"
وكان بالإمكان أن أقتل بشاير العبدالله كما قتلت خلف المشعان بالأمس ، ولكني أبقيت عليها لتماهيها مع نصها تماهيا
كليا ، مما يمنعني من الحكم عليها بالموت والظفر بالنص وفق نظرية موت المؤلف ، ولكن الأمر هنا مختلف ، إذ لم تكن
بشاير مجرد حكاواتيه وراوية فقط لمشهد رأته أو سمعته كما كان خلف ، وإنما هي منزوية خلف أحرفها ، وتتكلم من
داخل اللغة النصية ، وتعالج قضية تراها قضيتها الأولى والمصيرية كذلك بالنسبة لها ، قانعا بإزاحتها عن النص إزاحة
جزيئة ، وفق ما يراه التداوليون ، إذ يرون الفصل بين الفاعل الحقيقي للكلام ، والفاعل الذي نعرفه من خلال الخطاب
وهو (الفاعل الداخلي) ، فلهذا نبعد بشاير كفاعل خارجي أنتج الكلام ، ونبقي عليها كفاعل داخلي منزوٍ خلف النص
ونعرفه من خلاله ، والسبب كما أسلفت وهو أنها متلبّسة بالنص ، ومتماهية معه وقابعة خلف كل صوتيم جرى توظيفه
في سياق النص ، والدليل أنها تناقش قضيتها الأزلية التي تطوعت لحمل تبعاتها ، والنَوء بثقل تداعياتها ، بقدر امتدادها
التاريخي ، والتاريخ له هنا دور خطير وفاعل//منتج في النص ، إذ ارتكز الأخير عليه ، وإن اتشح بلبوس الوساطة
اللغوية ، وبقدر كذلك الإرث الدلالي المستكن خلف الرؤية التي تُرى وتعامل بها استنادا لهذا التعارف الخاطئ الذي
لازمها مذ خلقها ولما يزل ، لتأتي بعد كل هذه السنين المشكّلة لهذا الإرث الثقيل على قلبها ، لتردَ عن (أمها//حواء) وزر
الخطيئة التي وزرتها ، وهي –أي حواء- على الأقل شريكة فيها مع آدم ، إن لم يكن هو من يحمل وزر الخطيئة الكبرى
(الوجود) ، متمثلة بخلقها من ظلعه الأعوج ، وما تبع ذلك من آثام كانت تُرى فيه (الأنثى // حواء وابنتها) هي داعية
الخطيئة والدافعة لاقترافها واجتراح سيئتها والتسبب في وقوعها ؛ كما يقول النص: " لا تتهاوى في ذنبي" ، متعينة
تلك الآثام في مواقف عدة ، سنتناولها بالتفصيل لاحقا
ولا يخفى في هذا السياق عظم خطيئة الرجل//آدم ، وهو –أي الخطأ- وجود الأنثى ، والسبب لهذا الوجود الأنثوي هو
(ليسكن إليها) ، ومن ثَم تتمفصل تلك الخطيئة وتتمظهر بعدة خطايا ، وهي الوجود(للسكنى والارتباط) ، والوجود هو
أعظم جناية وخطيئة باعتبار ما سيؤول إليه وهو الموت //العدم//الفناء ، والدليل قتل قابيل لأخيه ، من أجل أخته
ليتزوجها ، وهذا ما سيؤول له الوجود كما ذكرنا ، وهذا هو الشئ الذي وعاه شيخ المعرة –رحمه الله – إذ قال : "هذا ما
جناه أبي علي،وما جنيت على أحد" .
وهو أيضا خير مثال نتمثل به أنموذجنا (حسب فهم النص//الكاتبة) ، فشيخ المعرة يعترض على أبيه وقوعَه في
الجنايتين ، تتولد الأولى من رحم الثانية ، فالأولى هي الزواج//الارتباط بأمه (للسكنى) والزواج منها ، لتلد الجناية
الثانية والخطيئة الأخرى متمثلة بولادته ، وإطلاله لعالم الوجود الذي لا يعقبه إلا الفناء//الموت ، ولذا شكلت هذه القضية
(الموت) هاجسا واضحا لدى ابي العلاء خصوصا عندما التزم بيته ، وصريحة كذلك في قصيدته : غير مجد في ملتي
واعتقادي .
ليموت بعد ذلك ابو العلاء موصيا مَن يوسده قبره أن يكتب عليه البيت الذي سبق : هذا ما جناه ...
ولا غرابة إذا رأينا بشاير تنظر –كنظرة ابي العلاء لأبيه- أباها آدم ، فبسببه كان الوجود ، وسيتبعه الموت والفناء لا
محالة .