منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - !! المقهورة ]] رواية [[ !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-01-2007, 10:22 AM   #25
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي


.0







الحلقة الثامنة " لقب العزيزة "



لقد انقضت العطلة الصيفية ,, وفي الغد سيكون أول يوم مدرسي ,, لقد شعرت بطولها وببطئها المريرين ,, وكم تمنيت أن تنتهي بسرعة لأهرب من كل الأجواء التي أحتوتها !!

وفي الغد أيضا ً سيكون لقائي الأول بمريم ,, لا أعرف كيف ستكون طبيعة هذا اللقاء ,, لكني أحسبه سيكون حاراً فالأحداث الأخيرة والانباء التي وصلت لكلينا ستجعله يكون كذلك ..

قد أقنعت والدي أخيرا ً بفكرة حافلات الوزارة ,, وقد قبل ذلك باستياء لكن لا يهم ذلك بقدر قبوله بحد ذاته ,, فالنصف ساعة التي سأمضيها في الحافلة مع مريم حتما ً تعني الكثير !!
إنني لأسترق الدقائق واللحظات التي تجمعني بها ,, وما يدعوني لفعل ذلك مقتها للزيارات التي أرجعه لوالدتها !! وإن لم أتأكد من ذلك ..

أنا سعيدة وفي ترقب للغد بشكل كبير ,, وكل ما أرجوه أن يمضي هذا الليل سريعا ً,,


تناولنا العشاء باكرا ً هذه الليلة ,, وكان هذا التوقيت لأجلي ,, وكالعادة كنا ثلاثة فقط ينقصنا أخي عادل الذي بات شبيها ً بالأموات !! فهو يرفض أن يجتمع معنا ,, لقد بدا مظهره سيئا ً للغاية ,, كأنه أحد أفراد السجون ,, أتعبنا حاله كثيرا ً وبقائه في الغرفة التي لا يغادرها سوى للمقبرة !
وتركنا التغيير والعودة للحياة في يد الأيام المقبلة .

أما أنا فأبكي كثيرا ً كلما مرت على ذاكرتي اطياف الماضي وأضحك كلما مر على حياتي مايثير في داخلي السعادة من موقف ٍ مسلٍ في التلفاز أو في المجلات أو مثيلهما ..
أدركت بأن الموت حق لابد منه ,, وإن كل ٍ نفس ستذوقه ,, هذا ما تعلمته من والدتي .


قبل أن يغادر والدي المائدة سألني :
" هل أنت ِ متأكدة من قرارك بشأن حافلة الوزارة ؟

أجبته :
" أجل ..


انصرف فيما أمي تستوقفه بسؤالها :
" لماذا انت معترضا ً على ذلك ؟

وهو السؤال الذي لا أجد له انا الاخرى اجابة .

يبدو على والدي الارهاق لذا كان يجيب والدتي وهو يتثاءب :
" لدينا من المال الكثير ونستطيع توفير مواصلات خاصة ..

لم يكن رد والدي مقعنا بنظرها ! فقالت :

" لا يهم اذا ً إذ لا أجد في أمر حافلات الوزارة عيبا ً يذكر ! كن متواضعا ً يا أبا عادل .

" وما دخل التواضع يا إمرأة !!؟

الجملة الأخيرة هذه كانت حادة بعض الشيء ,, أخال الاستمرارية في هذا الحوار سيودي بمشكلة ,, وكمحاولة مني قلت :

" الحافلة لاتخص طالبة دون أخرى فهي للجميع وعن أذنكما سأخلد للنوم .


