اذا مر احدنا على المقبرة سن له أن يقول « انتم السابقون ونحن اللاحقون. والموظفون الغلابة وبالأخص في القطاع العام هم أشبه بمن يستلمون أكفانهم فور وصول خطابات الإشعار بتقاعدهم إليهم . بلوغ الموظف وخاصة» الكحيان» سن التقاعد أمر يجبره على إعادة حساباته لأكثر من مرة. راتبه الشهري « يخس» كثيرا إذ تنزع منه البدلات وكل النسب التعويضية التي كان يتلقاها وهو على رأس العمل , بعضهم يطير نصف راتبه طبقا لنظام التقاعد البالي .الإحصائيات تشير إلى أن 30 بالمائة من المتقاعدين يتقاضون الحد الادنى من الراتب التقاعدي أي ان مصاريفهم شهريا يجب الا تتجاوز ال» 1700ريال» حتى ولو كان هذا المرتب لأسرة كاملة قد يتجاوز أشخاصها العشرة.
* التقاعد هم يثقل حمله في صدورنا . الحياة بعد التقاعد كئيبة ورتيبة , يكون الفراغ فيها ضيفاً ثقيلاً طوال الأربع والعشرين ساعة , وكم من امرأة تاهت و» ضاقت بها الدنيا» بسبب تقاعد بعلها الذي أصبح لا يفارق الريموت كنترول وإذا سمع صوت « قرقعة « صحون في منزله ثار رغما عنه بل انه مستعد حينها إلى انتقاد الكنس والنفخ وتوجيه اللوم لزوجته حول أي شي تقوم به. فراغ يقتلهم وهم بيننا بل يزيد مساحة الاكتئاب لديهم ويفرض عليهم الدخول الى ادق تفاصيل الشيخوخة حيث التخريف والهلوسة و» حشر الخشم» في كل شي لدواعي الإحساس بالملل .كم من متقاعد حول بيته إلى مأساة بسبب تدخلاته التي لا تخلو من الزن والهمز واللمز .
* « صالح» رجل اعرفه منذ أكثر من عشرة أعوام لازمني في العمل وكان أكثر من مد يد العون لي فهو خير من أستشيره في أمور المعاملات وطرق معالجتها . صدم هذا الصالح بخطاب تقاعده لم يشتكي من ذلك لكنني كنت اشعر بألم فراقه منذ أن اخبرني بإحالته على التقاعد . هو موظف لازمته الكفاءة طوال معرفتي به ومثله» إن كان في النظام بركة» يجب أن لا يترك دون أن يقدر ويكون في موقع العمل حتى وهو محال للتقاعد ولو باستشارة أو بمساعده وهو بعيد . بعض المتقاعدين لا يشغر مكانهم والعم صالح منهم بالتاكيد. فلم لا يتم استثمار كوادر المتقاعدين ولو بتعيين بعضهم كمستشار بدلا من مستشارين عدة حازوا المناصب بشهاداتهم و» علاقاتهم» وهم بلا دراية ولا يعرفون كيف تدار الأمور بل إن رواتب عدد منهم تثقل كاهل ميزانيات الدوائر الحكومية دون أن يكون لهم أي اثر في الأعمال التي يقومون بها والإدارات التي يتعاملون معها.
لا ألوم صالح اذا توجع في داخله وهو يترك عمله دون أي ينال ما يستحق من التقدير , بمناسبة ذكر التقدير في العمل العام والذي لا يتجاوز في المعتاد حدود شهادات التقدير , أرى أنه من الواجب أن يكون لدينا وعي ولو قليلا لأهمية إعادة الالتفاتة لنظام التقاعد من قبل القائمين على موسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية فهم يسلخون من راتب الموظف خلال عمله مبالغ ضخمة وبمعدلات ونسب مئوية شهرية وبعد التقاعد يمنحون نفس الموظف « المسلوخ» راتبا لا يرقى لتجاوز وإشباع الاحتياجات اليومية مما يعني بكل صراحة ان الموظف لدينا وخاصة الموظف الحكومي لا يقدر سواء كان على رأس العمل او يتمخطر في بيته متقاعدا.
فاصلة كبيرة:
« أعان الله القائمين على جمعية المتقاعدين اذ ان صوتهم لا يسمع والابواب امامهم مكبلة بالاقفال الحديدية. اليس من حقهم ان يكون لهم التفاتة من القاعدين على الكراسي الدوارة؟ ... اتمنى ذلك.»
.........................
نشرت في جريدة اليوم الجمعه22/2/1429