الخلود
فى موقعٍ للملحدين قرأت ذات مرة ملحدة تُنكر وتتهكم بخلود المؤمنين فى الجنة قائلة بالحرف الواحد (..يعنى حأفضل ملايين السنين أطارد فى العصافير!!) . خلاصة كلامها بأن الحياة الآخرة غير موجودة وغير عملية . أى أن هذه الدنيا سرمدية وأبدية على منوالها هذا . ليس فقط تلك المرأة من تنظر إلى الوجود هذه النظرة بل أناس كثيرون منهم علماء وفلاسفة..وهى نظرة مؤسسة تأسيسا خاطئا فمن منا يتمنى الموت ، فى هذه الدنيا ، ناهيك عن الآخرة ؟ حتى لو كان الإنسان فقيرا تعيسا ، هل يحدث أنه فى لحظة من عمره يتمنى الرحيل عن الدنيا ؟ حتى لو كان الموت سلسا بلا وجع ولا يأخذ زمنا ، فقط يتمنى المرء فى قلبه فيكون ترابا ؟ لا يحدث ذلك . لماذا ؟ لأن الحياة بالرغم من معاناتها وصراعها حلوة ، وهى هدية لا يستطيع منحها لنا أية قوة فى هذا الكون ، وهى وإن جارت وغدرت تحمل فى طياتها الأمل . الأمل فى التغيير . شفاءٌ من بعد مرض ويسرٌ من بعد عسر وانفراجٌ من بعد ضيق..إلخ إلخ . ومع هذا الصراع المستمر ما تمنى أحدٌ منا الرحيل طوعا يوما ما . لو لاح الموت للمرء ثم أُمهل عاما واحدا لرضى به . ولو أُعطى عاما آخر بعد انقضاء ذلك العام لرضى..وإذا استمرت هذه السلسلة هل ستكون لها نهاية ؟ مع ملاحظة أن هذه السلسلة فى عالمٍ فيه الحزن وفيه السرور ، وفيه المرض يعقبه الشفاء ، والكدر يتبعه الصفاء ، والشقاء ومن بعده سعادة..وهلم جرا . فى هذه الدوامة يود أحدنا لو يُعمر ألف سنة فقط مع استبعاد الكُبر الشديد . يعنى لو أُعطى الإنسان عمر ثمانين سنة خالٍ من الأمراض لودّ أن يعيش به إلى الأبد . الخلود مرغوبٌ حتى فى الدنيا . فما بالك بعالمٍ لا تدهور ولا اضمحلال ولا نقصان ولا تلف فيه !!