منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - 1ـــ3 التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـاص:مبارك الصادق
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2021, 10:52 AM   #1
طارق احمد
( شاعر وقاص )

افتراضي 1ـــ3 التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـاص:مبارك الصادق


التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس)
للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــــــــــادق
( 1ــــــــــــــــــ3 )
طارق أحمد عبد الله
tarig201677@gmail.com


في قراءتنا لمجموعة الأستاذ (مبارك الصادق)(أحزان أم الناس) .. الصادره عن "الشركة العالميه للطباعة و النشر" ..الطبعة الأولي: نجده كاتباً جزل العباره .. شاعري اللغه..عميق المعني كالدرة التي تستبطن المحار..و تحتل أعماق البحار.. في داخله تعتلج هموم المواطن السوداني.. مشبعة بالإرث القديم الطيب.. مترعةً بالواقع الأليم.. فيخرجها لنا قلمه مابين لمحٍ و كنايةٍ و إشارةٍ و إيماءةٍ.. تلقي بظلال كلماتها فيبدو المعني من خلالها.. خصصنا لهذه المجموعة القصصية دراسة تناولنا فيها كل قصة علي حده.. و ما ذاك إلا لخطرها الذي يبدو في إرتباطها بالمجتمع .. و ملامستها لقضاياه ..
في قصة(موسى والعصى)..نجد البطل ما هو إلا موسى زماننا ..يخرج من قريته على غير هدى في رحلة(الخوف و الطراد) فقد أصاب قريته الجفاف المحل.. (و صار فى هيئته: الأضلاع البارزه..الجسد الناحل.. النظرة الغائره..إنه الموت، لولا نبض قلبٍ تحسه يخفق فى جوف صدرٍ بارز العظام) .. ذلكم هو موسى المصارع الذى كان(عندما يقوم للناس إجتماع .. و يعدون للصراع حلبة.. و تنشد الحسان أغانٍ و يسمع للطبل دويٌّ و إرزام .. و القمر يفضض الساحة الجزلى فتغرق في الحليب!!) حينها يخرج للحلبة فتتحامه أبطال الصراع .. و الآن إنتهى به الحال إلي ما ذكرنا..
قد كان لموسي بن عمران الخلاص في العصا و لكن من لموسي زماننا بعصا الخلاص..حيث يقول عنه الكاتب: (..يمشي و هو يترنح..لم يعط حتي عصا يتوكأُ عليها أو يهش بها علي غنمه التي نفقت..)
و ما أجمل توظيف(الكاتب) للإرث الدينى حيث يقول عن قصة سيدنا(موسى) و بنتا سيدنا (شعيب)نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة..قال للفتاة و هي تسير أمامه لتقوده إلي أبيها عندما عبثت الرياح بثوبها.. و كشفت عن مكنون جسدها.. دعينى أتقدمك و سيري خلفي!. و ها أنت الآن خلفها.. و هى علي المقود أمامك.. و العربة تمضى.. و لا ريح تعبث بثوبها!!
فقط تعبث بك أنت لدانة العربة و وثارتها..) و مرة أخرى عند قصة سيدنا(يوسف) و أمرأة العزيز (زليخا)..
و تصويراً لما يعتلج في النفس من نشوةٍ و رغبةٍ و رهبةٍ.. بقوله ) ها هى المرأةُ هيأت جوها..آهٍ كم من زليخا، و ما أنت يوسف!)..
و هنا يبدو التماثل بين قصة سيدنا موسي و بنتا شعيب و موسي بطل القصة و المرأة التي حملته علي عربتها .. ومرة أخري بين قصة سيدنا يوسف و أمرأة العزيز زليخا و موسي بطل القصة و المرأة و هو في بيتها .. مما هيأ الجو لدى القارئي .. فجعل المعني مقبولاً لديه ..
أحداث القصة تدل عليها.. فعهدها الجفاف و التصحر.. و لكن ما يود الكاتب أن يقوله لنا:هو أن كلٌّ منَّا(موسي زمانه)..ينشد الخلاص ..فمن لنا بعصا الخلاص من فرعون زماننا و جنوده؟!!
و في قصة (الكاس)..نجد الغريق الذي كاد أن يفارق الحياة..(و ها هو ما يفتأ مسجي علي الرمال الدافئه.. و مجموعة من الصيادين يعكفون عليهِ يعتصرون بطنه!!)..و لحظة أن أفاق ظنَّ أنه إنتقل للدار الأخرة عبر طريق اليقين أي الموت..(و من عينيه إنطلقت نظراته الراعشه وجله زائقه و ينظر إلي الوجوه الغريبة التي تحيط بهِ..و كان مشغول الخاطر.. و هو يسأل نفسه في تلك اللحظة.. أتري إنتصرت؟؟ أم إنهزمت؟؟.هل تراني فزت أم خسرت؟؟. وهل تأتي لي أن أسحب قرعة إنتظار السنين؟؟.(مدينة اليقين..إبل الرحيل حامله السقي كاسحه.. بيد أنها ظامئه).. إنها معاناة المواطن في مدينة الموت و صراعه مع الأيام..
تشير كلمة الغريق في القصة إلي أن كلٌّ منَّا غريقٌ بمعاناتهِ.. و مدافعته لتلك المعاناة ما هي إلا مدافعة الغريق للموت ..
و لكن ما هذه الكأس؟! . حيث يقول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةو وقف الناس ينظرون إليهما و هما في فرحة الإنتصار يرفعان الكأس عالياً .. عالياً)..أهي كأسٌ للشرب كما في القصة؟! أم أنها كأس النجاة و الفوز بالحياة؟!!
و ما الموت-هنا-إذا كنَّا نموت في اليوم مئة مرة..لا شك أن الموت هو المعاناة..ذات الرابط السابق في قصة(موسي و العصا)..و رابطٌ آخر هو المسابقة..في القصة الأولي بتسابق المصارع مع آخر للفوز..و في القصة الثانية بتسابق البطل محور القضية مع الموت للفوز بالحياة ..
في قصة(الشجرة) تبرز قضية الوطن و المواطن و السلطة ممثلةً في(شجرةٍ أصلها في الأرض و فرعها في السماء)..و زوج السمبر اللذان حطا علي الشجرة و صغارهما..و ثعلب..
يقول الكاتب:أن هذه السمبرية بأعلي الشجرة قد تملكها الحزن لفراق زوجها..(فضلاً عن تأثيرات الحمل و الولادة التي تلقي بإنعكاساتها علي فراخها)..ثم ما ألحق بها من خيانة لزوجها..و الثعلب الذي تعود أن تلقي له ببيضة كل يوم بعد أن يتوعدها..(إما أن تلقي له بيضةً من بيضها..و إما أن يقطع الشجرة لتدق أعناق أجنتها)..(و هكذا أخذت تضحي كل ليلةٍ ببيضة..حتي أنها قذفت الليلة بآخر بيضةٍ بقيت في العش).. ثم(طارت و دارت حول الشجرة..ثمَّ راحت تتبعثر في مهب القارات بحثاً عن إلفٍ غائب)..
و يقول قائل: أين قضية الوطن و المواطن و السلطة من هذه الشجرة و سمبريتها؟!! نقول لهذا و أمثاله ممن يظنُّ بحرفةِ الكتابة تسليةٍ و ملئى فراغ و رفاهية.. أنظر إلي معطياتِ النص و قارن.. تجد أن الشجرة هنا ما هي إلا الوطن.. و ما المواطن هنا سوى السمبرية و زوجها و صغارهما بيضهما.. و ما الثعلب سوي الموت الذي تمثله السلطة..
فمن منَّا لم يعش هذه الظروف القاسية؟!..و كم سمبريةٍ فقدت زوجها الذي إغترب ليوفر لها و لصغارها الحياة الكريمة.. و كم منهنَّ أتهمت بخيانة الزوجنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةيذهب بعلها و يعاني وحدته و غربته فتخونه و لا تحفظه في نفسها؟!).. و كم من ولد سمبرٍ راح ضحية هذه الأنظمة؟!. فملأه إستمارة " اللوتري" أو طلب حق اللجوء السياسي إلي بلدٍ ما..أو ذهب للقتال في جنوب البلاد؟!!
و ما أجمل الختام الذي يدعو للأمل و البشرى و الخلاص في جيل الغد.. حيث يقول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةو لكن ما دامت هذه الشجرة باقية..أصلها في الأرض و فرعها في السماء فستأتي غداً عصافير و نسور و سمبر و كراك..و
لن يفلح الثعلب حيث أتي((مادام هناك بيضٌ تحت الفقس!!)).
في قصة (أحزان أم الناس)- و التي حملت إسم المجموعة- يبدو التصوير الرائع للفشل و خيبة الامل في بدء القصة..إذ يقول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة سهمٌ مرشوق إلي صدر الأماني الجائشة يكلِّس فيها ثورة جيشانها المندفع ..فتهمد صناجات الفرح النشوي،و تخفت أصداء الرنين مبتعدة متخافتة) ..ذلكم هو أحد أبطال القصة يسترجع ذكريات الأيام الخالية..و هو ما زال في عنفوان البداية كما يقول الكاتب..(و تتكاثف الروي الغامضة و الذكريات الحزينة)..ذكريات الأب الذي كان جندياً.. (تبهرك هندامه الخضراء المتناسقة مع تكوينه الفريد).. قد راح هذا الأب ضحية حماة النظام بعد أن أخذوه و فعلوا به ما فعلوا..لأنه قام بثورة دفاعاً عن أولاده (أسرته الصغيرة) ..و عن شعبه المسكين(أسرته الكبيرة)..و نتيجة هذة الثورة قول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةلكنهم أخذوه ..أفرغوا فيه مجاميعهم غير آبهين..!!تدفعهم شهوة الديمومة)..و مع توالي الأحداث من ذهاب الأب بلا عودة يبرز دور الأم((أم الأحزان)) و قيامها بدورها و دور الأب..(فقد إنبرت هي..لم تستسلم و ثمة أفواه فاغره .. كائنات تجري في أعراقها الدماء..تريد ممارسة الحياة)..عملت ببيع الطواقي و المناديل لتكسب قوتها و قوت عيالها..كل ذلك في روعة قول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة طوقتكم الأيام فنازلتها هي بالطواقي و المناديل في يدها تمسح بها سح الدموع المتسايل علي خدودكم الأسيلة).. و معاناتها مع صغارها التي لا تعرف معني الإستحالة..(أألم ما يؤلم صلصلة الصراخ من حنجرة الطفولة تدلي بطلباتها غير مدركة الإستحالة)..و معاناتها الأخري..تبدو في ثوب الأنثي صغيرة السن التي تحرم نفسها من إرضاء الأنثي في ذاتها من أجل أبنائها..و لم تخضع لإغراءات الناس من حولها..و لا لصوت الرغبة في داخلها..(صغيرة أنتِ و متفردة في جمالك الوسيم..ففيم تدفنين وجهكِ؟؟)..(لا تتخذي من الأطفال تكأةً..غداً يكبر الأطفال..دعيهم في كنفنا يعيشون ) .. (و لم تسلمها نشوة الإحساس بسريان نسيم الرغبة يهب سجسجاً..يلثم رغائبها الثاوية لساجعة اللحون المغرية..!!).
ثم ماذا بعد كل هذه التضحية؟!!.(كبر العيال..بعينيكِ ها أنتِ ترينهم)..أحدهم.. (حزت عنقه لوثة الغضب.. حصدته مناجل القدرة المشحوذة.)..إذ خرج في مسيرةٍ مناوئة و قبض عليه بسبب نشاطه السياسي و ألقي به في السجن مقيداً..إذ ذهبت إليه أمه زائرة له في سجنه.. (جاءكِ و في الساقينِ تتمشي وشوشة الحجول..و في الرسغينِ حلي السلاسل )..في تلك الليلة مات من أثر التعذيب..( و مع طارق السحور تنشقت عبير طيوب الوداع )..أما الإبن الثاني فقد رأت فيه الأم ثمار معاناتها قد أينعت..إذ يصوره الكاتب عند تسلمهِ شهادة التخرج..(..يشدون علي يدهِ..يسلمون عليه..يتألق النور البهيج في عينيهِ..يناولونه أوراقه المطواه
.. كأنهم يطون فيها معاناة الأيام الماضيه..)..و بعد فرحة الأم بإبنها و فرح الإبن بالشهادة التي نالها..يأتي دور السعي نحو الوظيفة و ما أدراك ما السعي للوظيفة!!؟. من منَا لم يذهب يحدوه الأمل للجان العمل.. من لجنةٍ إلي أخري ثم تمضي الأيام و السنون..ثم يجد نفسه عاطلاً؟!!..(..إذ أخذ يحمل أوراقه أول النهار يملؤه الأمل فيعود آخر النهار هامد الفؤادِ كسيره..)..(من لجنةٍ إلي أخري يمضي دون جدوي..لا أمل يري..لا برق يومض..) و لكن (..لو يرضي أن يهادن..أو يداهن حتي..) نعم لو قبل أن ينضم لهذا الحزب أو ذاك أو يتملق أحد المسؤولين و يتقرب إليه..إذن لضمن الوظيفه..و لكن الثمن فادح..و أمه لا ترضي له أن يبيع نفسه..(كانت تأبي عليه أن يكون ذلك من أجلها)..
ثم سلك الإبن درب من سبقوه آملاً في وطنٍ تسوده قيم الحق و العدل و المساوة و لكنه حزينٌ لأمهِ..(و ما ستؤول إليه حالها) من بعده..(إذ في ليلةٍ مقرورةٍ و ظلماء أتوا إليه ليسوقونه لقاء ما إجترح)..لقد أخذه حماةُ النظام..و سألوهنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةأأنت قلت للناس إتخذوني و أمي إلهين؟؟)..و ما أروع هذا التضمين من القرآن الكريم عن قصة سيدنا عيسي عليه السلام..و ما أروع هذا القول الذي يهدف إلي جعل هذه الأم(أم الأحزان)هي الوطن و أحزانهِ..فما عرف عن المرأة السودانية دورٌ سياسي متقدم حتي يقول الكاتبنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةإذ تجمع أمك النساء حولها تؤلبهن..)لكنه الرمز و التجسيد" ناحية بلاغية " فالأم- هنا- هي الوطن و الإبن هو المواطن..يقول الكاتب عن الأم بعد أن حبس إبنهانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة..إنقطع خبره عنها..لكنها هذه المرة موقنة بأنه آتٍ..آتٍ..) نعم لا بد لليل أن ينجلي و لا بد للحق أن يعود..و ما الحق-هنا- هذا المعني المجرد سوى إبنٍ يعيد للأم حقها المضاع..الآن نعلم أن(أحزان أم الناس)-العنوان-هي(أحزان الوطن)..و هنا تبدو قضية؟!!
و يختتم الكاتب بقول الأم(إنني لأجد ريحهم و أبصر ضوءهم لو لا أن تفندون)..مستفيداً من الإرث الديني في إلقاءِ لمحةٍ من الأمل و البشري في جيل الغد ..
و نواصل

 

طارق احمد غير متصل   رد مع اقتباس