اللغةالعربية والشرق-مصطفى صادق الرافعي- يقول:
أمٌّ يكيد لها من نسلها العقب *** ولا نقيصةُ إلا ما جنى النسبُ
كانت لهم سبباً في كل مكرمة *** وهم لنكبتها من دهرها سبب
لاعيب في العرب العرباء إن نطقوا *** بين الأعاجم إلا أنهم عرب
والطير تصدح شتى كالأنام وما ***عند الغراب يزكى البلبل الطرب
أتى عليها طوال الدهر ناصعة***كطلعة الشمس لم تعلق بها الريب
ثم استفاضت دياج في جوانبها*** كالبدر قد طمست من نوره السحب
ثم استضاءت فقالوا الفجر يعقبه*** صبح فكان ولكن فجرها كذب
ثم اختفت وعليها الشمس شاهدة *** كأنها جمرة في الجو تلتهب
سلوا الكواكب كم جيل تداولها *** ولم تزل نيّراتٍ هذه الشهب
وسائلوا الناس كم في الأرض من لغة *** قديمة جددت من زهوها الحقب
ونحن في عجب يلهو الزمان بنا *** لم نعتبر ولبئس الشيمة العجب
إن الأمور لمن قد بات يطلبها *** فكيف تبقى إذا طلابها ذهبوا
كان الزمان لها واللسنُ جامعة *** فقد غدونا له والأمر ينقلب
وكان من قبلنا يرجوننا خلفاً *** فاليوم لو نظروا من بعدهم ندبوا
أنترك الغرب يلهينا بزخرفه *** ومشرق الشمس يبكينا وينتحب
وعندنا نهر عذب لشاربه *** فكيف نتركه في البحر ينسرب
وأيما لغة تنسي امرأً لغةً *** فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكب
لكم بكى القول في ظل القصور على*** أيامِ كانت خيام البيد والطنب
والشمس تلفحه والريح تنفح ه*** والظل يعوذه الماء والعشب
أرى نفوس الورى شتى وقيمتها *** عندي تأثّرها لا العزّ والطلب
ألم تر الحطب استعلى فصار لظىً *** لمّا تأثر من مس اللظى الحطب
فهل نضيع ما أبقى الزمان لنا*** وننفض الكف لا مجدٌ ولا حسب
إنا إذاً سبّة في الشرق فاضحةٌ *** والشرق وإن كنا به خرب
هيهات ينفعنا هذا الصياح فما *** يجدي الجبان إذا روّعته الصخَب
ومن يكن عاجزاً عن دفع نائبة *** فقصر ذلك أن تلقاه يحتسب
إذا اللغات ازدهت فقد ضمنت *** للعرب أي فخارٍ بينها الكتب
وفي المعادنِ ما تمضي برونقه *** يد الصدا غير أن لا يصدأ الذهب