منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - صُبحي المحملجي.. ( قراءة ).
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-11-2020, 06:40 PM   #1
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 55265

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي صُبحي المحملجي.. ( قراءة ).


.



يقول : عبدالرحمن ..

لقد تحدثنا أنا وفيصل أكثر من مرة عن صبحي المحملجي ، وكنا نخلص ، في النهاية ، إلى الشفقة عليه ، الشفقة بمعنى الرثاء ، وليس بمعنى التبرير. لقد كان هو أيضاً ضحية مجتمع وقيم زائفة وخاطئة ، لكنه يبقى إنساناً ، وابن مرحلة معينة وفي مجتمع معين ، وهذا ما عجل بسقوطه ، أو جعله نموذجاً لقيم مرفوضة .
كان من السهل أن تُعطى عنه صورة كاملة منذ الصفحات الآولى : الجشع، الإنحطاط ، التفاهة ، لكن في هذه الحالة فإننا ندين الشخص أكثر مما ندين الحالة ، وبالتالي لا يعود هناك حاجة كبيرة لتتبع حركة المجتمع والتطور الحاصل فيه من خلال أشخاص.
ما أعتبره أكثر أهمية من الشخص : المناخ ، الشروط ، الآلية التي تؤدي إلى أن يكون الشخص هكذا.


,


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



ويخبرنا : السيد ناصر صالح الغيلاني..

لعل من بين الشخصيات العظيمة على صعيد الرواية العربية والتي لا يستطيع القارئ نسيانها أبداً شخصيـة الحكيـم: صبحي المحملجي التي استـطاع الروائي العربي الكبير: عبد الرحمن منيف أن يبدعها في روايته الملحمية " مدن الملح " فهذه الشخصية بها من الغنى والتفرد والتناقض ما يثير الأسئلة ويبعث على القلق في نفس القارئ بحيث تجعله لا يستطيع أن يتخذ موقفاً أحادياً منها إما الحب أو الكره كما يحدث في الغالب وإنما تتعدد زوايا الرؤية لهذه الشخصية بحيث يتاح لنا رؤيتها من الخارج والداخل في آن واحد ، فبمقدار ما كنا نراها وهي تصل إلى مدينة حران وافدة من بلدها الأصلي مليئة بأطماعها في الحصول على الثروة والسلطة ثم وهي تغزو مدينة موران وتتقرب بدهاء من السلطة في صراع إنتهازي وأحياناً دنيء مع خصومها وصولاً إلى إعتبارها الآمر الناهي في الدولة الخريبطية ، كنا نراها أيضاً في منزلها وغرفة نومها ! ، فنكتشف علاقتها مع أسرتها الصغيرة وهمسها السري في دواخلها ، وأوهامها الكبيرة في بناء مدينة موران ووضع فلسفتها في الحكم والإدارة والتي ستضع إسم صبحي المحملجي كأحد المصلحين الكبار في التاريخ وانتهاءً بخيبتها ووقوعها ضحية للآخرين.

إنها شخصية مذنبة وضحية في نفس الوقت ، فلأول مرة في تاريخ الرواية العربية نجد أنفسنا أمام شخصية استفزازية وبائسة ، إنتهازية وأيضاً تستحق العطف ، قوية ومسيطرة ولكنها في منتهى الضعف ، ذكية وواعية وبها رغم ذلك الكثير من البلاهة ، مادية إلى أقصى الحدود وأيضاً حالمة! ، حاولت أن تخدع الآخرين وأن تسخرهم لمصالحها ، فاكتشفت في النهاية بأنها مخدوعة .. إنها شخصية شديدة الغنى والثراء والتنوع ، لقد تتبع السارد جوانب حياتها المختلفة فعرفناها في قوتها وضعفها ، في انتصاراتها وإنكساراتها ، أحلامها وخيباتها ، إنتهكنا سريتها فإكتشفنا أنفسنا ومقدار ما فينا من المحملجية.

إنها شخصية من لحم ودم وبها الكثير من الإستقلالية والتفرد إلى الحد الذي دعا عبد الرحمن منيف إلى الإعتراف " هنالك بعض الناس يلومونني لأن شخصية " المحملجي " كانت تتمتع بحد معين من الإستقلال ، وأنها في لحظات معينة كانت محبوبة وليست مكروهة " ... ولعل أحد جوانب التميز والتفرد في هذه الشخصية هو في قوة تمثيلها لنموذج عريض من المتعلمين الأوائل الذين سافروا من بلدانهم الأصلية إلى الدول النفطية للإغتناء وتسخير علمهم في استغلال جهل الناس وانتهاز الثروات بتملق السلطة والحكام ، والحصول على مكاسب دنيوية هزيلة بإلغاء كل احترام لذاتها وبالتالي استغلال علمها في ترسيخ قيم انتهازية وصولية في هذه المجتمعات .. فالدكتور صبحي المحملجي كما وصفه الناقد: فيصل دراج هو نموذج لهذا " العارف الذي يكرس معرفته لخدمة الظلام " والذي ساد بشكل واسع في عصر النفط العربي .