تلقيت مكالمة هاتفية من زميلتي فاطمة ,, تذكرني بمنزل جارنا أحمد ,, وهو الموقع الذي تقف عنده الحافلة ,, تظنني نسيت !! أ أقوى على نسيان سبيلا ً يوصلني لتلك العزيزة ؟؟

أعددت كامل أموري وطلبت من الخادمة كي " المريول " والعباءة ,, فيما قمت أنا بضبط المنبه ليعينني على الاستيقاظ باكرا ً .


~~~~~~~~~~


تناولت وجبة الافطار سريعا ً خشيةً أن تسير الحافلة دوني ,, وفي أثناء هذه العجالة نسيت مصروفي الخاص بوجبة المدرسة على مائدة الافطار ..

لم تكن فاطمة قد تواجدت بعد ,, ولم يكن هنا غير قليل من الطالبات ,, ولثوان ٍ ما قدمت مريم بابتسامتها الغائبة ,, ياه ,, فوالله لاشتقتها !!

" السلام عليكم .

حيتنا مريم واقتربت مني تحييني بتحية خاصة وتقول :
" غريب حضورك !!
" حضوري ؟؟؟
" ما أقصده هو وجودك في حافلة الوزارة فأنت أعتدت على الموصلات الخاصة ..
" صحيح ! لكني أردت التغيير ..

تخطو للخلف لتحتمي بشجرة منزل جارنا أحمد وتدعوني للاقتراب منها .. !

كانت صامتة كأنها لاترغب بالحديث عن أي شيء , أو حتى السؤال عن العطلة ,, كم كان باردا ً هذا اللقاء وانا التي حسبته سيكون خلافا ً لهذا !

فاطمة قدمت هي الأخرى وألقت التحية بمصاحبة نظرات ٍ سيئة لمريم ,, !
أظن الغيرة اشتعلت الان في داخلها ..

لم تمر غير دقيقة ووصلت الحافلة ,, وكنت أول من تركبها .. ركبت من الباب الأمامي وفضلت الجلوس في المقاعد الخلفية فأنا اعشق الجلوس هناك ,, وأفعلها دوماً في الرحلات المدرسية .. وهناك أيضا ً كانت المفاجأة !!


مريم تستأذن الجلوس بجانبي بقولها :
" أيمكنني أن أجلس بجنبك !!؟

أهذا سؤال ؟؟ وهل يمكن لي رفض هذا ؟ فقلت فورا ً :
" بالطبع يمكنك !!

تحركت الحافلة فجأة ,, فيما طالبة أخرى لم تركبها ,, لوحت بيدها لتلفت انتباه السائق لكنه لم يتوقف .. ! بل سار بسرعة جنونية ولا شعورياً أمتدت يدي ناحية المقبض الموضوع في خلفية الكرسي الذي أمامي .. !

وأخاطب مريم :
" إنه يقودها بسرعة ..

" اعتدنا على ذلك ..

" إنه لمجنون حقا ً يا إلهي أخشى أن يقع حادث ..

مريم تمد يدها ناحيتي وتهدأني : لا تقلقي هو يقودها هكذا دوما ً !

وصلنا للمدرسة ولم أتحدث مع مريم بشيء غير أمر السائق المجنون ,, وختمته بقولها :
" أريد مقابلتك بالفسحة !


تعانقت مع زميلاتي عناقاً حاراً بعد فراق ٍ طال لثلاث شهور ,, وسألني عن أخباري وأموري ,, سعدت جدا ً بما قابلني به ,, إلا أنه سرعان ما تحول لحزن وكل مايخص بقاموس الألم حين دخول نادية ..

حيتني وبسؤالها جعلتني بقايا أشلاء وأعادتني لجحيم أحزاني من جديد ..

" مرحبا ً بابنة أخت المجرم القاتل .. !

تباً لهذه الانسانة وتباً لمعرفتي بها .. !! لم اجب ,, وصمت لكنها تمادت بقولها :

" أخ مريم هو الاخر مجرم سفاح ,, أظن بأن مشروع صداقتكما سيكون ناجحا ً !!

صرخت بكامل مالدي من قوة في وجهها : كفى يا نادية !

ونشب صراع فيما بيننا وتطاولت بأقوايلها على خالي وناصر فيما بقيت أنعتها بالجاسوسة الفضولية ذي الأخلاق السيئة ..


ولولا تدخل بعض الطالبات لوصل أمرنا إلى المشرفة الاجتماعية وقد يصل لمديرة المدرسة .. وثم لوالدتي وهذا ما سيضيف أعباء فوق أعبائها ..


وهربت من الصف متجهة لمريم حيث تكون , راغبة في النزول معها لاحدى زوايا المدرسة ولأطلق العنان لدموعي ولأبكي كيفما أريد .. !

بكيت كثيرا ً وتألمت كثيرا ً ,, فمجرم لقب لا يليق بمن هو خالي ,, خالي العزيز الراحل .. !!

ووسط تلك الدموع ,, ترفع مريم رأسي بيديها وتسألني :
" هل كنت تعرفين من قبل بأنني أخت ناصر صديق خالك ؟

توقفت قليلا ً وأعطيت لعقلي فرصة للاجابة ,, وللقلب فرصة في النسيان قليلا ً ..

" لا لم أعرف الا بعد خبر الاعدام ..

" ولماذا لم تخبريني حينما أوصلتني ؟

أبعدت النظر عنها محاولة البحث عن إجابة ,, فأنا لا أعرف الاسباب التي استدعت اخفاء أمر معرفتي فصمت .

فيما قالت :

" استغربت تواجدك مع والدتك ,, حين الزيارة ,, ولم أفكر حينها بأنك ذاتها ليلى .. وخلت بأن زيارة والدتك قبل سنوات لن تتكرر ..

انتظرت تعليقي حول حديثها لكنها لم ترَ شيئا ً فسألتني :
" ألازالت والدتك تتذكر العنوان ؟

ما أتذكره أن والدتي سألتني عن العنوان حين الزيارة .. فقلت :
" لا تتذكر المنزل جيدا ً لكنها تعرف منطقته ..

" جيد ..

رن الجرس وكالعادة استاذة الرياضة تأمر الطالبات بالتوجه للطابور .. هنا أطلقت مريم تنهديتها :
" لا احبذ الطابور الصباحي في أول يوم مدرسي .. فالطالبات يجهلن موقعهن ..

" أما أنا فأمقت الطابور في كل الأوقات ..

توجهت لدورة المياه لغسل وجهي جيدا ً لأمحي أثر البكاء ,, بينما هي انتظرتني بالخارج ..
وأعادت ذكر طلبها بحضوري لها بالفسحة ..


الأجواء كانت مملة ,, لم يكن موجودا ً على الأرضية رمز الصف ,, والطالبات لا يعرفن موقعهن ,, واقبلت بعض المدرسات للتنظيم ..


~~~~~~~~~~~


مريم !! أخيرا ً حدثتني ,, وأخيرا ً طلبت مني مجالستها ,, وأخيرا ً وأخيرا ً !!
لقد أنستني شجى قول نادية هذا الصباح ,, يا لهذه الانسانة ,, إنها بالفعل أكبر من اي شيء ,, وإنها بحق رائعة ,, لقد فعلت القليل لأجل اقتحام نوافذها ,, وسأبذل الكثير لنعيد ذكرى صداقة الراحليْن بصداقتنا ,, ولنمثل ذكراهم بنا .. أظن هذا الأمر هو ما سيدفعنا للتقرب .. وهو ما سيجعلنا أكثر أخوة ..

هو هذا الحديث الذي غاص في داخلي وأنا بقرب صفها بعد دق جرس الفسحة بانتظار خروج استاذتهن .. وهي ذاتها الاستاذة التي تكثر الحديث حول مريم ,, إني لأفكر أن أهديها باقة ورد عرفانا لهذا الصنيع الذي قدمته لي .. !!


" ليلى تعالي !

صوت مريم يناديني من داخل الصف .. فاستجبته ووجدتها وسط زميلاتها ..

فقالت لي إحداهن :

" قلنا لكِ لن ندع لك مريم وحدك !

فقالت مريم :
" لاعليك ِ منها !! تمزح !!! اسمعوني جيدا ً هنالك ما أود إخباركن به ..

صمت الجميع في ترقب ما ستقوله مريم .. اقتربت مني حيث واقفة ومسكت بيدي قائلة :

" لابد أن تعرفن بأن ليلى هي العزيزة ,, !!

ذهل الجميع بقول مريم الذي لم أتوقعه أنا ولم يتوقعه أحد !

قولها أخرسني ,, ولم اقوَ على النطق أو التعليق على حديثها ,, فيما صديقاتها يحسدني على هذا اللقب .. ومريم بجانبي بابتسامتها !

أخبرت كل صحبها بأن صديق ناصر هو خالي ,, وإني هي ذاتها ليلى التي تكثر الحديث عنها .. وأنا من بين التصديق من عدمه ..

ودعتهن وأبقت الساعة المتبقية للانفراد معي ,, فهنالك اجتماع بين المدرسات والمديرة لذا سيطول زمن الفسحة .. أمور كثيرة باتت تحصل في رفض بات لعقلي ..


جلسنا في ذات المكان الذي جلسنا فيه هذا الصباح ,, وسألتني :
" ألاترغبي بشراء وجبتك ؟
" نسيت نقودي اليوم ..

تبدو سعيدة مريم بحضوري ,, ومافعلته قبل قليل قريب للخيال حيث لا تصديق له ..

" كان أخي يكثر الحديث عنك لي !

سألتها : لم َ ؟

" خالك يعتز بك كثيرا ً وكان دوما ً يرجو أن نكون صديقتين ,, فيوصي أخي بالحديث لي عنك .. لكن رجاؤه كان صعبا ً وسط الظروف ..

" أتقصدين المظاهرات السياسية التي حصلت ؟

" لا لا .

" إذا أي ظروف .. ؟؟

" أقصد أ ...

ولم تكمل قولها .. وصمتت .. مكتفية بذكر حرف " أ " وحده .. !!

عاودت سؤالي من جديد ,, :
" أي ظروف ؟؟

" لا شيء ليلى ,, !

يبدو وجود ظرفا ً لم يسمح لصداقتنا بالتكوين من قبل ,, ولن يسمح لها بالتواصل .. !! فقلت بخوف :

" هل هنالك ماتخشينه ؟

" لا ..

وعاد الغموض ليكسو شخصيتها بعد اللقاء الأول ,, سألتها :

" ماذا كان يحدثك أخوك بشأني ؟

تبتسم بتذكرها للماضي ,, ابتسامة ملامحها أسى .. !!

" إنك رائعة ,, تعيشين بسلام وهدوء دون أن تقحمك الاحزان في عالمها ,, تبتسمين دوما ً وتعشقين رؤية العالم كله في سعادة .. هادئة .. ووو !!!

أمور ذكرتها مريم في حديثها المطول عن شخصي لم أنتبه لوجودها في طباعي .. !! فأدركت بأن الراحل كان يحيا في داخلي ويعرف مايجول فيه ..

أنا سعيدة لأني مع شخص كمثل شخص مريم الرائع ,, ولست أدري بأسباب سعادتها ! أهي ذكرى أخيها الراحل ,, أم وفاء ً لوصية خالي ؟؟ .. وكعادتي أترك التساؤلات للأيام تجيبني .. !!

ووسط زحام الأحاديث تذكرت أمر الزيارات المنزلية التي صرحت بمقتها لها :
" مريم أود سؤالك بشيء .. أرجو الاجابة !! إن لم تمانعي ..
" سلي ..
" لماذا ترفضين الزيارات ؟؟

لاذت بالصمت واغمضت عينيها ,, وبهدوء بعد دقائق قالت :
" اعفيني من الاجابة .

لتجعله لغزا ً غامضا ً غير راغبة في حله ..


~~~~~~~~~



عدت من المدرسة بعد وداعا ً حاراً من مريم اثناء نزولنا من الحافلة ,, وشعرت بأن السعادة لا مثيل لها في داخلي اليوم ..

وضعت كتبي فوق الطاولة وارتميت على سريري بقوة حتى كدت أكسره !!

وأنا في سعادة كبيرة لكل ماحصل ..
فأخيرا ً سأدرك مفهوم الصداقة الذي أجهله وسأعيش حياة الاخوة ,, وسأشعر بأن لدي أخت لم تلدها أمي !! فمريم وعدتني حين انتهاء الفسحة بذلك ..

وصرحت أمام صديقاتها بأني العزيزة !! أجل العزيزة .. !!

أمي دخلت غرفتي وقالت :

" ألم تغيري ملابسك بعد ؟
" سأنهض الآن .. الآن ..

امي تنظر سعادتي بتعجب ,, يبدو بأنها تعلم حقيقة ما أنا عليه .. تركتها تمضي لحين نزولي للمطبخ لتناول الغذاء ..


كنت جائعة بعض الشيء ,, إذ أني لم أتناول وجبتي بالمدرسة وكنت قد تناولت العشاء الليلة الماضية مبكرا ً ,, تناولت بشراهة ,, والدي لحظ ذلك فقال :

" كنت أرغب في ارسال النقود لك لكن السائق كان مشغولا ً اليوم ..

" ليس هنالك من مشكلة ..

تبدو لوالدي بوادر الحوار ,, فعاد ليسأل :
" هل أخبر زميلي رئيس المواصلات بأنك ستداومين على حافلات الوزارة ؟

ومن أعماق أعماقي قلتها : نـــــــعم !!

شعرت بالغصة فجأة لسرعة تناولي فشربت الماء القريب مني ,, واحسست بالاكتفاء قائلة : الحمد لله .

والدي يرغب في الحديث حول المدرسة وأجوائها هذا اليوم ,, لكني أجلت ذلك لما بعد الصلاة .. والتي اشعر بتثاقل في تأديتها إذا ما أديتها بعد تناول وجبة الغذاء .. !!!!
أحتاج لاعادة برنامجي ,, وتغيير امور كثيرة ..


في المساء خرج والدي لشراء بعض حاجيات المنزل ,, بينما بقيت والدتي في غرفة المعيشة تقرأ بعض المجلات ,, وقد جالستها لأحدثها عما حصل هذا اليوم ..
فأنا ومنذ صغري اعتدت على إخبار والدتي بكل ما يمر على عمري من مواقف وأحداث .. وإن لم تستحق النقل .. ! ولأنها فهمت رغبتي في الحديث تركت المجلات جانبا ً وتقول :

" كيف كانت المدرسة يا حبيبتي .. ؟

" جيدة جدا ً .

" هل حصل شيئا سعيدا هناك ؟

" اجل !

اقتربت من والدتي أكثر ليتسنى لي إخبارها بشكل أفضل ,, هكذا كنت أظن .

" أمي لقد جالست مريم اليوم وكانت سعيدة بي ..

" مريم انسانه رائعة وتستحق ماتبديه لها من اهتمام .

مدت والدتي يدها وأبقت رأسي على صدرها ومضت تداعب خصلات شعري وتتذكر الماضي ,, حين كان يرغب كل من خالي وناصر في أن نكون صديقتين .. وهو الحديث ذاته الذي أخبرتني به مريم اليوم .. فكانت تقول :

" الدنيا غريبة ,, وتدور وتدور .. !! أخبرتني في نهاية العام الدارسي الماضي باعجابك بشخص فتاة ,, وهذه الفتاة هي ذاتها من كنا نرغب في أن تعرفيها .. وقد رفضت مقابلتها .. !!
