منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2020, 12:52 AM   #6
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


ثمّ سأل نفسه كيف لمْ أرها إلّا اليوم !جاك لابدَّ أن تنتبه أكثر مِن ذلك .
وكان البستانيَّ أيضًا يحدّث نفسه ويقول إنَّ هذا الفتى جاهل وسئ الخلق .
وعلى الفور قال له.. أأنت أعلم من الجامعة كلّها يا أحمق ؟ اذهبْ عليك اللعنة .
لم يتمالك جاك نفسه وهمّ بضربه ولكن سرعان ما تذكّر أنّه وجّه نصيحته إلى الوجهة الخطأ ، فكظم قبضة يده وأرخاها تحت غيم الكظيم .
وقرّر أن يكلّم رئيس الجامعة بشأن الشجرة غدًا ، ثمّ اتّجه قافلاً إلى المسكن .
دخل جاك على فهمان الذي أنهى اختراعه منذ لحظات فقط .
استلقى جاك على سريره وتوجّه بنظره تلقاء فهمان يتأمّل في قسمات وجهه الأليفة ، كما يتأمل في الأكياس التي على الطاولة .
والعجيب أنّ فهمان نفسه لم يشعر بلحظة دخول جاك أصلاً ، فهو لم يدرك إلّا ما كتّل له كلّ محسوساته وهو صنْع خليّة صمام تلك التي أنهاها منذ لحظات وهمَّ بها ليجربّها .
فجأة وقع أحدُ الأكياس المغلقة على الأرض وتمزّق وخرج ما فيه من محتوى وتدحرج متواريًا تحت السرير .
أحسَّ جاك بالاختناق فهبّ منتفضًا على الرغم أنّ أبواب وشرفات الحجرة مغلقة تمامًا ، أي لم يأتها أىّ دخان خانق من خارجها ، فصرخ في فهمان وقال له ألم تجد المحتوى بعد ؟
ثمّ جرى إلى باب الحجرة ونافذتها ففتحهما ، فقلّ الاختناق ولكنّه ما زال مستمرًا .
ثمّ أعاد القول مرّة أخرى..أوجده وأغلقه .
فلمّا أمسكه فهمان ووضعه في كيس آخر تجدّد الهواء كما كان مرّة أخرى ، ثمّ قام جاك وأغلق الباب والنافذة .
تعجّب فهمان وكان في قمّة الدهشة لِما وصل إليه جاك مِن ردّ فعله ، ثمّ سأله ما الذي أعلمك أن سبب الاختناق هو المحتوى الذي كان بداخل الكيس .
ردّ جاك..لم يحدث الاختناق إلّا بعد أن وقع الكيس وتمزّق ، هذا الكيس يا صديقي به معدن يمتصُّ الأكسجين من الجوّ ، فلمّا ثُقب أدّى المعدن عمله على أكمل وجه.
فقال فهمان ..أتعرف ما في هذا الكيس؟
رد ّ..مِن أين أتيت بهذا المعدن يا صديقي ؟ إنّه نادر جدًا.
تعجب فهمان من قوله "إنّه نادر جداً " ثمّ سأله أتعرفه ، مَن أعلمك بحيازتي له ؟
ردّ جاك ..سرعة الاختناق تدلّ على أنّه معدن الكوبالت مضافًا إليه بعض المركبات ، إنّها بللورات ملحيّة مازة قادرة على تفريغ أكسجين الحجرة في ثوانٍ معدودة ، إنّه ثقب أسود للأكسجين فقط .
*وأثناء الحوار ازداد الجوّ سوءًا بالخارج ، فقد ظهرتْ سحب كثيفة جدًا في السماء تُنذر الأرض بقصف رعدٍ وحشيّ .
قال فهمان ..هل ترى هذه الخليّة الصماميّة التي بيدي ؟
ردّ ..ما عملها ؟
قال ..الخليّة الصماميّة عبارة عن قناة تحتوي على مركب يقوم بسحب مركب الأكسدة الأوّل المتراكم على البللورات ثمّ يتطاير في الهواء .
قال جاك ..كمْ معك مِن هذه الأكياس الآن ؟
ردّ .. مئة وسبعة عشر كيس وها هي صماماتهم سوف أركبها .
قال جاك ..مبارك لك صديقي..اختراعك سوف يوفّر بعض حاجة روّاد الفضاء من الأكسجين ، حيث من الممكن تركب على البذلة الفضائيّة لتمتص الأكسجين إلى داخلها .
ورعدتْ السماء بشدّة وتزايد رعدها وتوالى القصْفُ واحدًا تلو الآخر ، وغدت الرياح تقتلع بعض الأشجار ذات الجذور الصغيرة .
سمع جاك رعد السماء فتذكّر الشجرة ، فقطع حديثه مع فهمان وعزم على الذهاب إليها وقطْعها على الفور .
وتبادر إلى سمعه ومخيّلته حفيفها الشديد فتفجّع أكثر وأكثر، ثمّ قال إنّها الآن شجرة شيطانيّة .
ووقعتْ الواقعة ، فقبل خروجه سمع أبواق إنذارات الحريق تُطلَق في كلِّ مكان من الجامعة .
خرج جاك وفهمان على الفور إلى الردهة المؤديّة لكلّ حجرات المسكن ، وكان فيها لوحة تحكّم أنظمة الاحتراق والمتصلة بطريقة مباشرة مع باقي لوحات التحكم الموجودة في الجامعة كلّها ، إنّها مِن النوع المعنون ، وفيها وجد رقم لوحة تحكّم ، هذه اللوحة الأخرى تعطي أجهزة استشعارتها إنذارت الحريق ومدوّن عليها إسم المكان ومحتوياته ..قرأها جاك وعلم مكان الاحتراق ، وقد صدق ظنه فقد نشب الحريق في المختبر الذي تطلّ عليه الشجرة ، فعلم أنَّ المحذور قد وقع ، وأنَّ العاصفة الرعديّة قد اخترقت الشجرة فشبَّ فيها الاحتراق نتيجة الأكسدة ، وأحرقتْ معها المختبر وسرتْ النار تعدو في المبنى كلِّه .
على الفور طلب من فهمان إحضار الأكياس وخلايا الصمامات التي صنعها ، أسرع فهمان داخل الحجرة وأخرج البللورات الملحيّة المازة من الأكياس ووضعها على الفور في خلايا الصمامات ثمّ وضعهم جميعًا في شوال وحملها ، فلمّا خرج من الحجرة متّجهًا إلى الباب الرئيس وجد جاك منتظره في سيارة يلوّح بيده ليستحثّه على الإسراع ، تلك السيارة اقتحمها منذ دقائق معدودة ، ونتيجة ذلك أعطت أجهزة استشعاراتها إنذرات صاخبة ، وتمّ نقل الفعل على هاتف صاحبها وبيته .
ركبَ فهمان السيّارة مع جاك وما زالتْ تزأر ، طار بها جاك متّجهًا إلى مكان الحريق .
وفي طريقهما شاهدا الطلبة والأساتذة يهرعون مبتعدين عن مصدر الحريق ، يصرخون متفجعين ، بينما ألسنة اللهب ترسل دخانها إلى أسفل السحاب .
ومن داخل مكتب رئيس الجامعة نجده سمع السرايين التي أُرسلت مِن لوحة تحكّم مكتبه ، فألقى الملف من يده وخرج هلعًا لينظر الحدث ، فشاهد ألسنة النيران ترتفع وتكاد تلتهم الجامعة ، وسمع سرايين سيارات الإطفاء التي تسد الآذان .
*على الفور تحركتْ طائرة الإطفاء الأمريكيّة العملاقة متجهة إلى المختبر المراد ، بينما بدأت سيارات الإطفاء تدخل بيركلي من الباب الرئيس مطلقة أبواق إنذاراتها.
*وجاك وفهمان على بعد مئات الأمتار مِن مكان الاحتراق ، النار التهمتْ المختبر فانفجّر وامتدتْ ألسنته إلى المختبرات المجاورة ، وبدأت النيران ترتفع عاليًا فحالات الأكسدة في أشدّها .
ارتفع جاك بالسيّارة إلى أعلى وأحاط بالمكان إحاطة السوار بالمعصم ، وظلَّ يدورحولها بأسرع مِن دوران الصقر ، و يُحصي نيرانها كأنّه يحبسها خلف جدران عازلة ، وفهمان يرمي بالخلايا الصماميّة على مواضع الأكسدة ، يدور جاك بسرعة البرق ويرمي فهمان بحكمة وحنكة منقطعة النظير .
يلقي تلك الخلايا الصماميّة التي تأكل الأكسجين من الجوِّ بوساطة البللورات المازة ، تسحب الأكسجين ولا تشبع أبدًا ، ولا تسمح الصمامات بخروجها .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس