منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوميات / الطيب الجوادي
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-16-2006, 07:24 PM   #3
الطيب الجوادي
( كاتب )

افتراضي


أكاد أقول إنه كلما حل هذا الشهر الكريم !!إلا وجاء معه بعبق التاريخ!!
أنا أحتفظ بذكريات كثيرة عن هذا الشهر العظيم!!وتتجدد هذه الذكريات مع حلول هذا الشهر العظيم كل سنة!!

كانت الحياة بسيطة،بل بسيطة جدا!!
لم يكن أحد يكلف نفسه أكثر من طاقتها ،فلم نكن نسرف في مأكل ومشرب أو غيره
وكانت القلوب عامرة بالإيمان ،والناس متحابين متآزرين متعاونين!!
وانا مستعد أن أدفع نصف عمري لقاء جلسة من جلسات أيام زمان تحت ضوء القمر!!
بدون كهرباء وبدون تلفزيون وبدون قنوات فضائية!!
كان هناك شيء نفتقده الآن هو الدفء البشري!!فالأبواب كانت على الدوام مشرعة!!
وكنا نجلس متقاربين!!نرى وجوه بعضنا ،ونستمع إلى بعضنا فنرى ملامح الوجوه وانفعالاتها!!
كانت خالتي عائشة رحمها الله محدثة لبقة،تتكلم فتشرئب الأعناق وتهفو لها الأرواح وتكتم الأنفاس!!
وكانت كل أسرة تأخذ ما تحتاجه من الأسرة الأخرى!!
وكنا نحن الصغار أحرارا في اختيار الأسرة التي نفطر عندها!!ولم يكن الوالدان يسألان عنا
إذا لم نكن متواجدين مع الأسرة على المائدة ساعة الإفطار!!فهما يعرفان أننا عند هذه الأسرة أو تلك وأنه لا داعي أن يقلقا علينا!!

وآآآآآآآآآآه من أيام العيد!!
كانت النساء تجتمعن في منزل عمي،باعتباره أكبر رجال القرية سنا!!
ويمضين الليل في إحضار حلويات العيد :المقروض :وكان يتركب من السميد والعسل والتمر!!
و"الغريبة" وهي تتركب من الفارينة والسكر والزيت!!
وكنا نحن الصغار نحوم حول المواقد المعدة لإنضاج تلك الحلويات لنقتنص فرصة انشغال النساء،لنتذوق بعضها!!
ويا لتلك الليالي:غناء وقفشات بريئة!!في مجالس النسوة
وألعاب مختلطة بين الأولاد والبنات!!وقفشات بريئة وغير بريئة!!

لا أذكر ان والدي كان يشتريان لي ملابس جديدة في كل عيد!!
قلربما اضطرا لضيق ذات اليد أن يلبساني ملابس العيد السابق!!أو ملابسي القديمة بعد أن يتم غسلها جيدا!!
ولم يكن ذلك يعنيني كثيرا!!
لأن الذي كان يعنيني أكثر هو المبلغ الذي يمنحه لي والدي يوم العيد لإشتراء "الزميرة"و"النفيخة،وحلوى العيد !!
وكذلك "المهبى"المتمثلة في المبالغ التي يمنحنا إياها الأقارب يوم العيد !!

بعد صلاة العيد التي تقام بظاهر القرية
تبدأ الأويقات الأجمل:نلبس الجديد ونبدأ في الطواف بالمنازل "للتعييد"وتسلم "المهبى"
وكانت كل أسرة تدعونا للدخول وتناول بعض الحلويات ثم تدعنا ننصرف!!
وبعد إفطار سريع مع أفراد العائلة!!
يتوجه الجميع في قوافل طويلة شيبا وشبابا وأطفالا باتجاه منزل عمي :محمد بن أحمد أكثر رجال القرية مكانة وشأنا وأكبرهم سنا!!
الذي يهييءطعام الغداء بعد أن يكون قد ذبح للجميع خروفا سمينا!!وهيأ المجالس الباذخة [بمقاييس ذلك الزمن]
ولم يكن يسمح لأحد أن ينصرف قبل صلاة المغرب!!إلا النساء فإنهن يقصدن المقبرة "للتعييد "على الموتى ،بعد صلاة العصر!!

وكنا نحن الأطفال نقضي نهارنا ننفخ في مزاميرنا ونلعب بألعابنا البسيطة!!وننط ونقفز ،
وندبر المقالب،ونسرق الحلويات ونقود بعض المغفلين!!وقد نقامر بملاليمنا القليلة!!
وكان يغمرني حزن رهيب عندما يقارب يوم العيد على نهايته!!

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الطيب الجوادي غير متصل   رد مع اقتباس