وتضيف :
اخي كان يحترمها كثيرا ً رغم إنها لم تبلغ أنذاك اثنتى عشر ربيعا ً !


رفعت رأسي قليلا ً وسألتها :
" هل كان خالي هو الاخر يتحدث عنها ؟؟

" حدثني عنها كثيرا ً منذ الشهور الأولى التي عرف فيها ناصر .. مريم متميزة عن قريناتها ,, وفكرها يفوق عمرها بكثير ,, !

" أراها كذلك أنا الأخرى ..

ونهضت فجأة وقلت لوالدتي بفرح كبير :
" أتصدقين أمي ؟؟ لقد أخبرتْ الجميع هذا اليوم بأني الصديقة العزيزة لها ..

" حقا ً ؟

مسكت ُ يدي والدتي بقوة وأنا أجيبها : أجل أجــــل !!

كما إنها وعدتني بأن تكون أختا ً لي .. !!

أعادتني أمي لصدرها وهي تقول بحنانها :
" كتب لك القدر أن تكون لك اختاً !

صمتنا قليلا ً ,, فأنا أشعر بالبهجة لما قامت به مريم ,, وأمي هي الاخرى في شعور مختلط بين أسى ذكرى الراحل ,, وفرح سعادتي بوجود صديقة تحتويني حينما أشعر بحاجتها ..

أمي قالت مبددة صمتنا :
" الصداقة شيء جميل بنيتي , يشعرك بكيانك وبمدى حب الناس لك ومدى حبك للناس ,, الصداقة علاقة سامية تجعلك تحيين في كنف السعادة كلما تذكرت بوجود من يعينك على مصائب الدنيا ومن يشاركك أفراحها .. ويحق لك أن تسعدي بأن مريم صديقة لك ِ وأنت صديقة لها ..

فيما أضيف أنا : العزيزة .. قوليها أمي لاتنسيها ..

ضحكت والدتي :
" لك الفخر بأن تكوني عزيزة مريم ..!!

الساعة أشارت الى الحادية عشر مساءً أمي دعتني للخلود للنوم فالوقت تأخر .. فنهضت مقبلة جبينها داعية لها بنوم هني ,, فيما ودعتني بجملتها :

" تصبحين على خير !

أثناء توجهي لغرفتي استوقفت قليلاً عند غرفة أخي عادل ,, متأملة ً في حاله المؤلم الذي لا يبتغي تغييره ,, قد ألومه مرات ,, وأعذره مرات أخرى ,, فخالي كان نعم الصديق له .. لعل عادل لم يستوعب رحيله إلى الآن ..

وأتذكر حب مريم والصداقة التي لا تزال في المهد رضيعة ,, و أعقد مقارنة بينها وبين ماعليه عادل الان ,, ولا استطيع الخروج بنتيجة ..

طرقت الباب فلم يجبني ,, الباب لم يكن مغلقا ً لذا استطعت الدخول له ,, كان نائما بسلام ,, وبقايا طعام فوق المنضدة القريبة من سريره ..

اقتربت منه أكثر ,, الحزن يبدو متربعا على ملامحه ,, الألم باد ٍ عليها .. شعره اصبح طويلا ً لحيته كثيفة .. مضت مدة طويلة دون أن يذهب الى الصالون .. !!

همست في أذنه قبل أن أغادر :

" تصبح على خير أخي العزيز .. !!


****************



لم أنم تلك الليلة ,, كنت بحاجة للنوم لاستيقظ باكرا ً لكني سأمت محاولتي في النوم .. !!انرت المصباح .. وبقيت أفكر في مريم وعادل .. !! فهما بحق أمرا ً مهما يدعوني للتفكير العميق ..

مريم إلى الان لم تقتحم داخلي لتحيا فيه ,, ! إنما اخترقت فكري واستوطنته .. ! وكدت أموت فزعاً حين رأيتها مغشى عليها في ذلك اليوم المشؤوم ..
فكيف لحال أخي الذي لم يدرك حقيقة الاخوة والصداقة الا مع خالي الراحل ؟؟


لقد عشت أيام جميلة معه لكنه لم يكن يكثر الجلوس معي بقدر مايكثره مع عادل .. وكنت أغضب حيال هذا الامر كثيرا ً راغبة في الوقت الاكبر لي ..

غياب خالي الذي طال لثلاث سنوات يجعلني أكثر تماسكا ً .. فالاعتياد على غيابه طيلة المدة التي مضت يهون المصيبة .. أما عادل فذلك لم يزده إلا حزنا ً وأسى وانهياراً .. !


وللحظة ما أرتعشت أطرافي وخبأت وجهي بكلتا يدي حينما مرّ على خيالي ما يُؤلم .. لقد وجدت طيف مريم في المقبرة .. !! وقد حان وداعي لها ,, ودونما شعور تفجرت عيناي ألما ً وأسى !!

لا !! ماهذا الذي يمر على فكري من خيال ؟؟ وما هذا الشجن المؤلم ؟؟ إني لا أرجوه حقا ً ,, إني لا أرجوه ,, ورحت أصرخ في أعماقي : تبا ً لك يا خيال !!

إلا أن تلك الصور بقيت متمثلة أمامي غير راغبة بالانصراف .. فنهضت هاربة منها متجهة إلى مكتبي الخاص ,, الموجود بزاوية غرفتي .. وهناك جلست حيث الابتعاد عن اجواء كابوس مخيف ..

إلا أنه بقي يطارني إلى حيث مضيت .. !!

أكاد أشعر بأن ما أراه واقعا ً ليس خيالاً يتراءى .. ! فها أنذا أنا أبكي أمام قبر مريم واشكو لها آلامي وشجوني ,, تماما ً كما رأيت أخي عادل يبكي خالي عند قبره في زيارتي معه الوحيدة ..!

حاولت احتضان ذاتي بكلتا يدي والانخراط في بكاء عميق ,, كما لو كنت اشاهد فيلما ً سينمائيا ً مرعبا ً في شاشة عملاقة تظهر فيها المشاهد بوضوح !

والصراخات التي احتوت أعماقي نطق بها لساني أخيرا ً ,, فقلبي قد ذاق ذرعا ً بكتمها ,, ولم أشعر بأي شيء حولي ,, كنت فقط أراقب المشاهد المؤلمة ..

وأجد فجأة باب الغرفة يفتح بقوة ,, فتتوجه عيناي ناحيته لأرى والدتي مقبلة ناحيتي بفزع وتقول :
" بنيتي مابك غاليتي ؟؟

لم أتحرك من مكاني فما رأيته قد شلني ,, اقتربت مني والدتي واحتضنتني في حالة استغراب لما أنا عليه الآن وتعيد سؤالها : مابك ليلى اخبريني فلقد افزعتني !
كنت مغمضة العينين وحين فتحتها وجدت من جديد طيف مريم ولكنها هذه المرة ملطخة بالدم ,, فمددت ذراعي لامي متشبتة بها بقوة ,, واصرخ : امي لا . . أبعديه أبعديه !!

أمي تضمني بقوة وتردد : بسم الله الرحمن الرحيم بس الله الرحمن الرحيم !!


لا أدري كم بقيت على صدر أمي أصارع الخيال المؤلم ,, لكني اقسمت أن أبقي عيناي مغلقة في ذلك الوقت ,, إلى أن ارتحلت نحو عالم النوم !



~~~~~~~~~~~~


صحوت مبكرا ً رغم نومي المتأخر ,, ووجدت والدتي بجانبي نائمة ,, مسكينة والدتي أفزعتها بصراخي الليلة الماضية .. ! قبلتها وتركتها ترقد بسلام .. إذ يبدو إنها لم تنم إلا من وقت ٍ قصير .. ..

فيما أتجهت أنا للصلاة وترتيب كتبي وإعداد نفسي للمدرسة ..

ولم تكن لدي نية تناول وجبة الافطار .. فقلبي لا يزال يشعر ببعض الالام التي راودته منذ ساعات ..

توجهت لموقع الحافلة ,, ووجدت فاطمة هناك بجانب مرآة باب منزل الجار ترتب حجابها ,, ومنذ رأتني شعرتْ بالدهشة ,, وقالت :
" أوه ليلى مابك ِ ؟؟

أقتربت أنا الأخرى من المرآة لأناظرني ووجدت عينيّ متورمتين من فرط البكاء .. ! حتما ً يبدو عليّ بأن أكثرت البكاء وليس هنالك من مفر لقول غير هذا ..

وسألتني :

أكنت تبكين ؟؟

فأجبتها بتوتر : لا لم أكن أبكي ..

" ليلى دعك من الكذب فأنت لا تجيدينه واخبريني مالذي أبكاك ِ ..
لم استطع الكذب فعيناي تفضحاني .. فقلت بعد أن نفذت كل الحجج .. في فكري ..
" كنت أبكي خالي فقد تذكرته بالامس ..

أظنه قول يُصدق دون شك ..!

وجدت التعاطف مرسوما ً على ملامح فاطمة وقالت لي مانسيت حصوله بالامس ..

" لا تكترثي لقول نادية فأنت تعرفينها جيدا ً ..

أجل .. للتو فقط تذكرت ماقالته نادية البغيضة .. !! لقد تجاهلت الامر مطلقا ,, وانستني إياه مريم ..

مريم .. لم تحضر إلى الآن .. أخال بأنها تأخرت ,, فالحافلة أراها قادمة .. !!

ناظرت المنعطفات والممرات راجية خروج مريم من إحداهن .. لكن دون جدوى ..

ركبت الحافلة وأنا على قلق لعدم حضورها ,, فاطمة فضلت البقاء في المقاعد الامامية فيما مضيت أنا لذات المقعد الذي جلست عليه بالامس . .

وأرقب من النافذة ظهور مريم .. .. الحافلة تحركت .. دونها !


السرعة جنونية كما بالامس ,, وبأجوائها تذكرت ماحدث بعد منتصف الليل ,, مريم ,, قد تراءت أمامي مشاهد رحيلها وتوديعها ..

أرجو أن تكون بخير حقا ً ..

السائق يضاعف في سرعته وتتضاعف دقات قلبي أضعافا ً ,, ويخفق حزنا ً وخوفا ً على العزيزة .. !!
يد ٌ مددتها ناحية المقبض ,, والأخرى أبقيتها على قلبي الخائف ..
إني لأتمنى أن لا يصيبها مكروه .. أتمنى ..

يارب ارحمني فلم أعد أقوَ على تقبل صدمة كمثل هذه الصدمة .. إلهي لا تفجعني بمريم ..
ومضيت أهذي وأثرثر ..
وأدعو ربي أن تكون مريم على مايرام ..

لكن السرعة الجنونية التي يقود بها هذا السائق .. تجعل كل الامال تتلاشى ,, وتشعرني بالحزن المقيت ,, بالالام التي تقتحمني .. بالأوجاع التي تكاد تخنقني ..

فأطلقت لعيناي الحرية بالبكاء بصمت .. حتى لاأثير انتباه الطالبات هنا ..

وأكرر من قول ..

" مريم أرجوك كوني بخير أرجوك أرجوك !!


الحافلة توقفت فجأة ,, ناظرت المكان ,, هو ليس مكان المدرسة ,, ماذا هناك ,, ؟؟

استفقدت الخبر ,, من النافذة ,,

ثمة أناس مجتمعون ,, وسيارة مرور تقف عند حافة الطريق ,, فيما سيارة الاسعاف في الامام بصوتها المدو .. إنه .. إنه بلاشك حادث .. !!!


وتذكرت قول فاطمة ذات يوم ..

"" مريم أوصلها والدها للمدرسة في ذلك اليوم المشؤوم .. !!

وتذكرت أيضاً ما تراءى أمامي من مشاهد قاتلة ..



وبقهر اقولها : أيتها العزيزة لا ترحلي لا ترحلي !!

ووجدت نفسي في فزع ٍ قاتل ,, في ألم رهيب ,, في .. في .. كل ما يجعلك تفقد كامل شعورك .. !!




][ يتبعـ ][



..

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس