( 4 )
* يوم الزفاف *
وجد أنه بغتة كما يجد إنسان نفسه تحت شاحنة وكان أنعم ما يكون عينا ً بالسلامة والأمن ،، خفق قلبه خفقة عنيفة كسقوط في فراغ كوني ،، بل هي صرخة فزع باطنية تصدعت لها الضلوع دون تسرب فتاتها إلى الخارج ،، وعجب كيف استطاع أن يضبط مشاعره ويلاقيها في آخر لقاء بابتسامة غير مبالية ،، فلعله شغل عن القارعة ولو إلى حين ،، بالصراع الذي نشب بين نفسه وبين الذهول الذي طوقها ،،
كان مأخوذا ً بسرعة الحوادث وغرابة الأقوال حتى خيل إليه أنه في حلم غريب وأن المطر ينهمر فوق رأسه بالحجارة وأنه يتلفت باحثا ً عن مأوى ،،
وراح يستجدي نفسه أقصى ما لديها من قوة ليستر جرحه الدامي عن العيون اليواقظ وليتفادى من موضع الهزء والزراية ،،
وما فتئ يقول : تجلدي يا نفسي وأنا أعدك بأن نعود إلى هذا كله فيما بعد ،، بأن نتألم معا ً حتى نهلك ،، وبأن نفكر في كل شئ حتى نجن ،،
يا لها من متعة ساخرة بالموعد في هدأة الليل ،، حيث لا عين ترى ولا أذن تسمع ،، حيث يباح الألم والهذيان والدموع ،،
سأصرخ في جوف الأرض مخاطبا ً الشياطين ومناجيا ً الدموع المتجمعة بباطنها من أعين المحزونين ،، فالدنيا تبدو لناظري حمراء كعين الجحيم ،،
يوم الزفاف ،، كأنه عنوان لحن على ربابة ،، حيث يشيع القلب إلى مثواه الأخير محفوفا ً بالورود مودعا ً بالدف والزغاريد ،، وباسم الحب ترقص ربيبة القصر على أنغام غافلة ،، وباسم الكبرياء هجر إبليس الجنة ،،
إنه يتكلم ليثبت أنه حي ،، لكنه حي يتألم ،، شد ما يتألم ،،
ترى هل جرى في خاطره يوما ً أن يكون لحبه نهاية غير هذه النهاية ؟! . .
كلا ،، غير أن الإيمان بأن الموت حتم مقدر لا يمنع من الجزع حين حضوره ،، وهو ألم مفترس لا يعرف المنطق أو الرحمة ،، أخانه أحد ؟! ،، اختلطت الأمور عليه ،، غير أن هذا المساء يعده بخلوة حافلة للحزن ،،
وقال : الاغتيال خير من الكفر وأنجح ،، أأريد أن أقتل أم أقتل ؟! ،،
وحيد مهجور كأني صدى حنين هائم منذ أجيال ،، تأمل الآلام التي ترصدك ،، آن لك أن تحصد ثمار ما زرعت من أحلام في قلبك الغر ،، وسوف تسير في طريقك بقدمين ترسفان في الأغلال وفي حلقك شجا ،، والحب حمل ذو مقبضين متباعدين خلق لتحمله يدان ،، فكيف تحمله وحدك ؟! . .
فقد صارت الهوة التي تفصلهما أعمق من المكان والزمان ،، وقد كان يعالج الزمن بجرعات الصبر والمكان بأمل اللقاء ،، ولكنه يخاصم اليوم عدوا ً مجهولا ً وقوة خارقة غامضة لا يدري من تعاويذها ورقاها حرفا ً واحدا ً ،، فليس أمامه إلا الصمت والتعاسة ،،
تراءى له حبه معلقا ً فوق رأس كالقدر ،، يشده إليه بأسلاك من الألم المبرح لا يدري متى تنقطع .
* * *