منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2020, 04:50 PM   #23
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1364

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


ماذا اخترتَ؟
ردَّ فهمانُ بثقة..أريد الحصول على بكاليوريوس في العلوم الفيزيائيّة ، ثُمّ أردفَ ..وقدْ حددتُ لك المطلوب مِن الإجراءات كي التحقَ بالجامعة هناك .
-أيّ جامعة اخترت؟
-جامعة بيركلي بكاليفورنيا.
-ألم تكن هذه الجامعة التي حفظها الله من البركان بمعجزة ؟
-هي يا أبتِ حفظك الله ورعاكَ .
-صمت فطين متأملًا في ابنه وتفرّس شيئًا قاله في نفسه ..لعلّ الله حفظها من أجلك يا ولدي ، ثمّ سأله ..متى تنوي السفر ؟
-بمجرد الانتهاء من الأوراق اللازمة سأسافر فورًا ، خلال ستة أشهر على الأكثر أكون في بيركلي .
-تمام ..أعدّ أوراق سفرك وتوكّلْ على الله .
-أعددتها أبتِ..وبمجرد الموافقة على ابتعاثي وحصولي على خطابِ قبول جامعة كاليفورنيا وحصولي على نموذج i-20 المسمى بشهادة التأهيل الصادر منها عبر البريد السريع سأحصلُ على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة مباشرة f-1 مِن القنصليّة الأمريكيّة بالقاهرة ، وبعدها أعدُّ حقائبَ السفر مودِعًا إيّاك يا أبتِ.
-وما المسار بالضبط حال نزولك أرض الأمريكان ؟
-ساتصل بالملحقيّة المصريّة بواشنطن ، وبعدها اتّجه مباشرة إلى كاليفورنيا جامعة بيركلي ، وهناك سيأخذوني إلى حجرتي بالسكن الجامعيّ الخاص بها.
-كيف ؟ ألَا تحتاج إلى إبرام عقد خاص بالسكن الجامعيّ ؟ أمْ ستنزل في غرفة إيجار خاصة أولاً ؟
-أنا أحجز مِن مصر أبتِ ، وعندما أذهب إلى هناك أكون على علم بمنزلي الجامعيِّ لديهم .
-الحمد لله ..يطيبُ المنزل إن شاء الله.
فراق ووصايا في جذر الرجال
الفراق..
أعدَّ فهمان أوراق سفره استعدادًا للرحيل في الصباح ، والآن الليل هو محطة انتظار لحين فلْق الحبّة .
هاتف فطينُ الطبيبَ مؤيدًا ليأتيه على وجه السرعة ، فلمّا أتاه أخبره أنّ فهمان سيسافر في الفجر متّجهًا إلى أمريكا مِن أجل استكمال دراسته .
-بالتوفيق إن شاء الله ..
-بوجّهٍ كالحٍ قال ..صديقي الحميم لمْ يكن لفهمان أحدٌ غيرالله وسواي ، ولو حدث لي شيئًا فسيضيع ، ولن يستطيع استكمال دراسته بالخارج .
-ردَّ مؤيد مطمئنًا ..فطين الإشارة خضراء على الدوام مِن اتحاد المقاومة للسير إليك والوقوف بجانبك وتلبية كلَّ رغباتك مهما كان الثمن .
صمت فطين لحظات وفجأة أجهش بالبكاء وظلَّ يبكي حتى وصل إلى حدِّ الخنين ، وبدأ صوت خنينه يرتفع مع رعدة تصيب الجسد ، وفهمان يسمع صوت نحيب أبيه من داخل غرفته فيبكي ويزداد بكاءً ببكاء أبيه ، خرج فهمانُ مسرعًا من غرفته واقتحم مجلسهما ، ثمّ قذف حضنه في حضن أبيه ، وقال بصوت متهدّج من البكاء ..لن أسافر، لن أسافر أبتِ ، لن أتركك.
