ماذا تفعلين في الظل؟
أهرُبُ مِن النور.
أتفرين من الحياة إلى الموت، أتهربين من الجنة إلى الجحيم؟ !
أوتدرين يا صديقتي، لم يعد بمقدوري تصنّع الجذل والحُبور وكأن كل شيء بداخلي على ما يرام، وليس لديّ طاقة تحمل عبء الروح والحياة في ذات الوقت، لأنهما ثقيلان جدًا، إنهما فوق طاقتي. إنّي أحمِلُ في جوفي تسعين جرحًا وألف صرخة، إنّي أحمِلُ على لساني مُديات لا أُريد أن أؤذي بها أحدًا لأني أعرف طبيعة نفسي جيدًا، كلَّما جرحت أحدهم، خلوت بنفسي في ذلكِ اليومِ، وجرحتُ ذاتي بلا هوادة حتى مطلع شمس اليوم التالي. لقد كان يتوجب عليَّ أن أبحث عن مكانٍ أقضي فيه بقية حياتي كما يبحث الطائر الجريح عن عشٍ ليلفظ فيه أنفاسه الأخيرة .
قبل أن آتي إليكِ، رأيتكِ شاردة الذهن، بماذا كنتِ تفكرين؟
أحاول أن أدرك حقيقة الأصوات الغريبة التي تجيء وتروح مثل ضوءٍ خاطف في داخل رأسي، وتحدثني بسرعة فائقة عن أشياء لا يستطيع عقلي استيعابها.
هل تعلمين أنكِ على بواكير الجنون؟
جنون !! ليكن ما يكون، ما عدتُ أخاف من الأشياء التي يخاف منها سواد الناس، ثم ماذا يعني أن أدلف إلى مصحة عقلية وأنا في أوج الشباب، ماذا يعني أن أحظى بصُحبة من نسميهم مجاذيب، إنهم كانوا ألطف المخلوقات التي مشت على سطح الأرض ، إنهم كانوا حساسيين جدًا إلى درجة إن الكلمات عندهم بمثابة سيوف قواطع وزهور قرمزية، كلمة تُحلّق بهم في السَّماوات العليا، وكلمة تهوي بهم في الأرضين السبع، إنهم بشر يا صديقتي وليسوا مومياءات محنَّطةٌ.