منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليس الآن.. (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-24-2018, 11:42 AM   #3
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


(5)
ـ لماذا ؟..
ببطء يرفع نادر طرفه متأملاً وجه جلال الحانق..
كان جالساً باسترخاء مستنداً إلى جدار أحد المنازل بالقرب من اللجان الشعبية..
ـ لماذا ماذا ..؟
اشاح جلال بوجهه جهة الدكتور العوادلي الذى يسرح ويمرح بين رجال اللجان الشعبية في رسالة واضحة.. فهز نادر رأسه متفهماً و قال في هدوء:
ـ لم يحن وقته بعد .. كما أنه مفيد لنا في الفترة الحالية ... نحن بحاجة إلى بوق دعاية أمام شعوب العالم لتأييد موقفنا ...
ـ فقط .. نتركه يتجسس علينا من أجل الدعاية ؟..
مدد نادر قدميه أكثر وتثائب في كسل، ثم قال بعينين حمراوين :
ـ ليس هذا فقط .. هناك أشياء أخرى ..
ـ مثل ماذا ؟..
رفع نادر حاجبيه ولاح على شفتيه شبح ابتسامه وهو يقول :
ـ ليس الآن ..
هنا دوى صوت محسن كجهاز الإنذار المبكر :
ـ حافلة تقترب .. يبدو أنه سائق فار من الظلاميين ...
نهض نادر وكالعادة نهض كل رجال اللجان نهضة رجل واحد منتظرين الأسوأ .. على حين وثب العوادلي متعلقاً بعنق المعلم فوزي وهو ينظر من وراء كتفه في ترقب وذعر ...
ـ دعني ألقى نظرة ..
قالها نادر ثم صعد المبنى الذى يجلس فوق سطحه محسن للمراقبة ولتدخين النرجيلة على انفراد بعيداً عن الفضوليين .. أشار محسن بكفه إلى الأفق وقال مؤكداً :
ـ هناك ... الطريق السريع ...
دقق نادر النظر ثم التفت إلى محسن قائلاً في قرف :
ـ هلا أرحتني من رائحة النرجيلة هذه ..
ـ لولاها لما رأيت ما رأيت .. إنها أفضل منبه..
هنا جاء جلال وهو يلهث من أثر السلم متسائلاً فالتفت إليه نادر
صائحاً :
ـ هل سمعت عن حصان طروادة ؟.
ضيق جلال عينيه كأنما بوغت بالسؤال، ثم رنا ببصره ناحية الحافلة القادمة من قلب الظلام على الطريق السريع وبرقت عيناه في فهم ..
ـ حصان طروادة المشوي ؟..
ولم يستطع نادر منع نفسه من الابتسام وهو يلتفت إلى محسن قائلاً :
ـ محسن دورك لم يعد مجرد (ناضورجي).. لقد حان وقت اختبار قدراتك على القنص ..
رفع محسن بندقيته قائلاً في حماس :
ـ سيسعدني هذا .. أنا أمقت دور الناضورجي أصلاً فهو يذكرني بأيام تدخيني للحشيش مع ...
وقطع عبارته وهو يرمق جلال ممتقعاً لكن نادر جذب الأخير من ذراعه وانطلقا لاتخاذ مواقعهم ..
وارتفعت الصيحات التحذيرية مدوية متسلسلة عبر اللجان الشعبية المتناثرة على نواحي الشوارع الفرعية بشرق المدينة .. وخصوصاً عند تلك التي تواجه الطريق السريع عند أطراف المنازل ...
ـ أصحى .. أصحى ...
كان هذا هو هتاف اللجان الشعبية في حالة التنبيه على خطر قادم .. وكان الخطر القادم حافلة يقودها كائن ظلامي شبه مجنون..مجنون بحب الدماء.. مجنون بحب الزعامة ... ومن حوله صراخ وطاويط الظلام وفحيحهم أحال الحافلة إلى سيرك متحرك .. ولما تبدت النيران التي أشعلها شعبنا كسياج محيط بشرق المدينة بدأ صوتهم يخفت مع بعض الهمهمات المضطربة ولعق الشفاه والأصابع ...
ـ استعدوا .. سنقهر عدوتنا النار ..
صاح بها يسرم وهو يزيد السرعة بأقصى ما يملك..
ومرقت الحافلة من أتون النار الملتهب وعبرته إلى الجهة الأخرى..
ولمح يسرم العشرات من المرابطين خلف النار يتراجعون متحاشين الحافلة التي تنقض عليهم من بين النيران كالعنقاء..
ـ مزقوهم ..
ولم يكن الظلاميين بحاجة لهذا الأمر بالفعل لكنهم قبل أن يتحركوا قيد أنملة رأوهم قادمين .. كل ظلامي يعرف حقيقة هؤلاء القادمين وحقيقة تلك الأزياء التي تشبه أزياء رواد الفضاء، وتلك الأشياء التي يحملونها والمتصلة بأنابيب يحملونها على ظهورهم ..
ولم يسمعوا صوت جلال قائد فرقة قاذفي اللهب وهو يعطي إشارة البدء ...
البدء في شوي حصان طروادة..
وبينما يتصارع الظلاميون للخروج من الحافلة ويصارع يسرم كي يتراجع بها بدأ حفل الشواء .. تحولت الحافلة إلى كتلة ملتهبة .. كتلة ملتهبة تنفصل عنها كتل صغيرة كانت منذ قليل كائنات ظلامية تحلم بوجبة طازجة من الدماء .. البعض نجح في الخروج من النوافذ والقفز عبر كتلة النيران .. لكن محسن ومعه العديد من قناصة الأسطح أثبتوا كفاءة غير عادية في اصطيادهم ..
يسرم قفز من النافذة المجاورة لمقعد القيادة وكور جسده وهو يتدحرج بعيداً عن النيران وسمع دوى الطلقات التي ارتطمت بالأرض بالقرب منه ... وحينما اعتدل لمح جلال يصوب ناحيته قاذفة اللهب فقفز في الهواء وتعلق بإحدى أنابيب الصرف وبدأ يتسلقها كالقرد وفي سرعة شيطانية ... وخارج جدار النار وقف من تبقى من الظلاميين وقد احجموا عن خوض النار بأجسادهم .. وقفوا ينصتون إلى صراخ إخوانهم ويتراجعون لاإرادياً..
لقد انتهى أمرهم.
بالفعل انتهى أمر الحافلة التي اقتحموا بها النيران .. ولم يبق سوى بعض الفارين عاثري الحظ الذين نجحوا في التسلل إلى بعض البيوت لكن تبين لهم أن نار رجال السلطة والشعب أرحم بكثير من الوقوع في قبضة نساء شرق المدينة .. وهكذا رأينا الظلاميين الذين روعوا غرب المدينة يفرون ولهم صراخ من أمام نساء شرق المدينة المدججين بعصي المكانس وأواني الألومنيوم..
إحدى هؤلاء النسوة وثبت بواحد من الفارين وأقسمت أن تعصره عصراً حتى ينز كل قطرة دم امتصها من عروق أبناء شعبنا في غرب المدينة.. طبعاً تحول الظلامي إلى ما يشبه العصيدة..
وجاء المعلم فوزي حاملاً عكازه الذي ورثه عن أبيه وخلفه عدد لا بأس به من رجال المقاومة .. وصاح في غضب هادر :
ـ لا تجعلوهم يتسللون إلى الحريم.. لو مس أحدهم طرف واحدة من نسائنا فسوف...
وابتلع بقية عبارته وهو يتأمل الظلامي الذي تحول إلى عصير طماطم طازج بين يدي ما أطلق عليهم (حريم).. ثم إنه التفت إلى الرجال خلفه قائلاً:
ـ كفى الله المؤمنين شر القتال.
نادر كان يتابع تسلل يسرم عبر مواسير صرف إحدى البنايات وكان يعرف أنه يقصد القناصة المرابطين لحماية ظهر الرجال على الأرض.. وحينما هم بالنهوض خلفه فوجئ بحشد من الرجال يحيطون به من كل جانب في رسالة واضحة .. لن نتركك تغامر بنفسك ونحن متوفرون ..وسمع صوت جلال يهتف :
ـ إنه مجرد واحد أيها القائد..
لكن نادر صاح به وبمن حوله :
ـ نعم هو شيطان واحد يمكنه شرب دماء نصف سكان شرق المدينة.. نبهوا القناصة فوق السطح وليصعد بعضكم لدعمهم .
ارتفع الصياح التحذيري بالرجال فوق الأسطح على حين تحرك البعض لدعمهم كما أمر نادر..
أما يسرم فقد نجح في الوصول إلى نهاية أنابيب الصرف بتلك البناية وقفز فوق سطحها ولم يكد يستقر حتى وثب برجلنا هناك
وتكور الاثنان أرضاً.. رجلنا فقد سلاحه مع السقطة لكنه قاوم يسرم بشراسة.. والأخير كان يعرف طريقه جيداً إلى عنقه..
بعد ثوان خارقت قوى الرجل فتركه ورفع طرفه ليبصر السطح المجاور.. كان يتعمد الزحف محتمياً بسور السطح من طلقات القناصة المجاورين.. وفي اللحظة المناسبة يثب وثبة هائلة يعبر بها الفراغ الفاصل بين الأسطح ويهوي على سطح جديد بحثاً عن المزيد
من الرجال.. ولم تكد قدميه تستقر هذه المرة حتى تلقت رأسه ضربة هزت كيانه .. ولمح بعينين زائغتين الشاب محسن وهو يتحسس النرجيلة التي هوى بها لتوه على رأسه والتي تهشمت قاعدتها الزجاجية..
ثم هوى يسرم كالحجر بين يدي محسن الذي سارع إلى حافة السطح وصاح في حنق :
ـ لقد أسرت أحدهم ... وتحطمت النرجيلة !

 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس