منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليس الآن.. (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2018, 09:53 AM   #27
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


(3)
ـ والآن ...
قالها نادر وهو يلوح بكفيه في بساطة بمعنى أنه مصغي ... فتلاشت الأفكار السوداء من رأس نوسام وقرر أن يعود للواقع..
ـ أعتقد أنني أتحدث إلى شخص لا يحتاج إلى مقدمات .. كلانا يفهم الأخر ..
هز نادر رأسه نافياً في بطء وقال في برود :
ـ كان هذا فيما مضى .. اليوم.. كلا الشعبين يفهم الأخر.. لم تعد المعركة معركة أمنية تحدث من وراء الكواليس ..
رفع نوسام كفه معترضاً :
ـ لا توجد بيننا إلا المصالح المشتركة يا سيد نادر .. شعبي حريص على استقرار شعبك لأن هناك مصالح وتبعات ..
ـ قلت أن كلانا يفهم الأخر .. لم تكن أبداً العلاقة بين شعبينا علاقة حميمية إلا في الظاهر فقط .. والمصالح التي تدعيها هي مصلحة الشعب الأصفر فقط .. شعب استعماري أباً عن جد .. ويفترض في شعبنا أنه مستعمر أباً عن جد.. هذه هي العلاقة بكل بساطة يا سيد نوسام ..
ـ هذا كلام رائع ينم عن روح ثورية بارعة .. لكنه لا يمت بصلة لما نحن بصدده .. أنتم في ورطة يا سيد نادر .. العنف الداخلي سيؤدى بكم إلى الانهيار .. لابد من العودة للحوار .. وكنت قد قطعت شوطاً جيداً في هذا في زمن سابق وحان الوقت للوساطة التي تتبرع بها قيادة شعبنا لحقن الدماء ..
ـ هذا مخيب للآمال يا سيد نوسام.. تصورت أنكم ستقفون إلى جانب شعبنا في حربه للظلاميين.
ابتسم نوسام ابتسامة صفراء فاقعة وقال بلهجة تفوح منها رائحة الإنذار:
ـ لا أمل لكم إلا بالحوار.. ساعتها سيكون لكم كل الدعم من شعبنا الأصفر
أطرق نادر إلى الأرض ملياً ثم رفع رأسه وقال :
ـ شعبنا لا يأمل إلا في الله ...
رفع نوسام سبابته قائلاً في حماس :
ـ ونحن أيضاً شعارنا.. في الله نثق..
اقترب نادر بوجهه من نوسام واكتسى وجهه بصرامة أقلقت
الأخير وهو يقول:
ـ لدي عرض أخر لكم يا سيد نوسام .. اتركوا شعبنا وشأنه ... شعبنا قادر على مواجهة مشاكله بنفسه دون وصاية من أحد .. شعبنا فهم من صديقه ومن عدوه.. في الداخل وفي الخارج.. وعلى من يفكر في العبث بأمنه واستقراره أن يتخلص مني أولاً ..
خيم الصمت بعد عبارة نادر النارية.. وصداها يتردد في جنبات الغرفة.. حتى قطع نوسام حبل الصمت قائلاً :
ـ لكنكم حتى الأن غارقون مع أعداء الداخل..
ـ لا توجد حرب بلا خسائر ...
ـ الخسائر هذه المرة ليست ككل مرة .
ـ إنها كذلك لجميع الأطراف ..
ـ العالم كله مشحون ضدكم .. هل ستواجهون العالم ؟
ـ العالم القديم الذي كان يدور في فلك واحد.. نعم.. أما العالم الجديد الذي سيبزغ نجمه في الأفق .. وإني لأراه بعين الخيال.. يحمل لنا الأمل في خوض معركة شبه متكافئة..
فرك نوسام أذنه مفكراً ثم رفع حاجبيه قائلاً :
ـ حسناً هناك طلب خاص من سلطة شعبنا ... هل يمكنني لقاء السيد يسرم.. بعض التطمينات على صحته وخلافه، قد تهدئ الأوضاع ..
ـ يسرم بصحة جيدة .. رغم أنه لا يتناول الدماء .. وستتم محاكمته علنياً أمام العالم بصفته قائد المذبحة التي جرت لشعبنا ... سيكون أول ظلامي يخضع لمحاكمة علنية بعد أن صار أول ظلامي يجري حوار مع العالم الخارجي .. وأنصحك أن تتابع المحاكمة جيداً يا سيد نوسام .. فستحمل لك مفاجئات أرجوا أن تكون سارة ...
كان نادر يفهم أنه لن يفلح في استدراجه بكلمة.. ولن يبدى حتى أدني اضطراب أو قلق .. لكنه يعلم يقيناً أنه يغلي من داخله .. بعد أن وصلته كل الرسائل التي أراد هو أن يوصلها إليه.. جذب نوسام نفساً عميقاً وهو ينظر لنادر نظره خاوية ...
ـ يؤسفني عدم استجابتكم لمناشدات شعبنا ... ليكن الله في عونكم فعلاً ...
ومد يده مصافحاً وهو يستطرد :
ـ احرص جيداً على حياة يسرم.. لا تدع أحداً يحرمه من محاكمة عادلة...
وصافحه نادر ولم يرد .. لقد وصلته الرسالة الخاصة بحذافيرها .. وانتهى اللقاء التاريخي عند هذا الحد.. عاد نوسام إلى مقر قيادته في سفارة شعبه والتقى بالفريق ب لكنه لم يتبادل معهم أي حوار .. فقط تلقى اتصالاً من قيادة شعبه ويبدو أنه سمع مالا يرضيه ... أنهى الاتصال والتفت إلى رجال الفريق ب قائلاً :
ـ يسرم لا يجب أن يحاكم ...
قال ب ـ 1 :
ـ نحن نحاول تحديد مكانه بالفعل ... لكن هل تعتقد أن هذا هو الكارت الوحيد ..
قالها وهو يشير إلى شاشة مرئي في أقصى الحجرة .. كان هناك مؤتمراً صحفياً يعقده السيد سليمان .. مساعد السيد وسام رجل الأمن الأول سابقاً والمختفي حالياً..
وكان هذا يعنى أن ب ـ 1 صادقاً ... يسرم ليس الكارت الوحيد ...
***
أسئلة عديدة طرحت على السيد سليمان .. وجه قديم عاد للظهور وفي الوقت المناسب .. ماذا حدث للسيد وسام وللمسئول السابق ؟.. كان هذا هو السؤال الذى يتردد بأساليب مختلفة وطرق ملتوية .. لكن الإجابة كانت بأساليب مختلفة وطرق ملتوية : ليس الأن ..
فلاش .. فلاش .. همهمات .. ثم .. سؤال أخر :
ـ أين كنت مختفياً الفترة الماضية ؟..
ـ اعتزلت الحياة الأمنية منذ اختفاء السيد وسام ..
ـ وأين اختفى السيد وسام ..ومعه المسئول الأول ..؟
ـ لا أعرف تحديداً .. هل يعرف أحدكم ..؟
ـ هل صحيح أنك تعاونت مع الظلاميين ؟..
تزايد الصخب وضاع صوته وسط الهرج والمرج... هدوء .. هدوء يا سادة .. قام أحد الصحفيين الثائرين ووجه سؤال أشبه بالقذيفة :
ـ أنت لم تكن مع السيد وسام حينما حاولوا اغتياله.. هل لهذا معنىً عندك؟
ابتسم سليمان قائلاً :
ـ يعنى أنني كنت محظوظاً ..
عاد الضجيج مرة أخرى والمزيد من الفلاشات .. ورفع سليمان كفه مهدئاً :
ـ أنا على استعداد لاحتمال المزيد ...
تساءل نفس الصحفي :
ـ هل كانت لك علاقة بالظلاميين؟..
ـ نعم..
دوت الهمهمات المتفاجئة.. وأكمل السيد سليمان موضحاً وهو يبتسم:
ـ علاقة الصياد بالطريدة..
ـ يقولون أنك تعاونت مع الظلاميين إبان سيطرتهم على غرب المدينة..
ـ يقولون!.. اعطني أسماء من فضلك أو اجلس واعطي فرصة لغيرك..
جلس الصحفي بوجه أحمر.. وقامت صحفية وجهها لوحة سريالية من كثرة الأصباغ، وصاحت بصوت حاد:
ـ ما هي علاقة الظلاميين بالشعب الأصفر ؟
هنا علاه الصمت لبرهة.. وتعلقت العيون بشفتيه التي انفرجت عن ابتسامة مقيتة.. تبعتها عبارة أشد مقتاً :
ـ علاقة الصنعة بالصانع ..
***







 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس