منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ظلٌّ مقطوع !
الموضوع: ظلٌّ مقطوع !
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2008, 03:13 PM   #1
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

الصورة الرمزية د. منال عبدالرحمن

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 459

د. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي ظلٌّ مقطوع !


على الكرسيّ المجاور لها سمعته يردد :

اللهم يا بديع السموات والأرض , ترفّق بها , فوحدك تعلم مدى حبي لها , اللهم ارزقها من لدنك رحمة تتساقط على وجعها رطبا جنيا .

كانت عيناه الدامعتان , تسلبان قلقها نحو تلك الغرفة المجاورة لغرفة أختها , وعندما علا صراخ طفلٍ صغير من
تلك الغرفة , تهلل وجهه بالفرح , و تساقطت انهار دموعه تشكر الله بصوتٍ عال . ثم أخرج من جيبه ورقة نقدية و دسّها في يد الممرضة التي جاءت لتخبره بأنه رزق بمولود ذكر , بعد أن بادر هو بسؤالها : وكيف حال زوجتي ؟

في داخلها , كانت هي تغبط تلك الموسومة بالوجع في تلك الغرفة , و التي تحتضن الآن فرحة زوجها , و ابنها الذّكر .

في الحقيقة كانت هي تغبط أختها أيضاً , رغم خوفها عليها , واتهامها لها بالغباء , فهذه هي ولادتها الخامسة ..هي تحاصر نفسها بالأطفال و تقيّد حريّتها و جمالها بهم .

ولكنّ أختها كانت تضحك دوماً , و تخبرها بأنّها حاملٌ من جديد .

بعد قليل أخبرتها الممرضة بأن أختها أنجبت بنتاً وأنها بخير , وبعد أن اطمئنت عليها تركتها مع زوجها و ذهبت لمكتبها فالمدير لم يسمح لها بأكثر من ثلاث ساعات اجازة . عادت للعمل , جلست وراء مكتبها و انهمكت في الملفات المؤجلة أمامها و لكن صورة ذلك الرجل لم تفارقها , ولا صورة عينيه الدامعة .

في المساء مدعوّة هي للعشاء مع وفدٍ من دولةٍ مجاورة , يقول مديرها أن هذا الاتفاق سيجر للشركة أرباحا كثيرة
وان عليها و باقي محامي الشركة الحضور , للإشراف على وضع الشروط المشتركة للعقد .

متعبٌ هذا المساء , ككلِّ مساءاتها .. ستذهب للعشاء و قد تعود للمنزل منهكة و لكنها ستنام وحيدةً ككلَِ ليلة و ستملأ وسادتها ببحور الأرقِ الفائض في داخلها , وقد تسمع موسيقى باخ المفضلة لديها فتزيد ألمها بدلا من أن تزيح التعب الساكن عقلها .

منذ سنواتٍ طويلة , بعد أن رحل عماد وترك الزهور البكر التي تفتحت في قلبها له تقارع الذبول .. وهي وحيدة
رحيله أكسبها الجفاء في تعاملها مع الآخرين , كلهم صاروا في عينيها عماد ..

كان هذا ما يجعل توددها لرجل ما أمرا مستحيلا , و مجرد تفكير أحدهم بالارتباط بها ضربا من الجنون .

ورغم أن الوحدة أرهقتها ونالت من أنوثتها الكثير , إلا أنها لا تستطيع إلا أن تكون هكذا , كتلة من لهب مخبأة تحت رماد القسوة .

رائحة الدفء في منزل أختها , صوت ضحكات أطفالها , هموم تأمين حاجياتهم , نكهة الحب في طعام أختها ..

كل ذلك كان يملأ داخلها بالدمع ..

وعندما زارت صديقتها سماح آخر مرة بعد غياب طويل جدا , فاجأها ذاك التورد الذي ملأ وجهها لتعلم أنها حامل في الشهر الرابع ..
هي الآن توقن بأنها تحتاج إلى رجل , و لكن كبرياءها , و عماد كانا دوما في المنتصف !

لم يوقظها من أفكارها تلك إلا صوت الأستاذ عرفان الذي أخبرها بانتهاء الدوام وبأنه سيمر مساءا ليأخذ الجميع بسيارته إلى العشاء في الساعة السابعة .

في المساء كانت تجلس هي إلى جانب الأستاذ عرفان كبير محامي الشركة , و بجانبها مديرة العلاقات العامة للشركة الصديقة .

تحدثت هي كثيرا , عن المشروع الجديد , وعن إمكانيات الفشل و أرباح النجاح .. و كانت عيناها تتوقفان كل مرة تجول بهما على مستمعيها عند ذاك الرجل , الذي تم تعريفه بأنه المدير المالي للشركة الصديقة .

كان يستمع إليها وكأنه يحتضن شيئا ما , كانت تشعر بأنه قريب منها حدّ استراق النفس , ولكنها تابعت بجفاء كعادتها .

في نهاية اللقاء و بعد أن تم توقيع العقود , قال لها : هذا رقم هاتفي , أتمنى أن أراكِ قبل سفري بعد غد .

ولم ينتظر ليسمع إجابتها , صافحها بحرارة , و انصرف مع الآخرين .

لم تدري ماذا تفعل بيدها المحترقة , و قررت أن ترمي بتلك الورقة اليتيمة و تخلد للنوم بمجرد وصولها البيت .

ولكنها لم تفعل , لم ترمي الورقة و لم تنم , و لم تتوقف عن التفكير .

في الصباح خرجت إلى العمل , بقي همسه عالقا في أذنها , وعند استراحة الظهيرة وجدت يدها ترفع سماعة الهاتف و تطلبه ...

وجاء صوته كالمطر : أهلا بكِ , هل لي بان أراك اليوم بعد انتهائك من ا لعمل

ولم تدري سوى أنها قالت نعم .


وسافر هو بعد أن ترك في قلبها ذاك اللقاء و الكثير الكثير من الأمل و الحياة , وخاتم خطبة زيّن شعورها
, سافر و وعدها بأنه سيعود بعد أسبوع بعد أن يتقدم بطلب إجازة زواج .

ولم يعد , مر أسبوع و آخر .. و لم يعد ..

كانت هي توقن بأنه سيعود , و بأن غيابه ما هو إلا طعنة وقتٍ فقط في خاصرة أملها العائد للحياة من قبور الجفاء القاتل .. كانت تشعر بان عماد رحل من عينيها للأبد , وانه لن يعود بزيّ رجلٍ أعاد النبض إلى أوردتها .

ولكنه لم يفعل ....

بعد شهر كانت هي ترقد صامتة في مستشفى الأمراض العصبية , تطالع السقف المدوّر كخاتمها , و على يدها لفّت برقية حملت خبر موته .

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس