في عيون (عقيق) تغزل الشعراء وجدلت معاني اللغة وخادعت التوريات لعلهم يصلون لدقة التكوين وغدر النظرة حين تكون بريئة وجارحة مثل خنجر مطعم بالجوهر العسلي المكثف نائماً في دعة الخدر اللذيذ في انسان عينها فإن رشقتك للحظة ، ترنحت كلك، لا سندٌ ولا نسب سيعفو عن دم قلبك المسفوح على عتباتها، ستبيت ليلك تستنبت خيالاتٍ متنوعة في تشكيل باقي الوجه الذي حجبه عنك اللثام ، تقف عند الشفتين متلظياً بين ملتهبٍ وبارد سُكري ، تنهض بك الوجنتين في وردٍ منثور في صحن فضة مجلية ويقف الانف محتجاً على الهتك…
هكذا وُلدت عقيق لا استطاعتها الداية الأولى في مطلع هلالها رضيعة تُولد بلا بكاء، متسعة العينين ، ساطيتهما،تبحث في الفضاءِ الملتاع من قيظ السنبلة والمُحمل برائحة التمر المنثور في الحقول القريبة والحُصر التي تحتضنه،شعرها الاسود يصل الى كتفيها وعلى كتفها الايسر شامة على شكل ِ فص عقيق يلمع بين حمرة الوصل واسود المنع وكان اسمها عقيق…
بذلت الدايات حيلهن في محاولات ٍ فاشلة لحملها على البكاء ،لم تفعل ، همست عجوزهن هذه (بنت جنان) لن تعيش لهم…
تعثرت مبروكة في طوي الارض ركضاً لسيدتها النجيبة كي تحظى ببشارة السلامة بعد مخاضٍ تناوب على كنتها سبع ليالٍ وفي الوصول لمحت وجه السيدة مبيضاً وهي تتعصب بقماشٍ اخضر مطرز بالذهب وتحمل في يدها صرة مفتوحة تعد حباتٍ تناثرت منها في حضنها وتتمتم باوراد ٍ لا تفقه منها مبروكة الا النغم ولم ترددها النجيبة مذ رحلة السيد الاخيرة الى ارض الهند.
بادرت مبروكة بالسلام على الخلوة كما عودتها السيدة ثم جثت عند ركبتها اليسرى ،مدت يدها العنبرية ولامست حرير جلبابها فاومأت لها السيدة بأنها تعرف البُشرى، حل الصمت الذي لن يفض غشائه الرقيق الا صوت النحيبة ومكثتا برهة طويلة لم يُسمع فيها الا طقطقة حبٍ وهمهمةٌ مبهمة ، ما ان فرغت من ما كانت تفعل حتى لوحت بيدها اليمنى وقالت كلمة وحيدة: جمر.
انتفضت مبروكة وهبت لإشعال المبخرة المتوسطة المبخرة ، اخذت تقلب الفحم وتساير ارواح اللهب في سعيها لاحلال اللهب في جسده، وما ان تهيأ تماما للأخذ نهضت النجيبة وفي يدها اربعين حبة فلفل اسود من ما تبقى مما وهبته اياها والدتها من قبل حين خطبها السيد وحان وقت انتقالها من يمين الخليج الى يساره وكان آخر شيء وضعته في يدها قائلة لها هذا التابل ليس للبطن ،انه لما ستعرفينه في التعيين من نجمٍ بوقته وعرفته لكن هذا حديث آخر
اخذت النجيبة الحبات وهمست فيهن ثم نادت إسماً لكل حبة وألقت بها من جهاتِ المبخرة لا على التعيين وكلما اخطأالتصويب اسماً دونته في ورقةٍ لديها وبعد ان فرغت
صيرت الغطاء على المبخرة وقالت للمبروكة
(هذا المبخر قرينك ان فُتش فُتشتِ وإن كُسر كُسرتِ فإن اردت النجاة لا تغفلي عنه فقد عقدت روحه بروحك)
جفلت المبروكة وقفزت الى الخلف فبادرتها النجيبة بخلع قلادة ذهبية معلقة في البسملة والبستها اياها وقالت ( هذه بشارتك وستكون في قلبك بصيرة فإن حاول احدهم مس خلوتي ستحرقك البسملة وتوقظك من نعاسك المُعتاد ولا تجزعي ما اخترتكِ الا لصدقٍ فيك اعرفه وولاء منك احسه )
امرت النجيبة بناتها بالتهيؤ لزيارة عقيقة الوقت وبدء نوء السعد وكانت النظرة الاولى لوجه السيدة مكشوفا منذ أربعين عاما
يتبع