الفَقْدُ
لَستُ مَدِيناً لِتبرِ الأَعصَابِ يُعبِّئُني بِانتِبَاهِه ..
أَوَ كُلَّمَا أَعشَبَ الجِلدُ لَونَ عَبَّادِ الشَّملِ
بَاغَتَني أُفقُهُ
مُلَوِّحَاً بِالغُبَار !
كَيفَ خَرَجَتْ مِن إِصبَعِ الضِّيقِ
كَخَاتَمِ العِطْر ؟
يَهبِطُ الوَقتُ مِثلَ ضَجَرِ الصُّعُودِ ،
وَرَنِينِ عُروَةِ العَين !
… حَتَّى فَرَائِس مُوسِيقَى عَجَلَتِهَا المُنسَرِبَةِ
، مِثلَ نُ ثَ ا رِ رُوح ،
تُركَلُ بِفَرَاشِ اللَّحَظَاتِ
وَلا مَزَايَا لِلأَجنِحَةِ الطَّلِيقَة !
وَإِذْ أُحَاوِلُ إِضَاءةَ غُرَّةِ اللَّهفَة ،
وَإِذْ تُحَاوِلُ إِضَاعَتي ..
كَأَنَّني عَابِرُ مَمَرِّ نِسيَانٍ دُونَ سَهْلٍ ،
وَسَائِلٌ بَرْقُ أَوجَاعِهِ المُبكِرَة !
كَثَافَةُ هُدُوءٍ في صَالَةِ اللَّيلِ هذهِ ..
أَيَّتُها المُخَيَّلَةُ الصَّافِنَة :
لَمْ تَعُدْ رِشوَةُ الشِّعرِ تَقبَلُ
القِسمَةَ عَلَيّ !
هذَا الفَرَاغُ الَّذِي يَشفُّ مَا قَبلَهُ ؛
يَطْبَعُ صُورَةَ الفَقْدِ عَلَى لَسعَةِ لُهَاثي ..
ثَمَّةَ شُرفَةُ شُرُودٍ ذَهُولَةٍ ،
وَخُطَىً تُسَيِّرُ الافتِرَاقَ أَعلَى مِن رِكَابِي !
ذاكَ الصَّبَاح ؛
حَيثُ عَرَبَةُ غُربَةٍ تُعَكِّرُ تَمَوُّجَ القَهوَةِ في بَحرِ حَلْقِي
– لا تُصَدِّقِي مَا اقتَرَفَتْ يَدَايَ مِن الوَدَاع ..
أَشعُرُ بِرَغبَةِ جُنُونٍ مِن أَخمَصِ الاعتِذَارِ أَوَّلاً !
بِالأَمسِ ؛
دَرَّبتُ المَنـزِلَ ضِدَّ خِيَانَةِ الفَرَاغ /
لَمْ أُفَسَّرْ بِالنَّجَاح ..
كُلُّ العَصَافِيرِ حَولِي ، ولا يَكتَمِلُ قَفَصُ الصَّدر !
فَاتِنٌ ..
شَاهِقٌ ..
وَمُكَحَّلٌ ..
بِالعُرْيِ ضَعفِي أَمَامَ غَشيَتِهَا !
الَّذينَ يَحثُّونَني عَلَى لَهجَةِ غِيَابِهَا ؛
لَمْ يَقدِرُوا عَلَى رَعيِ التَّنمِيلِ في أَصلابِهِم ..
المُلُوحَةُ تَكسُوهُم خَدَرَاً
كَمَا لَو أَنَّ بَحرَاً جَفَّ في جُيُوبِهم !
أُحَاذِرُ النِّسيَانَ أَنْ يُعِيبَ حَطَبَ حُضُورِي ..
قَالَت : الشِّتَاء شَرشَفُ المَاءِ ،
وَشَرنَقَةُ الدِّفءِ صَوتِي ؛
- مَا الَّذي أَبْهَجَ عَمَايَ لأَرضَى ؟
تُهِيلُ لَذَاذَاتِهَا مِثلَ دَبَقِ النَّحلِ
كَانَت ..
الفَقْدُ ؛
وَحدِي أَنْ أَكُونَ مَعهَا !
دُخَانِي كَثِيفٌ ،
وَزَيتي يَتَجَمَّدُ في فَرَاسَتِه ..
بَاهِرَةٌ زُرقَةُ الإِبصَارِ
لَو فَقَدتُ فَقدِي !
جِدَارٌ وَاحِدٌ يُخَبِّئُ عَنَاقِيدَ الحَذَر /
حَبلٌ وَاحِدٌ وَأَقطُفُ حَشدِي ..
أَيَّتُهَا المَرَاهِمُ الَّتي سَقسَقَتْ قَبضَتَي :
الجَفَافُ يُطَرِّزُ بُذُورَهُ مِثلَ قُفَّازَةِ خَرِيف !
يَسِيطُ السِّيَاجُ قُبَّةَ الظَّهر /
مَرَّ رَونَقُهَا كَهَدِيلٍ مُوَشَّح ..
لَيسَ بَيَاضِي الآنَ
فَأَبدَأُهَا ثَانِيَةً !
أَتَحَسَّسُ 18/9 في تَقوِيمِ البَنَفسَج
لَيسَ بَعِيدَاً 24/12 عَن ذَاكِرَة اللَّهَب
وَلَيسَ أَبعَد مِنهُ 9/11
الخُرَافَةُ أَنَّنَا نَتَأَخَّرُ في استِبَاحَةِ الصُّدفَة !
هَفوَاتٌ تَطِنُّ كَذَبذَبَةِ طَيَرانٍ
قُربَ قِربَةِ القَلب ،
وَخَطوِي يُغَضِّبُ أَيَائِلَ رَبوَةِ الرُّوح ..
ثَمَّةَ مَن يَتَوَهَّجُ في غَسَقِي مُجَدَّدَاً !
بِغِيَابِهَا ؛
تَمَاطَرَتْ فَوقَ أَصفَري سَحَابَةُ شِعْر ..
تُرَى : لَو لَم أَكُن شَاعِراً
مَا الَّذي كَانَ سَيَهمِي ؟
أَرِحني ، أَيُّها الوَقتُ ، من جَبَرُوتِكَ الوَضَّاح ..
لِمَن تَرتَدي ثِيَابَ السَّاعَاتِ المُشَاكِسَةِ ،
وتَترُكُني عَارِيَاً
في انحِنَاءاتِهَا ؟
تَتلامَسُ الأَفكَارُ ، عَالِيَةً ، مِثلَ قَبَابِير مَرِنَة ..
لا أَحَد يَسأَلُ إِشَارَاتي :
أَينَ هُوَ مِنهَا
في لَحَظاتِ الصَّلادَةِ هذِه ؟
أَمَا مِن شَيءٍ شَهِيٍّ في نِصفِ زَوَايَايَ الأَثيرَة :
رَشفةِ ظِلِّ ابتِسَامَةٍ مَثَلاً ..
مُرُورِ ضَوءٍ مُسَربَلٍ بِالرَّهبَةِ الصَّافِيَةِ .. أَو
طَعنَةٍ رَحِيمَةٍ ضِدَّ هذهِ المُكَابَدَة !
مُرَقَّشَةٌ بِالوَدَاعَة
طَافِحَةٌ بالإِبْهَام ؛
صَفحَةُ يَقِينِ البَيَاضِ الخَاطِفِ
الَّتي لَم تَمتَلئْ بَعد !
الصَّمتُ الَّذي يُثَرثِرُ كَثيرَاً
، مِثلَ أُبَّهَةٍ ثَكلَى ،
لَن يَستَطِيعَ صُنعَ قَهوَةٍ لي بِمَاءِ القَلبِ
كَي يُشَاغِلَ هِرَّةَ الذَّاكِرَة !
فَجأَةً ؛
يَسقُطُ الهَاتِفُ عَن جِدَارِ التَّنفُّس ..
فَجأَةً ؛
تَنتَصِبُ رِئَتَاي ..
ثَمَّةَ حوَارٌ مُتَعَثِّرٌ بِقَدَمِ العُقدَةِ
وَقِدَمِ انتِظَارِي !
الحَوَاسُّ مُعَطَّلَةٌ في أَبَاريقِهَا ،
وَلَستُ في ظَمَأٍ كَي أَكسِرَ سَاكِني ..
لَن يُغَيِّرَ الرَّصَاصُ عَادَاتِهِ في الخَارِج ،
وَلَن يُغَيِّرَ هَدأَتي !
مَاذَا يَفعلُ إِنَاءُ المَكَانِ بي
غَيرَ أَن يُخَلِّلَ حِصَاري
بِمُلُوحَةِ الفَقْد ؟
- لي شَهِيَّةُ البَحر !
*
مِن طُلَّسمِ مُجَارَاةِ المَسَاء
تَندَفِعُ العَتمَةُ المُطَعَّمَةُ بِالبَردِ
، مِثلَ سِربِ غِربَانٍ ضَجِرَة ، ..
- سَأُوقِظُ صُورَتَهَا لأُضيءَ دِفئي !
*
الهَوَاءُ الَّذي حَمَلَ تَيَّاهَةَ البَرِيق
لَم يَعتَذِرْ لِزَلَّتي البَرِيئَة ..
هُنَا ، بَينَ مَرجَانِ إِيمَاءاتي الخَفِيضَة ،
يَرتَفِعُ أَسَفِي !
لِضَرُورَةِ الصَّدر :
لَن أَفتَحَ كُمَّثرَايَ ، ثَانِيَةً ، لِيَفرَّ فَرَحِي
لَن ..
- كَثيرَاً مَا تَبدُو الطُّيورُ أَجمَلَ في أَقفَاصِهَا !
بَينَمَا النَّايَاتُ تَتَثَاقَبُ مِن شَرَرِ الشَّكِ
والعُزلَةُ تَلتَمِعُ في سُبحَةِ العَين ،
أَعِدُّ الظَّلامَ لَيلَةً لَيلَةً
وَقَد أَنتَهِي .. فَيَنتَهِي