منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ما عادت التقوى في القلوب !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-2008, 02:02 AM   #1
عبدالله العامري
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالله العامري

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

عبدالله العامري غير متواجد حاليا

افتراضي ما عادت التقوى في القلوب !!



خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، صوره في أحسن الصور ، وكرمه بأن أمر الملائكة بالسجود له ، فنال هذا المخلوق من الشرف والعز والتكريم ما لم ينله مخلوق سواه . ثم استخلفه في الأرض ، ليعمرها بالخير والصلاح ، لتحقيق العبودية له سبحانه وتعالى ، التي يتساوى فيها العبد وسيده ، والرئيس ومرؤوسه ، وشريف الناس و وضيعهم ، و غنيهم و فقيرهم ، عبودية باعتقاد جازم صادق صحيح ، لا يخالطه ريب ولا شائب ولا جهل ولا ظلم . خلق الله الناس .. شعوبا وقبائل ، أجناسا وأشكالا ، سودا وبيضا ، اختلفوا في أشكالهم وألوانهم ، وتوحدوا - من هداه الله منهم - في عقيدتهم وربهم ، فكان معيار الصلاح " التقوى " والتقي هو أكرم الأكرمين عند الله سبحانه وتعالى ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن محل التقوى هو " القلب " وهو مضغة في الجسد إن صلحت صلح سائر الجسد ، وإن فسدت فسد سائر الجسد . والتقوى أمر غيبي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ولا يظهر على أحد أي مظهر يدل على أنه تقي ورع ، لا من صورته ولا من هيئته ولا من نسبه ولا من وطنه بل بصدق معتقده ، بالإيمان الكامل بجميع أركانه ، وبخشيته وخوفه من الله سبحانه وتعالى .. ومراقبته لله في السر والعلن ، والتقي هو من إذا اختلا بمحارم الله لم ينتهكها ، وقال : " إن الله يراني " يتقي الله في قوله وفعله ، في سمعه وبصره ، في مأكله ومشربه ، في تعامله مع الناس من ذوي القربى والأصحاب والجيران ، وفي معاملاته المالية والتجارية ، وتلك أعمال قلبية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ... وإن ظهر لنا بعض بوادرها ، ورأينا شيئا من آثارها ، وشهدنا بعض نتائجها فلا يعني ذلك أن نمنح أحدا من البشر لقب " تقي " لأن تلك من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا علام الغيوب ، ومقلب القلوب ، لكننا نحسب في الناس ذلك والله حسيبهم ، ولا نزكي أحدا على الله سبحانه وتعالى . إن إهمال الصور والأشكال والألوان والأنساب ، في يوم العرض الأكبر على الله ، والتعامل بمعيار التقوى في تكريم العباد من شأنه أن يذيب الفوارق بين الناس ، ويزيل الطبقات ، فكم من شريف في قومه ما نال من ذلك الشرف إلا الذل والمهانة والكب على وجهه في نار جهنم ، وكم من وضيع في قومه ونسبه قادته تقوى الله إلى الفردوس الأعلى من الجنة في أعلى الدرجات وفي أعز صحب ، وفي أشرف رفقة ، وكم من سيد في قومه ، فأصبح يقاد بالسلاسل والأغلال في نار جهنم ، مهان في زمن لا كرامة فيه إلا بالتقوى ، وذليل في زمن لا عزة فيه إلا بالإخلاص ، وعبد في زمن لا سيادة فيه إلا بالعقيدة الصادقة والأعمال الصالحة ورحمة رب العالمين . ومع كل هذا ... لا زال الكثير منا .. يعتقد أن التقوى في الشكل واللون ، في المظهر الظاهر ، لا في الجوهر الباطن ، يرون أن التقوى محصورة في وطن ، أو في مذهب ، أو في جنس ، يرون أن التقوى في " لحية " طويلة ، أو " ثوب " قصير ، وهذا جعل بعض الناس يتخذون من أشكالهم ستارا ،، يسترون وراءه ما يرتكبونه من معاص ، وجعلوا منها سبيلا لنيل ثقة الناس واستعطافهم ، يظهرون خلاف ما يبطنون ، ويخافون الله من أجل الناس في العلن ، وينتهكون محارمه في السر ، وذلك هو الرياء .. وما الرياء إلا شرك والعياذ بالله ... ثمة سبب جعلني أكتب مثل هذا المقال ، ليس هجوما على أصحاب اللحى ، ولا رفضا لهذه السنة النبوية الكريمة ، لكن موقفا مررت به جعلني أفكر فيما لو كانت التقوى في المظاهر ، التي تختلف عن الجواهر ، كيف لو كنا نطيع الله في النهار ، ونعصيه في الليل ، كيف لو كنا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعضه ، هل ستكون الجنة فقط لأصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة ؟ ، وكيف سيكون الحال لأصحاب اللحى من اليهود والنصارى ، ومن الكفرة والملحدين ؟ ، وهل سيكون معيار التقوى والصلاح والولاء والبراء هو اللحى والثياب ؟ ... عندها أيقنت أن رحمة الله وعدله فوق كل " ظلم " ومعيار التقوى القلبية ، هو أصدق المعايير وأعدلها بين عباد الله .. والحمد لله رب العالمين ...

.

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عبدالله العامري غير متصل   رد مع اقتباس