أبعده فطين عن حضنه قليلاً ثمّ مسح دموع عينيه بيده اليمنى ، وربت بعدها على شعره وقال ..لابدَّ أن تسافر بني ، مصر في حاجة إليكَ ، لابدَّ أن نضحّي مِن أجل تراب بلدنا ،سافرْ.. سافرْ ..وإن أردتَ أن تخفّفَ عنّي ما أجده فكنْ عند حسن ظنّي بك ، وأرني وهذا العالم من هو فهمان فطين المصريّ .
بكى مؤيد لهذا المشهد الساخن المفعم بالحرارة ، أشدّ ما تأثّر به مؤيد هو كلمة فطين لولده "لابدّ أن نضحّى من أجل تراب بلدنا ".
نظرَ مؤيد إلى فطين وقال له متأثرًا..اطمئنْ تمامًا ولا تخشَ فنحن أيضًا أهله ، ألم ترَ رأسك ؟ ألم تدرِِ أنَّ الدّم المصريّّ والفلسطينيّ دمٌّ واحدٌ ! توكّلْ على الله وسفّر ابنك واعلمْ أنّي أتكلم ب ..اقتربَ إلى أذنه وهمسَ قائلاً ..بلسان اتحاد المقاومة .
ثُمّ استاذن ورحل مؤيد .
-نظر فهمان لأبيه وقال..لِم لا تسافر معي؟
-أسافر! ومَنْ ينفق عليك؟
سافرْ أنت مع السلامة ، وتعلّمْ واخدمْ وطنك ..سيأتي يومٌ ياولدي وستحتاج مصر إليك ، هذا اليوم ستجد فيه من يحمل هذه البلد ويقيم دعائم العدل فيها ويستعين بك وبالعلماء للعودة مجددًا إلى القمّة التي فقدناها منذ قرون .
سنتقلّد القممَ يومًا ، ونطفو مِن لُجج الأنهار طفْو النجاة لا طفو الغرقى كما هو الحال اليوم ، فطفو الغرقى خاص بالمنافقين يا ولدي .
اذهبْ ..اذهبْ ونِمْ الآن حتى تستطيع أن تسافر.
مرّت الساعات حتى أذّن الفجر الآذان الأخير الذي فيه يفترق الحِبّان .
لمْ يناما ، كانت ساعات الانتظار تحرقُ الأكباد قبل القلوب ، حتى جاءتْ لحظة الخلاص ، رغم أنها الضربة القاضيّة إلَا أنّها سوف تريح القلوب والأكباد من جلدات الانتظار .
أذّن الفجر مُرسلاً بين ثناياه رُسلَ الرحيل ، وتنفّسَ الصبّح لهيبًا في قلبيهما ، وأرسل سطوعه أضواءً تضئ لفهمان دروب الرحيل .

على أبواب المطار...
حمل فطين حقائب ابنه وأستقلّا سيارة قاصدين المطار .
وهناك ولّى عهد الكلام باللسان ، تكلّمتْ العيون فقط ، ترسل كلماتها دموعًا ساخنة ، وانكتمتْ الأنفاس في فضاء الرحيل .
على أبواب المطار سقطتْ لاسته فشعر أنّ رأسه قُطعتْ مرّة أخرى ، وفقدَ عصاه التي يتوكأُ عليها فشعر عندها وما كذبه قلبه قبل ذلك بأنّه الوداع الأخير .
على أبواب المطار تستعد الطائرة لتقلع به وبالركاب متّجهة إلى بيركلي التي حفظها الله من البركان .
قال فهمان بعينيه ..سأفتقدك يا أبتِ ..
ردّ فطين بعينيه..وأنا كذلك يا ولدي يحفظك الله من كلِّ شياطين الأنس والجنّ .
وحلقت الطائرة في الجوّ وفطين يرمقها بعينين زائغتين ، بينما يده اليمنى ما زال يحركها مودعًا إياه .