كان المحملجي كما كتب في لافتة عيادته حين قدم أول الأمـر إلى مدينة حران " طبيب وجراح . اختصاصي في الأمراض الداخلية والتناسلية من جامعات برلين والنمسا " لهذا سرعان ما نافس الأطباء الشعبيين وأقصاهم ثم عرف بأساليبه الملتوية وبأعشابه المقوية! كيف يتقرب من أولي الأمر ، وبعد أن امتلك السلطة سعى إلى ترسيخ قواعده وقوانينه الظلامية .. في البداية أسس الصحافة باعتبارها أحد حاجات الدولة العصرية.
كان يقول لنفسه " يجب أن يكون دور الصحافة كاملاً ، كلياً ، ودائم التجدد ، أن يعيد تشكيل عقل البشر وعواطفهم ونظراتهم ، وأخيراً مواقفهم ، بحيث لا يفكر الإنسان ولا يتصرف إلا على ضؤ هذه النظرة .." الأخدود ص235، وهكذا تحقق ما أراده الحكيم وبعدهـا تفرق لتأسيس جهاز الأمـن " كان يقول لنفسـه إنه يمسك بيده أوراقاً قوية " الإعلام والأمن " .. " وهكذا أخذ الحكيم يتحرك ويؤسس " مؤمناً أنه منذور لأمر عظيم : بناء دولة ! " وبعد أن تم له ذلك كما يتصور أخذ يتفرغ لوضع فلسفة لهذه الدولة كان يقول لنفسه: " الفلسفة أساس الفكر والعلوم وأن دولة من غير فلسفة مثل سفينة من غير ربان " الأخدود ص239، وهكذا أخذ يقضي أوقاتاً طويلة في التأمل والتفكير والمقارنة حتى توصل إلى فلسفة المراكز الأربعة أو نظرية المربع كما يحب الدكتور صبحي أن يسميها وهي : العقل ، فالقلب ، فالمعدة ، فالجنس أضلاع المربع الأربعة بإنتظام ترتيبها تستوي الأمور.

أما كيف اكتشف الحكيم هـذه النظرية فهو يقـول لنفسه : " مثلما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية من سقوط التفاحة ، وقبله أرخميدس وهو يستحم ، كذلك وجدت نفسي أكتشف نظرية المربع " الأخدود ص241 ووفقاً لنظرية الدكتور صبحي الرائعة! فإن كل الأشياء تقوم على أربعة فالكرسي بأربعة قوائم والفصول أربعة وعناصر الطبيعة أربعة : الهواء والنار والماء والتراب ..إلخ وبعد أن اكتشف الدكتور صبحي النظرية بدأت مُعاناته مع الكتابة إنه يطمح في الخلود ، والكتابة هي الوسيلة الأعظم ، لكن الأفكار تلتبس عليه ولا يعرف من أين يبدأ .. يقـرأ مـراجع كثيرة ، ويدون ملاحظـات عديدة ، ويجمع الدفاتر الأنيقة والأقلام الراقية التي سيسجل بها المؤلف العظيم! ويبدأ في وضع العناوين ومعاناة اختيار العنوان الأنسب إلى أن يصل إلى العنوان الأقـرب إلى نفسه " الناموس الأساسي في الفكر السياسي لأبي غزوان الحكيم النطاسي : صبحي المحملجي الطرابلسي " إلا أن بداية الكتابة تتأجل باستمرار مرة بحجة حرارة الجو ومرة أخرى بقلة الإستقرار النفسي ولكنه يحاول .. يضع الدفتر والأقلام أمامه إلا أن الأفكار تهرب وتختلط ولا يعرف من أين يبدأ ويسأل نفسه " كيف يبدأ الإقلاع ؟! " متخيلاً الكتاب وقد ترجم إلى لغات عديدة وهكذا يغرق الحكيم في عالم آخر .. نسي نفسه ونسي السلطة ونسي زوجته وأولاده فنساه العالم وفقد سلطته لأن بدلاء حلوا مكانه يؤدون نفس الدور والغرض ولم يعد أحد يأبه بالدور العظيم الذي قام به الحكيم في تاسيس موران ! لهذا ما إن قام انقلابٌ مفاجئٌ في الحكم حتى رمي الحكيم وزوجته وأولاده إلى الخارج ليقضي خريف عمره في الغربة متجولاً بنظارته السوداء التي يخفي بها خيبته الكبيرة وانهيار أحلامه ، خسر السلطة وخسر الكتابة وفي النهاية ـ وهذا ما يسبب له الأحزان المضاعفة ـ خسر الخلود في التاريخ .

وستظل شخصية الدكتور صبحي المحملجي واحدة من أهم وأعظم الشخصيات في تاريخ الرواية العربية المعاصرة إن لم تكن أهمها على الإطلاق وهنا تتضح قدرة الروائي على خلق شخصية مستقلة تماماً عن ذات كاتبها وإعطاءها حريتها التامة وكيانها الخاص وحياتها المتفردة ، لهذا فهي شخصية استثنائية متفردة إنها تمثل الحالة المحملجية التي أصبحت تسم هذا العصر العربي البائس والتي ينبغي التوقف عندها طويلاً وتأملها لأننا بمقدار ما سنرى فيها الآخرين سنرى أيضاً أنفسنا بأوهامنا الكبيرة وأحلامنا الساذجة التي قد تودي بنا إلى سخرية التاريخ كما فعلت بالدكتور الحكيم أبو غزوان صبحي المحملجي.


 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس