بعض الورد من : اناتولي ريباكوف
- حدثنا يا ستالين...
( يضحك )..عندما أقول إنني أستطيع أن أتكلم مثل ستالين ، فهذا لا يعني أنني أحسن تقليد لهجته الجيورجية..لا..لكن أستطيع أن أحاكيه في منطقه و أقلده في تفكيره ، فلو حكيت كستالين عن الطقس حتماً سأستخدم صيغة المتكلم ، وفي مونولوغ لا يتوقف ولو أن أحداً ممن سمعوه سمعني أتحدث فسوف يصيح ( تماماً! هذا هو ستالين ).
- ماذا كان يقول عن الطقس مثلاً ؟ هل كان يدين الشمس أو المطر ؟
يتوقف حكمه على الشيء تبعاً للظرف ، ولعقلية المستمعين إليه تلك اللحظة فلو كان يريد أن يحكم عليك بالموت يخاطبك على هذا النحو ( كم يكون جميلاً موافاة الموت عند الفجر ، إن الأجيال المقبلة ستتذكر تلك الميتة البطولية ).
أما إذا كان يرغب إليك أن تقتل له شخصاً ما فيخاطبك على هذا النحو ( يجب ألا تفعل هذا كسارق أو كقاطع طريق في الظلام ، بل افعله في وضح النهار ).
وستالين يعرف دوماً من يخاطب ، والطريقة الملائمة ، والمسألة ليست كلام ستالين بل تأثير كلام ستالين في الآخرين ، مثلاً إذا صرح يوماً ( عندما تشرق الشمس فالطقس يكون جيداً ) وجدت فجأة مئات الفلاسفة والأساتذة الجامعيين يشرحون المغزى العميق لهذا الكلام ، بل إن أحدهم سوف يكتب على هذا النحو ( إن الرفيق ستالين قال إن الشمس إذا أشرقت انبعث الدفء ، فماذا يعني هذا ؟ على الصعيد الفيزيائي يكون التفسير واضحاً أن الشمس بإرسالها أشعةً إلى الأرض تجعل الجو دافئاً عن طريق ارتفاع حرارة الهواء ، أماعلى الصعيد الفلسفي ، فإن هذا القول يعني تأكيد العلاقة المباشرة بين الشمس كجرم سماوي والحرارة كمادة أثيرية ، أما على الصعيد التاريخي...) أرأيت كيف كان صدى كلامه؟
إن للروائي مصدرين مهمين، الذاكرة والمخيلة ، والذاكرة الأفعل ذاكرة القلب ، وعلى الكاتب أن يتذكر كل شيء وكل حياته ، ولا يعني هذا أن يحتفظ في ذاكرته بكل ما يمر به.
و إنما عنيت تلك اللحظات التي لا تنسى والتي فجأة تنفجر في وعيه دون استدعاء في الوقت المناسب.
أما المخيلة فهي شيء مختلف ، إن مئة شكسبير مع مئة الكسندر دوماس مع مئتي تولستوي لا يستطيعون أن يخلقوا أكثر مما في الحياة ، فالذاكرة والمخيلة إذن سلاح الكاتب.