.
.
.
"مولود أكتوبر"
- تمهيد لا بدّ منه -
لم أشعر يوماً باقترابي لتوافق مع ذاتي وحتى عند حلول أكتوبر
الشهر الذي تكبّد صرختي الأولى في مشفىً عاث فيه الزمان
هدماً وردماً أجد في داخلي ألف شظية وهوية منسية لإنسان
ولد وترعرع في طريق مكتظ بمشاة هائمون مغرمون بما ألفوا
عليه أبائهم من مخدراتٍ فكرية تعشقها أقدام تخطو ببلاهة
نحو نار تحرق الآخرين وتُأصل نرجسية العيش
أسقتني أمي مع مرارة العيش علقم الأيام:
- "كن يا الأيام يا ولدي تعطي ولا تأخذ.."
- "ولكنها تأخذ يا أمي..!"
أفواه مشوهة تنفخ النار لتشعلها يتصبب عرقها النتن ليتمخض
عن ابتسامة خبيثة أقل ما يقال عنها سوداوية بشر وموت ضمير
ومع كل تفاصيل مشهد يزداد خلافي مع ذاتي ويزداد جفائي
لواقعي وتسافر أحلامي وأطياف عقلي لـ هناك إلى حدود بعيدة
لا يتخيلها عقل هناك حيث تخرج الشمس من جوف البحر ويبدأ
الصباح وأنزوي بعيداً عن تباشيرهم يردّد مارد شقوتي بداخلي:
"عمتم صباحاً يا حفاة العقول..."
يدعي الغيب كبيرهم: أنت منهم..! لا من هولاء..! بل أولئك..!
كلاّ بل من عبدة الشيطان..!
تعتصرني لعنة الكراهية لكل مايغوص في صدرورهم لأخرج
من كل النزاعات محملاً بأوراق مدموغة بـ "عدم كفاية الأدلة.."
لتستمر رحلة العقل ويستمر العمر في نقاهة ضياع
مضى العمر يا أمي مضى.. وأخذت مني كل شيء تلك الأيام..!
أجهدَت الأشهرُ كاهلي ودفنت في مقبرة الأيام كل خيباتي
حتى تمخضت سنة عُمر عن عشق أزلي لإبنة يناير..!
.....
...
- إمضاء:
مولود أكتوبر...
1979 م
أكتوبر المجيد
صرخة دوّت
في بيت صغير
حمل اسما ولكلٍ
من اسمه نصيب
يكتمل البدر في ليلة
وبقية عمره
ليالي مدفونة
ليلة من عمري
غاب بريقها
ودفنتها يوم العيد
وتبقى منها
شظايا تؤرقني
تلامس أطراف الوريد
أقف أمام قبرها
أُحيي ذكراها
وكأنما تموت من جديد
من عالمي
وميضٌ أزرق
يختطفني
يتمزّق جسد
وينصهر حديد
تناديني باسمة
وهي تتجاهل حزني
تتجاهل أني جريح
موته أكيد أكيد
أجوب الطرقات
تختفي الظلمة
تعود العروبة
لك يا مدريد
يرجع الأقصى
تُحرّر بغداد
تمتد الأمة
تتلاشى الحدود
يعود مجد نهاوند
يخضع بنو كسرى
ينهض من قبره
ابن الوليد
يرفرف الفتح
تلاقيني الجيوش
تُحملُ رسائل
هارون الرشيد
تجري الأنهار
في أرض العرب
يرفع الأذان
في قلبِ باريس
ظلمة أزقة القاهرة
قطرات تتصاعد
أنوارٌ حمراء
وزغاريد فرح جديد
بين بلاد متباعدة
أبحث عن أحلامنا
وأعود كلاّ ثم
أبحث من جديد
تراب داكن
وريح ساكن
شمس تتوارى
وأجساد ملقاة
تتشمس أم تنتظر
موتاً قريبٌ بعيد
يلوح بين الزحام
وجهٌ يشبهني
أدفع عنّي الأجساد
تصرخ في وجهي عجوز
يتعثر كهل ويبكي وليد
أقتنصها من
بين الجموع
تحترق في
قلبي شموع
حرارة اللقاء
نار الفراق
في كلاهما دموع
أين أنتِ منذ
سنين مضت
وعمري ينقص
والنوى بيننا يزيد
أين أنتِ
والمجد وجهك
ورايته شعرك
وبسمتك لأوطانه
يوم عيد
خذيني من الحياة
سلميني للحياة
يا فاتنة الهند
يا زهرة الأوركيد
قنديل الزمن يُكسَر
يرتحل نوره
يحنّ الظلام
ويصنع لنا فجراً جديد
تعالي يا فجري
تعالي ياعمري
عالمي بعدك
لبس السواد
أعلن الرحيل
عالم آخر يحط رحاله
تتغير الوجوه
تفنى قوانين
وتتمزق قيود
أستلقي على يمه الأحمر
تنبت من الأرض سحب
تتساقط من السماء ورود
تتحرر أعرافنا
ينتحر حياؤنا
ترقصُ الفتاة عارية
يمشي الفتى بخلخال
تبرأ من طيشهم البيد
ترتجلُ النساء
يتأنثُ الرجال
تغيب النخوة
يقهر كل مجيد
تستعبد الحرة
تتسيد الأمة
يغدو الأصيل
بجملته تقليد
يعز المال
أشباه الرجال
يطغى السلطان
ينفى أهلُ الدين
يتوه الابن
تبكي الأم
تقسو القلوب
تنفطر الأحجار
وقلوبهم لا تميد
يشيب الشعر
في العشرين
يعربد الصغير
تطاع سيدة القصر
ينبذ المسن وحيداً
ينتظر القبر
أسافر لأهرب
وقدري معي
أطوف شوارعك
يا "روما"
أبكي وأسامر النجوم
تغتالني الأفكار
أشمئز
أضواء تلمع
بغايا تتسكع
وجوه رأيتها هنا
تلاحقني هناك
فاتنات شقر
رائحة سكر وعهر
أظلم منها
وجه البدر
أعود مسافراً
وقد ولدت مسافراً
في رحلتي
أبحث عن عيونها
أستجدي عطفها
أناجي قلبها
لما وهبتني أملاً
لم سكبتي لي
من الحب كأساً
ثم أحكمتي القنينة
أدمنتك بكل مافيك
من بسمة لضحكة
لحكاياتٍ تمتد
يقطعها آذان الفجر
أصلّي
أنوي التوبة
لكني..
أعود إليها
أعود بالتأكيد
أنفاسها وهمسها
لهجتها التي
ماسمعت مثلها
لا أقوى على بعدها
لأجلها أمسى
مخمورُ حبها
هائماً في حانات
"كارديف"
وتراقص على
خطوات الأحصنة
في ريف "ايرلندا" البهيج
آهٍ يا أنتٍ
كلّ الدنيا أنتِ..
كلّ العوالم أنتِ..
بين نظريات "نيوتن"
وانجازات "جاجارين"
بحوث تنشر
أمصال تصنع
أقمار تغزو الفضاء
و "العربي" مسكين
أمسى عبد الدولار
وبسعر الدولار رهين
يبيع ويشتري
يستهلك ويرتدي
زبالة مصانع الصين
يمرض من نفسه
فينشد دواه
في "جنيف"
في عيادات "برلين"
أصبح عبد المادة
طبع على قلبه
عمت بصيرته
تخلى عن من
إذا مرضت يشفين
قوى نووية
أطماع سياسية
شوكة إسرائيلية
وشرق عربي حزين
قمم تتوالى
مبادرات تتهاوى
وأنا أقسم
على أيديهم
لن تتحرر فلسطين
آهٍ يا أنتِ..
كل العالم أنتِ..
تعالي يا أملي
تعالي يا حلمي
يا كنزي
يا مصباح
علاء الدين
تتجاهل نداءاتي
تصدّ عن دعواتي
تزداد غروراً
وتنسى
ماضي السنين
تدور الأيام
تبتسم الحياة
وأغدو في عالمي
أقوى السلاطين
تتأتي لبلاطي
خاضعة
بعد أن كانت
عنه راغبة
قد أحببتها
وأخشى فقدها
أرمي عليها كفنها
وأهمس لها:
كوني شهيدة البدر..!