ولجَ فطين الحيّ فقابله أحد الأهالي وسأله عن لاسته المزركشة ، تحسّس فطين رأسه فوجده حاسرة ، ثمّ عاود وسأله عن عصاه فنظر في كلتا يديه وتذكّر أنّه فقدها في المطار ، تركه فطين ولم يجبْه بشيء ، ولجَ حجرة ولده يرفلُ في ثيابه فأمسكها مسمارٌ في الباب فمزّقها .
تسارعتْ دقّات قلبه حتى أغلقتْ أنفاسه كأنّه في حشرجة النزع الأخير من الموت ، ركض ساعات فتململَ كالمريض .
تحامل على نفسه وقام ليطفئ نار الفراق بصبّ الماء على أعضاء جسده ، فتوضأ وصلّى ودعا الله أن يثبّته على هذا الأمر الذي لا طاقة له به.
ثمّ رقد في مصلّاه وظلّ نائماً أكثر من اثني عشر ساعة .

الجزء الحادي عشر
غرفة ببيركلي تتوّج جبين الجامعة شرفًا وعزّة إلى الأبد ..
طارتْ طائرة الرحيل إلى أمريكا ، وبمجرد هبوطها توجّه فهمان إلى إدارة الهجرة والجوازات بالمطار بأوراق الالتحاق وتأشيرة الدخول إلى مسئول الجمارك وحمايّة الحدود ليختم له تاريخ الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة .
اتصل فهمان بالملحقيّة الثقافيّة المصريّة في واشنطن لتسوية الشئون الماليّة الخاصة بدراسته ومعرفة كلِّ الأمور المتعلقة بوحدات الدراسة ، وكذلك لمعرفة الأمور الخاصة بالمدينة السكنيّة التي سيقيم بها .
بعدها ركب إحدى السيّارات الهجينة إلى كاليفورنيا قاصدًا جامعة بيركلي ، وبمجرد نزوله أرض الجامعة اصطحبه أحدُ إدارىّ الجامعة إلى سكنه بالمدينة الجامعيّة الخاصة بها .
كانت المدن الجامعيّة في أمريكا مخفّضة نسبيًا في العقود السالفة ، ومع توافد الكثير مِن الطلبة إلى جامعات أمريكا وتزاحُم ولاياتها إلى حدٍّ أصبح مِن غير المعقول قبول أجناس عربيّة أو أسيويّة ، بدا هذا الدعم النسبيِّ يقلُ تدريجيًا حتى انعدم تقريبًا ، حتى أنّنا لا نكاد نرى فرْقًا كبيرًا بين تكاليف منزل في فندق كبير وغرفة في المدينة الجامعيّة .
وكانت حجرة فهمان التي اتّفقَ عليها مُسبقًا مِن مصر فسيحة نسبيًا ، تحتوي على سريرين ، ونظرًا للتكاليف السكنيّة الباهظة آنذاك فقد آثر أن تكون مشتركة لرفع نصف التكاليف عن أبيه .
وقد سبقه إليها جاك ، فقد اختارها مِن قبْله .
أقدم عليه فهمان ، وما إن نظرَ إليه حتى شعر بشيء يربطه به ، شيء يصله به أشبه بحبل المشيمة السري ، فصافحه مغتبطًا .
*وفى اللحظة التي صافح فيها فهمانُ جاكَ كان أبوه ما زال نائمًا في مصلّاه لم يستيقظ بعد ، انفرجت أساريره وتبسّم بسمة وهو نائم .
صافحه وتعمّد فهمان عندها ارتطام يده بيده بقوّة أثناء المصافحة ، اكتنفه الذهول فقد شعر ببرد يده في قلبه.
شعر بقوة قبضة يده وهكذا كان أبوه ، لمْ يلحظ أيّ اهتزازٍ في جسده فهو ثابت كالمسمار وهكذا كان أبوه .
ابتسامته عريضة صادقة وهكذا كان أبوه ، فتمنّى عندئذ أن يكون هذا الفتى كلّ أهله بعد أبيه .
لمْ يتركْ فهمان هذا الشعور الرائع يمرُّ عليه مرَّ الكرام ، حدّقه ، تفحّصه بنظرة عميقة ، وأوغل في نفسه يريد أن يتفحّص أعماقه وهو ما زال يصافحه لم يتركْ يده بعد .
قسمات وجهه تأخذ مِن كلِّ ملامح أهل الأرض ، لمْ يكن أحمر ولا أصفر، كما لم يكن أبيض ولا أسود فقد اجتمع في لون بشرته خليط مِن كلِّ هذه الألوان ، وإن كان يغلب عليه اللون الاصفر، وكأنّ ملامحه تشير أنّ كلَّ ألوان أجناس البشر هي كلُّها كلُّها أوطانه ، وصدقت فراسة فهمان فهي بالفعل نظرة جاك للعالم .
عيناه حادتا البصر كالصقر ، واسعتان ، عريض المنكبين ، مفتول العضلات ، ممتلئ الصدر إلى حدٍّ ما ، غزير الشعر في اليدين ممّا ينمُّ أنّه غزير كذلك في الصدر .
لا بالطويل ولا بالقصير وإن كان للطول أقرب .
هدوؤه وابتسامته الخفيفة تدلّ عن شاب يتسم بالمودة والعطاء .
أكثر مِن دقيقة وهو ما زال ممسكًا بيده فلم يسحبها ولم ينبسْ بكلمة ، ولقد توغّل أيضًا جاك في أعماق فهمان فوجد فيه النبوغ والتضحية والعطاء .
فلمّا طال بهما الأمر سحب كلٌّ يده .
وعزما على التعارف وبدأ فهمان بالكلام..
-أنا فهمان فطين المصريّ ، أودّ دراسة العلوم الفيزيائيّة .
-وأنا جاك ، سكت هنيهة ثمّ أعاد وزاد ..جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة .
-أيّ مواد دراسيّة سوف تسجّلها .
-علوم فيزيائيّة .
-جيد جدًا .
-بالطبع كما وصفت ..وأرجو أن نتعاون معًا ما دامت ميولنا واحدة .
-وأنا كذلك ، أنا سعيد بزملاتك جاك ، ثمّ تمتمَ على استحياء..ماذا تعني جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة ؟
-ألم يكن فهمان المصريّ هو ابن الفراعنة؟.
تثاءب جاك رغبة منه في إنهاء هذا الحديث ، وكان هناك سريران فخيّره قائلاً..أىّ السريريْن تحبُّ ؟
ركضا..بيد أنّ عينا فهمان لم تناما ..يفكّر في أبيه ماذا يفعل بعده ، كما يفكّر في هذا المهيب الذي يرقد على السرير الآخر.
سأله فهمان مجددًا..هل يسكن أبوك هنا في كاليفورنيا؟
-مات.
-رحمه الله ..وأمُّك ؟
-ماتت.
-رحمها الله.
-هل لك أقارب؟
-أمريكا ..
-وهل ال.....
لم يكملْ السؤال حيث سمع له صوت الغطيط ، فنظر فوجده يغطُّ في نومٍ عميق.
كابوس فهمان ..
رقدا ، ولم تجمع الحجرة جسديهما فحسب ، بل جمعت روحيهما من خلال كابوسين ظهر في ملامحهما تكليفًا برسالتين .
ورقدا أول نومة ، ورأيا عُجاباً .
أمّا فهمان فقد كان كابوسه مخيفًا .
رأى روحه بعد ثلاثة عشر عامًا من مستقبله تعبر سمًا كسمّ الخياط ، ثمّ طُرحت على طاولة ناريّة فخشي أن تحترق ، فضج صارخًا يستغيث ، فجاءته مخلوقات تبدو عليها علامات التقوى فأمنته وأسكنته ، بعدها ببضع سنوات ألقوا عليه نورًا لم يره من قبل فنهض وقام من مرضه ، ثمّ رأى آلهة كاذبة تستعبد البشر فتمنى عندها الموت فصرخ وخرّ ساجدًا .
كابوس جاك ...
وفي نفس التوقيت يحلم جاك بكابوسٍ هو الآخر .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس