هو : لقاءات أسبوعية في المقهى الشعبي مع صديقي تنفخ بالوجدان نغمة الحلم الغابر ،، الجلوس هنا يتجسد في حال يضطرب له روتين الزمن ،، وتواجه السماء بالأرض وتعانق الشرق بالغرب ،، مناجاة تستعير من مخزون القلب البائد خفقة خاطفة تعيش حياة باسمة فأغرق في ذكريات من الأفكار الحرة المستوردة ،،
إني راض بالعدم ،، أتقبل الواقع حتى بلا اقتناع ،، ما الأشياء إلا نور يهبط فجأة فيبدد الظلمات ،، والألوان تلوح أحيانا ً حتى في الموت ،، حقا ً إنه كون خالي ،،
يا صديقي المسكين متى تسكت ؟! ،، يطلق في عطسة واحدة عشرات الشعارات العقيمة ،، ولكن الجلسة هنا لا تحلو إلا به ،،
علمني زمني أن أفكر ،، علمني أيضا ً أن أستهين بكل شئ وأن أشك في كل شئ ،، هل تترك السفينة للغرق ؟! ،، أبوها ضابط كبير ودخله من عقاراته كبير ويسكن في شارع كبير تماما ً كبيته الكبير ،، فلن أنسى موقفه عند وفاة أبي ،، واقتراحه بشأن الزواج الذي رفضته شاكرا ً ،، فأين سيذهب احترامي لنفسي ،، بل ماذا سيقول الناس عن أهلي ،، أهلي !!،، إني كالثور الذي يحرث أرض شاسعة ،، أم مشلولة وثلاث أخوات أكبرهن لا تزال في الثانوية ،، أما الديون ،، يا صديقي صه !!،، الحب باقة من الورد معطر بالأمل ،، بين الحلم والواقع خيط رفيع لا يرى إلا عند التأمل ،،
قال صديقي ودخان المعسل يكاد يحجب وجهه : ما هي توقعاتك لمباراة الغد ؟! ،،
فقلت دون اقتناع : سنهزمكم شر هزيمة ،،
فانطلق في حديث طويل عن فريقه ،، في عصر اليوم اشتريت هدية بسيطة ،، اقترحتْ في المكالمة بأن نذهب في جولة بالسيارة ،، أنوثة ونظرة عينين ووشاية نبرة ،، باللغة حين تقول الكلمة شيئا ً وتشير إلى شئ آخر ،، تلاشت البراءة الساذجة وحلت محلها مفاوضات وتوسلات من أجل لثمة فوق الخد أو الشفة ،، أطيب ثمرة في الشجرة بسمة ،، اللقاء حوار طويل بين القلوب ،، أما عطرها فهو الحريق في الغابة ،،
هي : لو ابتسمت الأيام لعشت رومانسية سرمدية ،، لكم أحبه ،، دخلت غرفتي ونظرات أمي تلهب ظهري ،، الوحدة تغدق علي شفافية وهّابة للرؤى ،، للأفكار خطوط لا أتجاوزها ولكنها لا تقف إلا في أعماق اللحظات المطوية في القلب ،، انكمشت في الظلمة متلفعة الكآبة ،، وتذكرت حديث رئيس القسم ذات يوم عندما راجعت معه التقرير ولم يبق إلا أن أذهب ،، فأنا لا أطيقه ،،
ولكنه مال بكرسيه إلى الوراء وقال لي : دكتورة ،، عندي حكاية تهمك ،،
" ماذا عنده يا ترى ؟! " ،،
قال : هي مدرسة شابة ،، كانت مخطوبة من ابن عمها،، يئسا من الزواج عندما لم يجد وظيفة هذا غير سلوكه وفضائحه ،، تفارقا وتزوجت من مالك لأحد محلات العطور ووافقت على رغبته في البقاء كربة منزل ،،
دهشت واستأت ،، ولكني سألته بهدوء : لماذا تتصور أن هذه الحكاية تهمني ؟! ،،
فسألني متجاهلا ً سؤالي : لكل مشكلة حل ،، ولكن ما رأيك في تلك المدرسة ؟! ،،
فقلت في شئ من الجفاء : لا أستطيع أن أحكم على واحدة لا أعرف ظروفها ،،
فقال بهدوء غريب : أنا أعتبرها عاقلة ،، فربة المنزل خير من مدرسة عانس !!
غادرته بوجه لا أشك أنه عالنه باستيائي ،، له نظرات طامعة لا يمكن تجاهلها ،، والحق أني طالما كرهته لذلك ،،
وعندما رويت لحبيبي ما دار بيني وبين المدير قطب غاضبا ً وهتف : سأطالبه بألا يتدخل فيما لا يعنيه ،،
فقلت بتوسل : الأفضل أن نهمله كي لا تسوء العلاقة بينكما
فقال بامتعاض : المسألة أن موقفي منك ضعيف لا أدري كيف أدافع عنه ،،
فقلت بلطف : لست متهما ً ولا أطالبك بدفاع
فقال : إني مسئول وحزين
وصمتنا هاربين إلى رحمة الضحكات حولنا في مطعم المستشفى ،،
حتى جاءني صوته متشكيا ً : كأننا نسينا حديث الحب ،،
فقلت مدارية حزني : لسنا في حاجة إلى مزيد منه
فقال وهو يرمقني بامتنان : أحبك ،،
فقلت وأنا في غاية من التأثر : أحبك
تخيلت حياتنا الماضية والحاضرة ،، كأنها خيال لا حقيقة ،، ورغم ذلك هفا فؤادي إلى البيت الذي يجمعنا معا ً ،، بيت بسيط ولكن يخفق بين جوانحه الحب ،،
وفاض من قلبي نبع حنان متدفق عندما أمسك بيدي وقال بصوت دلني على أنه يشاركني أشواقي : شد ما أريدك أكثر من أي شئ في الوجود ،،
انضباطي خلقة مركبة في أعماقي منذ الصغر ،، حواري مع رغباتي الجامحة دائما ً ينتصر ،، لم تؤثر فيّ تجارب شاهدتها عن كثب أثناء الدراسة بين الزملاء ،، حافظت على تصوري الوقور لمعنى الحرية ،، لم أتزعزع ،، لم أتساهل في رزانتي ،، ولم أبرأ من الحزن ،،