انتظر أن تورق في فمي رمّاناً، زمني فائق العتمة يجيء ينحدر منه ألف سلالة وألف ورقة.
هكذا نحن مؤسسي الحركة الأولى للموت، نتجسد في أشلائنا العفنة، ونترك ألف مدينة خلف أبوابنا الموصدة. محملين نحن بالاسى الارجواني، نكاد أن نورق ولا نورق.
فينا قليل من الشمع، وقليل من النار، نحاول أن نتجزأ في صياغة الوقت وأن نثمر من جديد.
ياتينا كبير الطوفان، يستمد أوراقه من ملامحنا، يأتينا، يفيض بهجة في ثنايا الموت الذي قدّم لنا قرابين الولاء مرة بعد مرة.
هكذا أنا وفنجان القهوة المرّّة يذوب في فمي، يستشيط في رسم عروقي المزرقة. أتفرج على خطوطه الغافية بكفين يملأهما عبق البن البرازيلي، والمكان يفوح بكثير من الدخان.
هكذا أنا، أتيت من زمن الهاربين الى النور، وسكنت العتمة طوعاً. لا مزيد، لا مزيد! فقط قليل مني والتراب وطعم القهوة يذوب في فمي.
أكاد أن أورق زيزفوناً وان أحمر كغصن الرمّان.
تأتي الي أشباحٌ تفيض بها مقلتيّ، أظن أنها ساعة الفصال. عامان والزمن مرسوم بأوجه على جسدي، يكاد أن يخترقني في ذهولي الصامت. في وجهي المحمر لكثرة سمرته، في موطن البذر، يأتيني صراخه المكتوم.
أتكوم على جسدي، واستنشق القهوة كرّة أخرى.
احاول أن اجتث من شراييني وجهه، وطعم الزفير، وبعض الليلك. لا آوي الى نفسي ذلك المساء. أكتفي بالظلمة صديقاً وفياً.
قليلا من البرازيل، يشع في وجه لا تطاله الشمس. قليل من الحب في عينين تداعبان النور.
أرفع ذلك الكوب، به قليل القهوة ينبي أن هناك نور في ثنايا ذلك الجسد. يتغلغل حين مساء. يكترث بزقزقة العصافير، يورق والزمن الخريفي المتأصل في جسدي المنهك.
يأتيه ورق وأقلام وزمن فائق الظلمة، يبحث عن النور.
كنت أنا وجهاً آخر في قافلة الوجوه، جسدا آخر بين ملايين الاجساد. كنت أنا، وقليله الذي في فمي، يتناثر كالعبق في الغرفة المظلمة. كنت أنا أخرى، وكنت أنا الاخرى دائما، كان هناك ألف أولى . والف ثانية. وكنت انا الاخرى في زمانه البعيد.
وبين ملايينه المفعمة بالضوء. كنت في الكهف أخرى. وكان في فمي عبق من البرازيل.