثانية مع خالص تحياتي.

طاهر عبد المجيد 12-27-2018 07:06 PM

شاعرتنا المبدعة إيمان: قبل أن أشكرك على هذا التعليق الرائع أحب أن أصارحك بأنني أحب هذه الطريقة التي تعلقين بها على قصائدي وأنتظر هذا التعليق بشوق لأنني أحس أنك لا تعلقين على القصيدة قبل أن تسبري أغوارها وتكشفي أسرارها وتلتقطي الفكرة الجوهرية في القصيدة. وهذا أعتبره إضافة جميلة منك لقصائدي.
ما أردت قوله في القصيدة أن الحياة فرضت على الإنسان وعليه أن يعيشها قبل أن يتعلم كيف يعيشها ولكنه أعطي الوسائل أو الأدوات. بكلمات أُخرى أقول إن مأساة الإنسان الوجودية تكمن في أنه عليه أن يتعلم فقه الحياة وأن يعيشها في آن معاً وأن معلمه فيها هي أخطاءه وأخطاء الآخرين وأنه حين يتخرج من مدرسة الحياة حاملاً شهادة فقهها فإنه سيخرج من باب الموت. أي طالما الإنسان يعيش فهو في حالة تعلم مستمر كما قال العرب أن العلم من المهد إلى اللحد.
أشكرك على تعليقاتك المميزة ودمت لنا شاعرة وناقدة مع خالص تحياتي.


الساعة الآن 07:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.