منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - حديث الغمام
الموضوع: حديث الغمام
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2007, 06:56 AM   #2
عبدالله الدوسري
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالله الدوسري

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 52

عبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


( 1 )



* احتضار *



إن يد اليأس تطرق بابه وسيجد له مكانا ً في نشرة الراحلين ،،


سينقضي الحلم مثل هذه السحابة المسرعة ،،


وسيغادر الحياة كزفرة !!





* * *



عادت زوجته من عملها ،،


وقالت وهي تلقي بعباءتها وتجلس على الكنبة : نظرات جارنا الجديد كانت تلهب وجهي كالسياط ،،



أخذ ينظر إليها نظرة غريبة ،،


نظرة تذوب حنانا ً ورقه ،،


نظرة تقبل وتعانق وتسفح الدمع ،،



قالت له : لا تبدو على ما يرام ،، ما بك ؟!


فقال : لا شئ ،، مجرد إرهاق ،،


قالت : أنت تحمل نفسك فوق طاقتها ،، حسنا أن عدت مبكرا اليوم لترتاح



أشعل سيجارة وأخذ يدخنها متطلعا ً إلى سحائب دخانها ساهما ً وكأنه قد نسيها ،،



قامت بترتيب المنزل ثم عادت بالشاي ووضعته أمامه ،، وأخذت في حديث لا ينقطع إلا خلال رشفات الشاي ،، عن قرب الامتحانات النهائية وعدم استعداد الكثير من طالباتها ،، والضيق بحرارة الجو ،، وصديقة لها ستتزوج قريبا ً وأخرى حامل ،،



ثم انتبهت لشروده فقالت : أين ذهبت ؟! ،، كأني كنت أكلم نفسي ،،


نظر إليها طويلا ً محاولا ً التركيز فيما قالته



فأردفت : ولم تشرب من الشاي ،، ما بك يا عزيزي ؟! ،،



قال : لعلها متاعب العمل ،،



هكذا الأسئله والأجوبة كل مره منذ ثلاثة أيام ،، ويبقى لها العذاب الصامت الذي يجد عبثا ً في البحث عن مبرر لوجوده



* * *



لمحته وهو يهم بالكلام بحال تدل على أنه استسلم للاعتراف ،،


استصرخته في الأعماق أن يفعل ،،


دعت ربها أن يأمره بالكلام ،،



لكنه استرخى دفعة واحدة بسرعة تثير الحنق ،،


وراح يدخن ويقرأ ،، وهذا ما أثارها أشد من صمته ،،


نظرت إلى الكتب المتناثرة على الطاولة ،، على حافة العالم ،، الحاسة السادسة ،، عالم الأرواح ،،



سيجن ويجرها في أثره !! ،،



قالت : ما تقرأه مؤخرا ً يخيفني ،،


ابتسم لها ابتسامة باهته ،،



فقالت : كذلك هي حالك ،، بت تتكلم بإيجاز وزير ،، ومنذ فترة لم تخرج كعادتك ،، أنا قلقة عليك ،،


قال : سوف تضحكين من نفسك عندما تتأكدين من ضلال أوهامك ،،


قالت : قلبي لا يكذبني قط ،،



ما أصدق قلبها ،،


إنها تنطق عن قلب صادق وا أسفاه ،،


قلب ملؤه خوف حقيقي ،،


قلب يكابد نزاعات أحزانه ووحدته ،،



وهو يتعذب أيضا ً عذابا ً مضاعفا ً لنفسه ولها ،،


وقلبه ينصهر ويتطاير شررا ً وسيتلاشى في الفراغ ،،


لعل الأرحم لو تذهب إلى أهلها اليوم حتى نهاية العطلة الأسبوعية ،،



ولكنه لن يطيق ذلك ،،


فحنينه القاسي وأشواقه الملتهبة ويأسه العميق يمنعه من التهرب منها وتشدّه إلى مثواها الحنون ،،



تمنى أن يقبلها حتى يكلّ فوه ،، ويضمها إلى صدره حتى يخذله ساعداه ،،


أن يغرقها بدموعه وأن يستحم بدموعها ،،


كان بوده أن يمثل دوره بمهارة يخدع بها حبيبته حتى لا ترهقه بأسئلتها الملحة ،،


ولكن كان ذلك فوق طاقته ،،



يقرأ ويدخن ويختلس إليها النظر ،،


يتحمل نظراتها المعذبة بصبر حابسا ً دمعه شادّا ً على إرادته ،،


ويصر على ذلك وهو يشعر بأن كل شئ يخصه هباء ،،


الحياة هباء ،،


الحب هباء ،،


ويرى كل معنى يتلاشى في النسيان والضياع ،،



وهو في الحقيقة لا شئ يبكي لا شيئا َ ،،


البكاء نفسه لا حقيقي كالقراءة ،،


كهذه الأنغام التي تنعي الحياة كلها ،،



لم َ لا يجذبها إليه ويفضي إليها بكل سره ؟! ،،


ولكن أي فائدة ترجى من ذلك إلا أن تزيد من تعقيد الأمور واختلاطها وقسوتها ووحشتها ،،


لم َ يحول سلامها إلى مأتم والغناء إلى حداد ،،


لن يؤخر ذلك ولن يقدم ،،



أجل إن وحدته تزداد عمقا ً ويأسا ً ،،


لكنه لم يذعن للجبن والأنانية ،،



فعلى الأقل هي لم تفقد الأمل ،، تبدو جديرة بالحياة ،، تحياها ببساطه ،، لا تعرف الموت ولا اليأس ويبدو كل شئ لعينيها خالدا ً سعيدا ً خاضعا ً



تزوجته رغم فارق السن الواضح بينهما ،، تحبه كل ليلة أكثر من سابقتها ،، تنام قريرة العين وتتركه يطوي جفونه على أحزانه التي تجلها ،،



لكنه في الحقيقة منذ أيام لا يغمض له وعي ،،


يظل محملقا ً في الظلام وخلايا رأسه تحترق بالأفكار المحمومة ،،


وهيهات أن تدري شيئا ً عن أحاديث الظلام ،،


عن رعب الظلام ،،



يطمس معالم كل شئ إلا الموت وحده يرى بلا ضوء ،،


وهو كالظلام لا شئ يؤخره عن ميعاده ،،


وإذا جال بالخاطر فقد كل شئ معناه وقيمته



يتساءل ما العمل ؟! ،،


ماذا يطلب من الحياة في الأيام الباقية ؟! ،،



ويجيئ الجواب : كل شئ ،، لا شئ !! ،،



يستوي كل شئ ولا شئ ،


ولكن النفس تأبى التسليم وتخشى الفراغ فتتعلق بالأحلام


لذلك لم تتبدد الأحلام ولكن بقي السهاد


ولم يجد مفرا ً من قراءة القرآن تعبدا ً وتقربا ً ،،


ومطالعة كتب الأرواح سعيا ً وراء طمأنينة ولو تكن وهميه ،،


وسلام ولو على غير أساس ،،



ليس لشئ كثافة الموت وثقله ،،


وهو يكاد يراه ويلمسه ،،


وفظاعة الحقائق حملته على دفن السر في أعماقه ،،


على الانفراد به وحده وعلى كتمانه عن الإنسان الوحيد في دنياه


يا لها من تعيسة الحظ ،، فلتبق في قلق وهو على أي حال أهون من اليأس ،،


ولتمرح بما لديها في جو خال من الحقيقة الرهيبة



* * * *



طال بهما السكوت ،،


وفرغت فناجين القهوة التي أمامها ،،


هو لم يطلب لقاء صديقه إلا لأمر هام ،،


فقطع الصديق حبل الصمت قائلا ً : ما الأمر ؟! ،،


فقال : أردت أن انفرد بك بعيدا ً عن كل شئ ،،


عاد يتفحصه مليا ً فرآه جاد على غير عادته ،،


ثم قال بقلق : أنت لست على ما يرام ،،


فصمت ،،



عاد يقول بجزع : أخبرني عما بك ،،


رفع إلي عينيه الذابلتين وقال : أنا في مسيس الحاجة إليك ،،


سأعترف لك بكل شئ ،،


الحق أني سأموت في خلال أشهر قلائل ،،



فغمغم : ماذا قلت ؟! ،، هل عدت إلى وساوسك ،،


قال بهدوء نسبي بعد أن أزاح الاعتراف عن صدره هما ً ثقيلا ً :


الأمر أجل من معاناة فكر ،، ذهبت إلى عدد وفير من الأطباء وقد أجمعوا على خطورة الحال ،،


قال صديقه : لا أحد يمكن أن يكون على يقين من ذلك إلا الله ،،


فقال بفتور : طبعا ً ،، إنه فوق كل شئ ،، ولكن حالتي تزداد سوءا ً ،،


قال : كلام مجانين ،، فألف حكاية تثبت أن كلام الأطباء ما هو إلا هراء ،،


فقال متنهدا ً : ولكن السرطان ليس هراء



صمت صديقه قليلا ثم قال : المؤمن لا يقطع رجاؤه بالله ،،


قال : وهذا ما أردت لقاءك له ،، اسمع قال لي الطبيب بأن هناك أملا ً ضئيل لحالتي في إجراء عملية جراحية ولكنها خطيرة لذلك سأسافر غدا ً إلى الخارج ،، يمكن القيام بها هنا ولكني فكرت كثيرا وقررت أن أسافر ،،


قال : ومتى تعود ؟! ،،


قال : لا أدري ،،


قال : وأسرتك ؟! ،،


قال : هذه أوراق وتقارير مرضي بعد أسبوع من الآن خذها إلى زوجتي ،،



* * *


افترقوا على ذلك ،، صاحبه يعلم بأنه عنيد ولا يتخذ خطوة إلا بعد حوار طويل مع نفسه ،، فاستسلم ودعا له كثيرا ،،



أما هو فالهم الذي خف عنه ترك مساحة كبيرة في صدره ،، أخذ يحملق نحو الفراغ وهو يجلس في سيارته وقت ليس بالقليل ،، وأخيرا استعان برب العباد واتجه إلى خارج مواقف المقهى ،،


اعترضت طريقه سيارات عديدة وجمع من الناس محتشد وآخرون يهرولون من هنا ومن هناك ،، انتظر قليلا إلى أن رأى رجل قادما من وسط الزحام وهو يتمتم " لا حول ولا قوة إلا بالله " ،،


فأوقفه وسأله : ما لذي هناك ؟! ،،


فقال : أحدهم كان يهم بقطع الشارع غارقا في التفكير أو الذهول ،، لأن السائق الذي صدمه يقول أنه ظهر أمامه فجأة ،،


قال : وماذا حدث له ؟! ،،


فقال : مات ،، وتناثرت الأوراق التي كانت معه في أرجاء المكان



* * *

 

التوقيع

المتشرد

عبدالله الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس